الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجالس العراق الجديد والدستور الشهيد

حمزة الجواهري

2006 / 2 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من غرائب الأمور أن يتم الاستهانة إلى هذا الحد بكل مفاهيم الديمقراطية من قبل دعاة الديمقراطية ومن قاتلوا من أجل أن يضعوا دستورا يحمل سماتها! أما الأغرب هو إن هذا الدستور الذي عمل عليه كل أطراف العراق السياسية وبعد مخاض عسير ظهر للوجود، وبتحد كبير للإرهاب خرج الشعب ليقول كلمته الأخيرة قبولا أو رفضا له، كل هذا جرى أمام العالم، وبرعاية من الأمم المتحدة أهم الهيئات الدولية، وشارك بمراقبة الاستفتاء عليه آلاف المراقبين الدوليين والمحليين، مع ذلك، إن هذا الدستور الذي لم يرى النور لحد الآن ينتظره الجميع وهم يحملون سكاكينهم لتقطيعه!!
أما الأكثر غرابة من هذا وذاك، هو أن المفاهيم قد قلبت بشكل تعسفي إلى درجة تجعل من المتحمسين للعملية السياسية في العراق محبطين ومذهولين، يلعنون الساعة التي ولدوا بها وهم ينتمون لهذا الشلة من السياسيين فاقدي الإحساس بكل شيء.
يرى أحد هؤلاء الساسة أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييراً في أساس البنية الحكومية مشيراً إلى أن الحكومة المقبلة لن تتمثل برئيس الوزراء، بل ستكون حكومة جماعية يشارك فيها جميع الأطراف العراقية في صنع القرار! وإذا لم يكن الأمر كذالك فلا توجد ديمقراطية في العراق! وإن كل سياسي اليوم يحمل في حقيبته الكثير من المقترحات التي تطيح بكل معاني النظام، لماذا؟ لأن في العراق ديمقراطية، وهذا يعني أن كل إنسان أو حزب له الحق حتى بحرق العراق!
بالله عليكم يا سادة، أين طبقت ديمقراطية كهذه؟! ديمقراطية العراق بالضبط كما يقول المثل الشعبي "علج المخبل ترس حلكة
فتعددت المجالس المقترحة التي لم يبقي لشيء منها معنى، وأول ضحايا هذه المقترحات أو المشاريع السياسية هي السلطة التنفيذية المنتخبة ومن ثم السلطة التشريعية وأخيرا القضاء على هيكلية أنظمة حفظ الأمن والنظام التي عرفها العالم منذ فجر التاريخ!
""المجلس الوطني" هذا ما يدعوا له أحد الأطراف وهو لجنة سياسية عليا مهمتها البحث والتوافق في القضايا الاستراتيجية، بعيداً عن ثوابت الأقلية والأكثرية، ومن ضمنها القضايا الخاصة بمستقبل العراق وعلاقاته الدولية والإقليمية وارتباطه بالمصالح الدولية في المنطقة، علاوة على المطالبة بتشكيلة حكومية تضم أربعة أطراف بالتساوي، وهذا المجلس له صفة تنفيذية عليا. فأين الحكومة من هذا المجلس!!!!!
أما "مجلس أهل الحل والعقد" فهو مجلس آخر مهمته أن يصدر التشريعات والقوانين التي يجب أن يتفق عليها الجميع، أي عندما لم يتفقوا يبقى البلد في مهب الريح، أما وظيفة البرلمان المنتخب فإنها ستكون في عقد حلقات السمر، وعندما تصدر تلك التشريعات فإن البرلمان المنتخب يرقص الدبكة وفق ضوابط، أي يجب أن تكون الدبكة عربية وكردية وجميع الدبكات للأقليات العرقية من أجل إحقاق الحق! كما ويستبعد أحدهم إمكانية تشكيل حكومة تكنوقراط للسنوات الأربع المقبلة، معتبراً ذلك في ظل الظروف السياسية المعقدة أمراً مستحيلاً وصعباً! وحذر من تشكيل الحكومة الجديدة على هذا النحو لأنه سيشل العملية السياسية ويعمق الخلافات بين الكتل البرلمانية! كيف استطاع هذا السياسي الوصول لهذا الاستنتاج؟ لا أدري!
بظل الديمقراطية البهلولية هذه من حقي أن أسأل: عن أي برلمان يتحدث هذا السياسي، عن مجلس الحل والعقد أم ذلك البرلمان البائس الذي انتخبه الشعب؟ وهل بقي برلمان أصلا لكي تتم استشارته؟
أما المجلس الثالث فهو "مجلس الأمن القومي" وهذا المجلس هو الذي يقود الملف الأمني في العراق ومن ضمنه وزارتي الداخلية والدفاع، يتم تشكيله من مجموعة متكافئة من الأعضاء كل واحد منهم ينتمي لمكون من مكونات العراق، ويجب أن توزع مهمات هاتين الوزارتين إلى لجان مختلفة يقود كل واحدة منها رجل طيب!!!! أيضا يمثلون مكونات العراق، وأن تبقى مهمات الوزيرين، أي وزيري الداخلية والدفاع هي أن يتولى أحدهم رعي قطيع من الماعز والآخر قطيع من الغنم، على أن ترعى هذه القطعان واحد في جبال الأمزون العليا والآخر في هضبة التبت، وذلك لأن الأمزون والتبت خاليتان من مرض أنفلونزا الطيور.
لكن الأهم والذي بقي معلقا ولم يتفق عليه الساسة العراقيون لحد الآن هو: من الذي سوف يرعى الغنم ومن سيرعى الماعز؟
التوافق يعني تجاهل نتائج الانتخابات، وأن يتم توزيع المناصب وفق أهميتها حسب الطريقة الآتية: حيث تختار الكتل الصغيرة ما يناسبها من هذه المناصب تاركة ما يتبقى، هذا إن تبقى شيء، للكتلة التي تشكل الحكومة دستوريا!
والتنازلات مطلوبة من طرف واحد فقط، وهي تعني فقط التنازل عن اجتثاث البعث والفدرالية وتقطيع الدستور الجديد الذي لم يرى النور بالسكاكين، لأن من مثالب هذا الدستور أنه يوزع الثروة بشكل عادل بين أبناء العراق، كما ويوزع السلطة أيضا بشكل عادل، ويضمن الحريات العامة، وهذا ما لا يسمح بنهب هذه الثروات وفق رغبات الساسة العراقيون وأن تبقى السلطة مركزية لأنها تستطيع أن تلجم الشعب بحيث لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، بل يقطع لسانه لكي ينسى الكلام.
كل هذه التنازلات مطلوبة لأن العراق ديمقراطي، طبعا كل هذا مطلوب ديمقراطيا بدون مقابل!
"الإنصاف" كمفهوم وفق القاموس السياسي الجديد فإنه يعني فقط إعادة تشكيل الجيش والقوات المسلحة القديمة وتسريح القوات الجديدة، وتجاهل كل الجرائم التي ارتكبها النظام المقبور وكل ما ارتكب من جرائم على يدي الإرهابيين، كما ويعني أيضا مفهوم الإنصاف الديمقراطي الجديد أن يكون للزرقاوي، لأنه ليس حمراوي، الحق بطرد كل من ممثلي حزب الدعوة والمجلس الأعلى والحزب الشيوعي، الذي يجب أن يطرد عشرة مرات، وجميع ممثلي الأحزاب العراقية التي وصلت للعراق على ظهر الدبابة الأمريكية وبضمنهم الدكتور علاوي حيث يجب أن يطرد بعد تقطيع كل شيء بارز في جسمه، ولا مانع لو بقي الزرقاوي لوحدة مع المطلق ومشعان لقيادة جميع المجالس آنفة الذكر!
الخطوط الحمراء وضعوا عليها خطوطا أكثر احمرارا، فهم يقصدون بذلك، أن لو كان لدى جهة ما شرط، فهو مشروع، شرط أن لا يسميه خط أحمر! ولا أدري أية جهة من الجهات المتصارعة ليس لديها ثوابت تسميها خطوط حمراء؟ الكورد لهم ثوابتهم التي لا يمكن التنازل عنها، والإسلام السياسي له ثوابت لا يسمح لأحد التجاوز عليها، والعلمانيون لهم ثوابت تعتبر هي الأساس بالوحدة الوطنية، وهكذا جميع الأطراف لها ثوابت تتمسك بها، وما يتم التنازل عنه لابد أن يكون التنازل مقابل تنازل من الجهة المستفيدة، فلا يوجد منطق يبرر أن تتنازل جهة دون مقابل، أليس هذا هو منطق السياسة يا ساسة العراق الجديد؟
من هذا نستطيع أن نستنتج أن هناك سياسة جديدة للوي الأذرع، من خلال التلاعب بالمعاني والمفاهيم، وإذا لم تكن هذه مجدية، فالتقسيم أو السلاح هو الحكم!! هذه هي ديمقراطية العراق الجديد!!!!!! ومن لا يصدق هذا الأمر، عليه مراجعة تصريحاتهم عبر الأيام الثلاثة الماضية.
"الإرهاب" الإرهاب غير موجود والإصرار على محاربة الإرهابيين يعتبر اضطهاد لبعض مكونات الشعب العراقي، وإن أي حديث عن الإرهاب يعتبر طائفيا ويتعارض مع مفاهيم وقيم الوحدة الوطنية، فلا إرهاب بعد اليوم، أما من يقتل العراقيين فإنه مقاومة وطنية شريفة، ولا يمكن تفعيل قانون محاربة الإرهاب، بل يجب إلغاءه لأنه يخل بأهم مبادئ الوحدة الوطنية، وهي أن يبقى الحق لمن يحمل السلاح أن يقتل من يشاء من هذا الشعب! وبغير هذا الشرط لا يمكن أن تشكل الحكومة!
جيش الإسلام وجيش أنصار السنة وجيوش المجاهدين المتعددة التي تحتضن القاعدة، كلها مقاومة وطنية وشريفة جدا، وعفيفة جدا، ونظيفة جدا جدا، ولم تقتل أحدا "جدا جدا"، وحتى القاعدة فهي أشرف من الشرف جدا جدا جدا مادامت بعهدة هذه التنظيمات المسلحة! والقتل هو الآخر أصبح مصنفا على هذا الأساس! فمن يقتل من المجاهدين الأبرار فهو شهيد! أما من يقتل من الناس العزل فهو مجرد ذو حظ عاثر، بل مجرم غادر، "وإبن صطعش كلب" على حد تعبير صدام في المحكمة!
لقد أضحكتم العالم على الشعب العرقي أيها الساسة، بعد كل اجتماع بين كتلتين أو أكثر يأتينا سيل من التصريحات المضحكة والرغبات الشرسة والمقترحات التي أقل ما يقال عنها أنها الكفر بعينه.
البرلمان منتخب ولا يحق لأحد التجاوز عليه بأي حال من الأحوال، والدستور الذي يحدد صلاحيات البرلمان والسلطة التنفيذية موجود ولا نسمح لأحد التلاعب به، وعليكم أن تتذكروا أن التشكيل المنتخب من قبل الشعب لا توجد به أغلبية، لا بسيطة ولا أغلبية الثلثين، فلمصلحة من كل هذه المحاولات اليائسة لإجهاض الدستور وتخريب العملية السياسية؟
إن كل مجلس من المجالس المقترحة يتناقض مع روح وفقرات الدستور، ومن شأنه أن يجعل العراق في حالة من الفوضى لا حدود لها، لأن أول ضابط لهذا الأمر هو الدستور، لذا هو المستهدف الأول من كل هذه المحاولات العقيمة.
جميع الأطراف لها ثوابت يعملون عليها، فمن لا يتفق مع برنامج الحكومة عليه أن لا يصوت في البرلمان على منحها الثقة، وفي النهاية إن الدستور الذي تريدون الإطاحة به من قبل أن يرى النور هو الذي يجب أن ينظم هذه العملية، شئتم أم أبيتم، لأنه هو السند الوحيد الذي نلجأ له بعد ظهرتم على حقيقتكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط