الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيريسترويكا غورباتشيوف (9 من 9)

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2017 / 11 / 8
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


خاتمة وخُلاصة
كتب‏‎ غورباتشيوف خاتمةً لكتابه تقع في صفحتين ونصف. إبتدأها بعبارة تبدو مثيرة: "آن لنا أن نضع نقطة النهاية ... ومع ذلك لأبد من بضع كلمات في الختام". ولكنه عاد ليقول: "الكتاب في قناعتي التامة لم ينتهِ بعد ولا يمكن أن ينتهي. وهو خليق بأن ينتهي بالعمل والتحرُّك في سبيل تحقيق تلك الأهداف التي حاولت الكلام عنها بصراحة على صفحاته". (الكتاب: ص371).

تناول كتاب غورباتشيف، المفتوح كما وصفه، أمراً خليقاً بمواصلة العمل والتحرك من أجل تحقيق الأهداف، معترفاً بإن البيريسترويكا ليست عملية سهلة وبسيطة. وتنبأ بإحتمال أن الشهور والسنوات القادمة سوف تتميز بخطوات جديدة لا تقاس بمعايير مألوفة، وقال: نحن نعمق أفكارنا حول أمس الاشتراكية ويومها وغدها.

يرى غورباتشيف بأن مبادراته إتجاه الغرب تسعى الى تحويل الارتياب والعداوة الى ثقة، وتوازن الرعب الى توازن التعقل والإرادة الطيبة، والأنانية القومية الضيقة الى التعاون. إن العالم كله، كما يدعي، يحتاج الى البيريسترويكا، إنها ضرورية لعالم مشبع بالأسلحة النووية، وتعصف به المشكلات الاقتصادية الخَطيرة.

أكد على أن الجميع تلاميذة، والمعلم فهو الحياة والزمن. وتمنى للقرن الجديد الحادي والعشرين، بأن تسوده الحرية ويتطور السباق السلمي بين مختلف النظم الإجتماعية، وأن يُشجع التعاونُ على طريق النفع المتبادل، وليس عن طريق المجابهة وسباق التسلح، وأن يتمتع شعب كل بلد بالرفاهية والبحبوحة والسعادة في عالم بلا سلاح نووي وبلا عنف. وأشار الى أن بلاده سلكت ذلك الطريق، وتمنى لكل الشعوب والبلدان الأخرى سلوك ذات الطريق.

ولأني تتبعت الكتاب سطراً بعد آخر وعرضته بأمانة، وناقشت الأفكار الرئيسية والفرعية، فلا بُدَّ من تسجيل خلاصة عامة عن الكتاب ومن مواقع الاشتراكية العلمية التي قال عنها غورباتشيوف أنه إستند إليها في رؤيته للبناء الإشتراكي وقضايا العلاقات الدولية وشؤون الحرب والسلام.

ولما كان الهدف من هذا المقال السعي للتعرف على المنافذ التي يتسرب من خلالها الإنتهازيون الى أحزاب الطبقة العاملة، لمآرب ضيقة وإحياناً لخيانة الإشتراكية نفسها في أخرى. فأرى من المناسب هنا التوقف عند حقيقة أن غورباتشيف إستخدم لغتين مختلفتين تماماً في عهدين مختلفين. اللغة الأولى في فترة وجود الإتحاد السوفياتي وإحتلاله لمنصب الأمين العام للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفياتي. والثانية بعد تفكك تلك التجربة العظيمة. في الأولى يتطلب الكشف عن إنتهازية غورباتشيف أو ما هو أبعد منها، يتطلب جهداً وحذراً. واللغة الثانية تأتي عارية، هي وقائلها، بعد الإطاحة بالإتحاد السوفياتي والمنجزات التي تحققت لصالح شعوب الإتحاد والمنظومة الإشتراكية وشعوب العالم قاطبة.

لقد إستعرضت فيما سبق الكثير من الأقوال والأفعال التي مارسها غورباتشيف على لسانه هو، وليس رجماً بالغيب أو تحميلَ عباراته فوق طاقتها. وقد تجنبت إطلاق الأوصاف أو الإتهامات بما فيها المتواترة. ورأيت في ذلك ما يخدم البحث عن الحقيقة، ويساعد في تكوين رأي مؤسس وبعيد عن الإنفعالات.

هنا أكتفي بالدعوة الى التوقف عند بعض عباراته الواردة في كتابه الذي يُعد موضوعاً للمعالجة الحالية. وهي عبارات أقل ما يُقال عنها، إنها لا يمكن أن تصدر من إنسان يدعي الإنتساب الى فكر الإشتراكية العلمية، ناهيك عن كون قائلها يحتل الموقع الأول في حزب قاد أعظم ثورة في التاريخ الحديث، ثورة دشنت تجربة ملهمة لكل عمال العالم، وحوَّلت الحلم التارخي الى إمكانية.

وفي كل الأحوال تظل تجربة اكتوبر ملهمة بكل ما لها وما عليها. ويكفي أن العالم التقدمي قد إحتفل قبل أيام بمناسبة مرور مئة عام على تلك الثورة. ويأتي الإحتفال في جو يسوده العزم والثقة والتعهد بالنضال من أجل دحر الإستغلال والعدوانية. والجدرير ذكره أن ذلك الإحتفاء يأتي بعد مرور أكثر من ربع قرن على الإغتيال المفجع للثورة على أيدي غورباتشيف وحلفائه من أمثال: ألكساندر ياكوفلوف، بوريس يلتسن، إدوارد شيفارنادزه، يوري أفاناتسييف وغيرهم. هؤلاء مَنْ أنزلوا الراية الحمراء من سارية قصر الكرملين تحت وهم الإعتماد على القوى الخارجية أو التعاقد معها في بعض الحالات. هؤلاء فرضوا فتح العالم الاشتراكي دون تهيئة، وفي ظل أزمة عالمية، وسرعوا عمليات "تجديد" الاشتراكية متعمدين خلق حالة من التضارب في عمليات التجديد نفسها. وتوفير المناخات المناسبة لتضافر جهود العوامل الداخلية والخارجية السلبية المختلفة، الذاتية منها والموضوعية، للإطاحة بالدولة السوفياتية بعد شل دور الحزب الشيوعي من داخله، وكذلك الحال للمنظمات المهنية والإجتماعية.

صبت مجمل طروحات غورباتشيوف وأصحابه في دعم إدعاءات الغرب بأن الاشتراكية تعاني من أزمة. وإن الاشتراكية فكرة فشل. والإقرار بذلك في صيغة تتسم بالتجني، وأطلاق قوى السوق. وإعادة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وإرشاء الكوادر السياسية بمنح عناصر نشط وبارزة منهم إمتيازات في الشركات والمعامل وتحويلهم الى رأسماليين جدد ودفعة واحدة، ودون أي تدرج في نشاطات السوق. وإحالة العناصر الاشتراكية حقاً في المراكز المهمة على التقاعد المبكر والإجباري وبرواتب لا تسد الإحتياجات الفعلية للحياة.

إن الفكر الإصلاحي الإنتهازي مهما تسلح وتدرع بأغطية الماركسية، أو كل العبارات الجميلة والبليغة والمتموجة الحواف والخالية من الملمس، يظل عاجزاً عن تمرير نفسه أمام النظرة الاشتراكية العلمية، وفي حالات الغلفة فإن تطورات الوقائع تعلن الحقيقة عارية ودون ظلال.

قال غورباتشيف كلاماً بلغته الثانية والمكشوفة بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي بما لا يترك مجالاً للشك بخيانته للإشتراكية. وصدرت عنه عشرات التصريحات التي تؤكد على أنه كرس كل جهده منذ بداية حياته بالحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي لتغيير النظام الإشتراكي وإسقاط الشيوعية. ولكنه في الوقت نفسه يدعي أنه سعى الى الإبقاء على الاتحاد السوفياتي بصيغة أخرى.

سلك لذلك الغرض ـ إسقاط الإشتراكية ـ أساليب غير لائقة حسب تصريحاته، وذلك عن طريق مطاوعة المسؤولين الحزبيين. وعمل بنشاط لكسب ثقتهم بأي ثمن. وكان من مواقعه الحزبية المختلفة يعزل الكوادر الحزبية الراسخة الإيمان بالاشتراكية والشيوعية. وقد حقق تغييرات واسعة في طاقم الهيئات القيادية المختلفة في الحزب بما فيها اللجنة المركزية والمكتب السياسي. إن هذا الكلام الصريح كانت له مقدمات قريبة منه، ولكن دون تسميات مباشرة في مجمل فقرات كتابه، وذلك عبر الإساءة للمبادئ الأساسية للإشتراكية. ويمكن القول إن غورباتشيف واصل منهجه التدميري بمعنى ما، لما عبر عنه فيما سبق بطريقة غامضة وملتوية من خلال كتابه الذي يمثل غزلاً غير رصين للغرب، وإساءة بالغة للتاريخ السوفياتي ولمنجزات الإشتراكية، وغدراً بالحلفاء الطبيعيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد برتو
فؤاد النمري ( 2017 / 11 / 15 - 08:13 )
لم يكن هناك ثورة ليغتالها غورباتشوف
أغتيلت الثورة عندما ألغى حزب خروشتشوف في سبتمبر ايلول 1953 الخطة الخمسية الخامسة
أعلن ستالين في المؤتمر التاسع عشر للحزب أن الثورة أمام أخطار حقيقية بقيادة الحزب الحالية
مندوبو الحزب لم يحفلوا بتحذير ستالين فكان أن انهارت الثورة جتى بعد ساعات قليلة من وفاة ستالين عندما ألغى أعضاء المكتب السياسي الذين طالب ستالين الاستغناء عنهم ألغوا عضوية 12
عضواً جديدا في المكتب السياسي صباح 6 مارس آذار

هناك بضعة محطات في تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي وقعت ما بين 1953 و 1964 من لا يتوقف عندها فهو لا يعرف ثورة أكتوبر ولا يعرف ماهية الاتحاد السوفياتي

سأسمي هذه المحطات بعد يومين في الحوار المتمدن

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -