الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقدمات 1

خالص عزمي

2006 / 2 / 22
الادب والفن


(هذه مقدمات لكتب جديدة انجزتها وهي مهيأ للنشر في كل آن ؛ واخرى لكتب كانت قد صدرت في فترات مختلفة ؛ رأيت من الضروري للجيل الطالع ان يلقي عليها نظرة متفحصة لتتاح له فرصة المقارنة والتتبع لما هو كائن؛.. وما كان عليه توجهي الفكري والادبي في تلك الفترة الماضية ، مبتداءا بالجديد الذي لم ينشر بعد ضمانا لتثبيت لمحة عن كتب قد لا يتاح لها النشر لاي سبب مجهول ...)


كانت الصالحية في الجانب الغربي من بغداد ( الكرخ) واحة مخضلة من الاشجار والمتسلقات والشجيرات والزهور ؛ يحج اليها ابناء المحلات القديمة وكأنهم في عرض للازياء ؛ حيث يحملون ما لذ وطاب ؛ ليفترشوا الاراضي الفسيحة الممرعة الى غاية بساتين الليمون والبرتقال والتفاح الممرعة في الاتجاهين نحو الكاظمية شمالا وام العظام جنوبا . وكان عددهم يتضاعف ايام الربيع والصيف وخاصة في العطل الرسمية . اما نحن تلامذة المدارس الابتدائية ؛ فكان لنا التوجه الى هناك ايام الامتحانات لندرس تحت ظلال الليوكالبتوس والنارنج والنخيل الفارع في منطقة دور ونادي السكك . ولعل الحقيقة هي اننا كنا نريد اختلاس النظر ايضا من خلال اشجار الدفلى الى مسبح النادي ؛ حيث السابحات الاجنبيات الفاتنات اللواتي كن يتمتعن بمياهه النقية الباردة في حرارة تصل درجاتها الى 40 سنتجريد في منتصف حزيران .
لقد كنا نأتي زرافاتا من محلات نائية نسبيا الىهذا الموقع الجميل ؛ نبدأ من الجعيفر فالتكارته فخضر الياس فالست نفيسة فسوق الجديد فالشيخ بشار فرأس الجسر فباب السيف فالشواكة ؛ ثم نحط رحالنا في الصالحية ؛ بعد ان نكون قد تمتعنا بمسيرة جماعية بين المقاهي والمطاعم والاسواق الشعبية ؛ وقد تتاح لنا الفرصة للتوقف قليلا لنشرب ( السيفون ) الملون من معمله الرئيسي القريب من محل الحاج صابر المشهور بعمل (لفات ) البيض والطماطة وتوابل العنبة الهندية في سوق الشواكة . فأذا ما انتهينا من كل ذلك وواصلنا مسيرتنا واجهتنا زهور حديقة تمثال الملك فيصل الاول الذي يقف منتصبا مواجها لشارع دمشق الذي تظلله اشجار نخيل جوز الهند التي استوردت غلى يام الانتداب البريطاني في العشرينات من القرن الماضي .
وعلى الجانب الايمن من تلك الحديقة المتواضعة تقع بناية جديدة وعامرة بالوافدين الكثر الا وهي دار الاذاعة . لقد كنا نتوقف امامها ؛ فمن منا لم يسمع من الراديو صوت المذيع وهو يقول ( دار الاذاعة اللاسلكية للحكومة العراقية ) بل ومن منا لم يشنف اذنيه بصوت بلبل الاذاعة الشهير وهو يغرد قبل ان ينطلق صوت قاريء القرآن الكريم وهو يتلو ما تيسر له من آيات الذكر الحكيم ...
لقد كانت سنوات وسنوات وانا امر بذات الطريق واتوقف بذات المكان .... وحتى بعد ان تجاوزت مرحلة الدراسة الابتدائية ؛ لعلي كنت اتفاءل بتلك المنطقة ... وخاصة ايام الامتحانات ؛ بل لقد بلغ الحد بي ان الوذ بها كلما رجعت الى بغداد من بعض المحافظات التي كان يمارس والدي اعماله فيها حيث آخذ قسطا من الراحة وأتهيأ لاداء الامتحانات .
كانت الصالحية غنية حقا بالحدائق ودور السينما والملاهي والمطاعم والدور الكبيرة الحديثة المتميزة بمعمارها ؛ بل وباهم مايميزها ذلك الجسر الحديدي الذي كان يطلق عليه ( جسر الملك فيصل الثاني) وهو الذي يربطها بساحة حافظ القاضي في الجانب الشرقي (الرصافة) .. ان كثرة وقوفي قرب الاذاعة جعلني كثير التساؤل من المترددين عليها من موظفين وعمال ؛ عن أولئك المشاهير الذين تكاد شخصياتهم لا تتغير في الحضور في مواعيد محددة تكاد تكون ثابتة وبمرور الزمن عرفت كثيرين منهم بخاصة من كانت الجرائد تنشر صورهم بين الفينة والاخرى ولما دخلت الاذاعة ــ كما سيرد لاحقا ــ تعرفت شخصيا على قراء القرآن الكريم ؛ الحافظ مهدي والحاج محمود عبد الوهاب وعبد الفتاح معروف وعبد المنعم ابو السعد وموسى الخلخالي وعبد المنعم السيد علي ... الخ وكذلك على ابرز رجال الفكر والادب من امثال ؛ مصطفى جواد ومعمر خالد الشابندر ومصطفى شريف العاني وبهجت الاثري وناجي الاصيل وناجي معروف وفؤاد جميل ؛ والشعراء محمد مهدي الجواهري وحافظ جميل وحسين على الاعظمي وعاتكة وهبي الخزرجي وحسين بستانه وصبيحة المدرس وعبد الصاحب الملائكة وجعفر الخليلي و مكي عزيز وعبد القادر رشيد الناصري وعلي الفراتي واميرة نور الدين وعبد المجيد لطفي وكوركيس عواد .... وغيرهم ...
وكان للممثلين حضورهم في التمثيليات الاذاعية تأليفا واخراجا وتمثيلامن امثال عبد الله العزاوي وكريم مجيد ويحيى فائق وحميد المحل ومهدي وفي وحامد الاطرقجي ... الخ كما كنت اشاهد المطربين وهم يدخلون مع بعض مساعديهم في الايام المحددة لكل منهم وعلى رأسهم محمد القبانجي وعزيز علي ورشيد القندرجي ....لقد كان العطاء ثرا في القراءات القرآنية وفي الادب والتاريخ والشعر والفن والطب وما الى ذلك من ابواب الثقافة ؛ وكانت كل تلك الوان تتفاعل ارهاصاتها في وجداني وتهيأني لاخذ مكاني في المقع المناسب منها . ؛ حتى اتيح لي ان ادخل الاذاعة محدثااولا وانا لم ازل في العشرين من عمري يوم وصلتني دعوة من مديرها الاديب الاستاذ مدحت الجادر لاقدم سلسلة من الاحاديث بعنوان ( الوان من الادب والفن) ؛ اعقبها كتابة بعض التمثيليات الاذاعية ؛ والمشاركة في ندوات وحلقات ثقافية متعددة وولكي تختتم بسلسلة طويلة من احاديث ( حكاية الادب العربي المعاصر ) التي كان لها ان تصدر في كتاب تحت ذات العنوان فيما بعد...
. كانت بناية الاذاعة بسيطة التشكيل ؛ انيقة المظهر تبدأ بسياج خارجي يطل على حديقة مزهرة ؛
تنتهي عند سلم عريض واسع يقودالى شرفة على امتداده يتوسطها باب من الصاج المزخرف تدلف منه الى مدخل مفروش بالسجاد ؛ تقع في بدايته اليمنى غرفة المدير التي كانت معدة ايضا لاستقبال كبار الشخصيات التي لها اسهامات اذاعية ؛ فاذا ما تقدمت قليلا في هذا المسار فانك تكون قد وصلت الى مواقع العمل ؛ فهناك استديو صغير مخصص للاحاديث والتعليقات ولا يبعد عنه استديو كبير مخصص للحفلات الموسيقية والغنائية وما الى ذلك ؛ وتحيط بهما قاعة صغيرة ملحقة لمهام المراقبة والاخراج ؛ امافي داخل البناية فهناك غرف الادارة والحسابات والارشيف الذي كان يعتبر السند الاهم للانتاج الاذاعي من حيث وسائل الايضاح الصوتية وغيرها من الخزين الثمين من الاحاديث والاغاني والتمثيليات والمراجع الاذاعية المختلفة ... الخ
لم يكن دخول الاذاعة والتحدث منها لشاب في اوائل العشرينات من عمره بالامر اليسير ؛ لو لم يكن متسلحا بثقافة رصينة ومقدرة متوازنة على النطق السليم باللغة العربية الصافية مع ثقة بالنفس بعيدة عن الغرور شديدة التماس بالتواضع ؛ اذ بها استطاع ذلك الشاب اليافع وبمساندة من نجوم الاذاعة البارزين الوقوف على قدميه خلف ذلك الحشد الكبير من جهابذة المعرفة والثقافة الثرة .
وسيطلع القاريء من خلال فصول هذا الكتاب على صفحات مفيدة ومؤنسة من التاريخ والتوثيق ؛ والادب والفن ؛ والطرائف والحكايات الممتعة يحيطها اطار محبب من الذكريات الخاصة عن شخصيات هامة كان لها حضورها المؤثر في الحياة العراقية العامة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع