الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولوية الأولويات

خالد صبيح

2017 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



بعد استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري بدت تلوح في الأفق بوادر أزمة وتوتر شديد يوحي أن حربا جديدة، مقررة سلفا، يُعَّدُ لها المسرح بعد اندحار داعش، ستندلع قريبا. حسابات هذه الحرب وأجندتها وأهدافها لم تعد خافية على أحد، فمطلب القضاء على حزب الله، بعدما أثبت جدواه القتالية خارج حدود لبنان، بات مسألة ملحة، وصار وجوده، وسلاحه، وتطور وتراكم خبراته وقدراته القتالية، يقلق "إسرائيل" أكثر مما يقلق السعودية أو أي بلد عربي آخر, هذا بالاضافة الى مايمثله الحزب، لارتباطه العضوي بايران، من قوة في الصراع الاقليمي،الذي وجدت السعودية نفسها طرفا فيه بتحالفها، شبه العلني، مع "إسرائيل" وأمريكا. لهذا وقبل أن تنطلق أي حرب، وتختلط المعاني ببعضها، ويصبح أي كلام أو موقف، من القوى المنخرطة فيها، فائضا ومضغوطا بتطور الأحداث على الارض، وددت أن أعبر عن موقف شخصي ورأي، قد يزعج كثيرين، في حسن نصر الله وفي حزبه.

ولأبدأ بما أختلف به مع هذا الحزب، وأقول؛ رغم أن الحزب قد عّدل كثيرا في مساره السياسي، وغيّر في رؤاه الوطنية، وتحول، عبر صيرورة طويلة، الى حزب وطني لبناني ينخرط في الحياة السياسية اللبنانية بميول تعارض نزعتها الطائفية الضيقة، وينفتح على أفق وطني شامل، الأمر الذي أفضى به، بل كان سببا في تكوينه كحزب مقاوم ضد اعتداءات "إسرائيل" وغطرستها وعربدتها في لبنان والمنطقة، أقول، رغم هذا إلا انه بقي حزبا بخلفية دينية مذهبية طبعت أيدلوجيته ورؤاه منذ تأسيسه وانسحبت على بعض مواقفه وممارساته،(ستؤدي به خلفيته هذه الى الانخراط جزئيا في بعض من الصراع الطائفي في المنطقة، المُهَندس امريكيا والمؤجج خليجيا، والى التدخل المباشر في الأزمة السورية مما خفض من سقف شعبيته في الوسط العربي، ذي الاكثرية السنية، ووسع من دائرة النقد له مع أنه واقعيا أُقحم في الازمة وفرضت عليه بدرجة كبيرة)، وبهذا فهو حزب يؤمن بقيم غيبية تعافها قناعاتي المادية وتتناقض معها.

ثانيا، لأنه سحب البساط من القوى الأخرى المقاومة لـ"إسرائيل"، كقوى اليسار ( انطلقت المقاومة في لبنان إبان الغزو الاسرائيلي عام 1982 أول الأمر من قبل الحزب الشيوعي اللبناني)، وغيرها من القوى" الحزب السوري القومي مثلا" واحتكر المقاومة لنفسه وأسماها بـ" المقاومة الاسلامية" وبهذا فرغها جزئيا من سعة محتواها الوطني، مع أنه مارس المقاومة ضد "إسرائيل" بنَفَس وطني لبناني وقومي صرف.

شخصيا لي "ثأر" معه لأنه كان وراء اغتيال أحب مفكِريَّن ومثقفيَّن لبنانييّن الى نفسي، هما، "حسين مروة" و "مهدي عامل".

لكن في السياسة يحدث أن تتقدم أولوية على أولويات أخرى، وصفة تغلب على صفات أخرى، تتحدد قيمتها وأهميتها من مدى تأثيرها العام، وعمقه واتساعه، ومن صدقها. وأولوية الموقف من حزب الله هي مواجهته لـ "إسرائيل"، ونجاحه في وقفها عند حدها، أو بدقة أكبر" تأديبها" بعدما كانت تمارس استهتارا فظا، واعتداء متواصلا على حقوق ومقدرات اللبنانيين والفلسطينيين. ووضع حدا، مرة واحدة والى الأبد، لإجتياحاتها السهلة لجنوب لبنان، وصار، أي تدخل واعتداء على لبنان يكلفها ما لاتطيقه. وقد حدث هذا عبر مسار طويل ومعقد مليء بالتضحية والصبر والثبات وتطوير القدرات، قدمه حزب الله ومقاتلوه على مدار سنوات مواجهته الغطرسة الاسرائيلية التي ابتدأت فعليا بعد اجتياح 1982( كانت البداية في اجتياح عام 1978 لجنوب لبنان، لكن المقاومة حينها كانت عامة، ضمت احزابا لبنانية وفصائل فلسطينية) وتواصل حتى تحرير كامل الجنوب عام 2000.

والغطرسة "الاسرائيلية" واعتداءاتها على المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين لها سجل طويل مليء بالجرائم وانتهاك حقوق البشر القائم على نفس عنصري حاقد، ولا حاجة هنا لتعدادها وإثباتها لأنها اكتسبت اسما كوديا: هو الغطرسة والاعتداء السافر، وقد حوى في داخله تفاصيل تلك الانتهاكات، إلا إذا كان هذا التعداد والتوثيق من أجل اقناع "المتلبرلين" العرب ( اقرأ المتصهينين)، وهو على العموم أمر مستحيل لأن التشوه الفكري والتردي الأخلاقي لهؤلاء، وعشقهم لـ" إسرائيل" يعيقهم عن الاقتناع بهذه الحقائق التي غدت، لذوي القيم الانسانية، أوضح من أن توضّح.
على المستوى الداخلي مارس الحزب انضباطا وطنيا في المسار السياسي اللبناني، ولم يفرض، وهو القادر، رؤاه أو قناعاته على القوى السياسية الأخرى، وأتّبع معها أسلوب الحوار الوطني، واستبعد كليا أي مواجهة عسكرية تتيحها له قوته العسكرية الكبيرة. وهذا على العكس مما قام به حزب "الكتائب" الفاشي، حينما تمّكن من السلطة، مستقويا بالعدو "الاسرائيلي" عام 1982، وأخذ بفرض مواقفه وإرادته على جميع اللبنانيين، وارتكب في غضون ذلك مجازر مخزية ستلوث تاريخه وسمعته، الملوثة أصلا، طوال الدهر.

أما بخصوص شخص حسن نصر الله، فهو رجل يفرض احترامه بدرجة كبيرة حتى على خصومه، لأنه لا يثرثر، ولا يدعّي ويقول غير ما هو قادر عليه، خصوصا فيما يتعلق بـ"إسرائيل"، فلم يكن يعدها بشيء إلا ونفذه.

باختصار شديد، في تقييم وضع حزب الله، والموقف منه، تتقدم أولوية مواجهته لـ"إسرائيل" على كل الأوليات الأخرى. قد يعترض معترض هنا ويقول؛ إذن، في هذه الحالة، علينا أن نقبل "عشق" الفلسطينيين (المولعون بالرموز) وبقية العرب لـ" صدام حسين" لأنهم ينطلقون من ذات المعيار، وهو، بحسب فهمهم، مواجهة "إسرائيل" وتحديها، وعلى هذا الاعتراض أقول: إن الفرق شاسع بين المثالين والحالتين، لأن "صدام حسين" لم يقم بمواجهة "إسرائيل" مواجهة حقيقية ماخلا الشعارات والمهاترات من أجل الكسب السياسي الداخلي، أو للمزايدة على بلدان عربية أخرى، كسورية ومصر، أما صواريخه التي أطلقها على "إسرائيل" في أزمة الخليج عام 1991، فقد كانت من أجل خلط الأوراق، وتأليب الشارع العربي، المنفعل حينذاك، وتاجيجه، وربما لتوريط "إسرائيل" بالرد. (من الملفت أن "إسرائيل" التي ترد على قذيفة تسقط بالخطأ على الجولان، بقصف جوي في سورية، لم تات بأي رد فعل إزاء صواريخه الخلبية".

بالمناسبة، إن شكلية المواجهة مع "إسرائيل"، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، هما قاسم مشترك بين معظم الأنظمة العربية، بما فيها النظام السوري الذي قام بمواجهات جدية، حقيقية، مع "إسرائيل"، لكن دوافعه وأولوياته في ذلك كانت من أجل تثبيت كيانه داخليا، بينما ما قام، ويقوم به، حزب الله كان مواجهة فعلية ومؤثرة، اثمرت نتائج مبهرة غيّرت في موازين القوى الذي كان مختلا لصالح "إسرائيل" لعقود طويلة.

ويكفي هذا الحزب شرفا أنه قام بما عجز عنه الآخرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع