الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوفينية الخطاب في ذكرى مسيرة ما زالت خضراء

فؤاد وجاني

2017 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تروي الأسطورة الفرنسية أن  جنديا فرنسيا اسمه نيكولا شوفين كان قد أصيب بجروح خطيرة أحدثت تشوهات وعاهات دائمة في بدنه إبان إحدى معارك نابليون، فحصل على معاش تقاعدي هزيل لم يكن كافيا لسد فواتير العيش. بعد سقوط بونابرت وعودة أشقاء الملك المخلوع لويس السادس عشر للتربع على عرش الحكم، استمر نيكولا شوفين في تعصبه لبونابرت، وأبدى تفانيا أعمى في وفائه له رغم عدم شعبية رأيه في تلك الحقبة من الزمن.  
تذكرت الشوفينية وأنا أستمع وأحلل خطاب الملك بمناسبة المسيرة الخضراء تحليلا سيميائيا وبنيويا. تلك المسيرة التي ما زالت خضراء يافعة على مر السنين وتبدل الأحوال، خضراء غير ناضجة كسياسة المخزن والقصر في التعامل مع ملف الصحراء، متسمة بعدم العقلانية والتعصب الأعمى والوطنية المتطرفة –حتى لا نقل الكاذبة-، متأملا مقطعا طريفا منه: " الصحراء كانت دائما مغربية، قبل اختلاق النزاع المفتعل حولها، وستظل مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مهما كلفنا ذلك من تضحيات".
من يتنبأ بالغيب وبمغربية الصحراء إلى "أن يرث الله الأرض ومن عليها " وهو غير قادر على التنبأ بما قد يحدث الساعة القادمة، وإذا ما كان سيتسمر حكم سلالته لحد قيام الساعة. وعن أي تضحيات يتحدث جلالته الذي يقضي جل السنة في فرنسا؟
خطاب غلبت عليه لهجة نظام الوصاية الرعوي حين تحدث عن: "تحرير أبنائنا بالمخيمات، والإدماج الكامل لهذه المناطق ضمن الوطن الأم"، مع التسطير على مصطلحيْ الأبناء والوطن الأم، وأما الأب فمجسد في شخص الملقي للخطاب: الملك.
ويلقي باللوم على أطراف غائبة حين قال: " يتعين على جميع الأطراف، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له"، متعاليا عن الإدانة الذاتية بالفشل في تدبير أزمة الصحراء بمقتضى السلطة العليا التي يمثلها وتجنبا لتحمل المسؤولية في ذلك.
إن الفخر المعتدل بالوطن مطلوب وواجب لكن الاعتقاد بالتفوق والمجد قد تجاوزه الدهر. صحيحٌ الصحراء صحراؤنا، كما الجنوب جنوبنا، والريف ريفنا، والشمال شمالنا، والغرب غربنا، وسبتة ومليلية وجزر الكناري جزء لا يتجزأ عن بلدنا. والتاريخ الصحراوي الأمازيغي يؤكد ذلك المعطى الذي يجب أن لا نأخذه مأخذ المسلّمات، بل أن نعمل للحفاظ على وحدته الترابية وامتدادها لما كانت عليه لتشمل موريتانيا التي تخلى عنها محمد الخامس-صاحب خطاب امحاميد الغيزلان- .
لكن إذا كان سكان المركز يفرون منه ويهاجرون، ليس طلبا لعيش دنيء إنما لكرامة وحقوق وبُعدا عن إذلال وحكم قطعيّ ناهب لثروات البلاد، فكيف نقنع سكان تندوف مثلا بالعودة إلى الوطن الأم والعدول عن "غيهم وضلالهم". أوَليسوا محقين إِذْ رفضوا العيش تحت نير الظلم والطغيان؟
المخزن والقصر يعولان على أطروحة واهية: الحكم الذاتي للصحراء ضمن المغرب. ويتصنعان لأجل ذلك الهدف استراتيجيات ثلاث: أولا الاحتفاء بالمكون الهوياتي للصحراء من لغة وتراث حَسّانِيّيْن، والثانية اعتماد التنمية البشرية -الفاشلة في باقي المناطق- والبنيوية لأجل كسب صمت الأهالي الصحراويين بعد أن تم شراء الأعيان بمناصب وحوافز ومأذونيات لاستغلال الثروات، والثالثة استعمال مقاربة العنف في حال رفض الاستراتيجيتين السابقتيْ الذكر. لكنّ إخواننا الصحراويين الرابضين بمخيمات الشظف المتحملين العطش الصابرين على قساوة الطبيعة، ينشدون فعلا دولة العدالة الاجتماعية والكرامة والحقوق. وهاهم يَرَوْن ويسمعون عما حدث للريفيين وقد طالبوا بمستشفى وجامعة وطريق وكرامة إنسانية، فكيف نقنعهم بظلم أنفسهم بالالتحاق بدولة الظلم.
الظاهر والباطن أن المخزن والقصر ودبلوماسيتهما هم سبب تعطل وحدة البلد وضمه لصحرائه ، وأن أطرافا عديدة داخل الدولة المخزنية والقصر والجيش والخارجية تعيش وجحافلها منعمة على المسيرة وبقائها خضراء تثمر ولا تيبس.
لقد انطوى زمن العنجهية والخطاب القومي الشوفيني وحكم الأنساب. الناس يبحثون عن دولة أكبر من الحدود بمقياس تطلعاتهم وحرياتهم . الأطروحة الصامدة هي: دولة ديموقراطية تراعي ثقافة ودين وأخلاق وعادات الشعب المغربي، وتتكيف مع مستجدات العصر، لأن الديموقراطية لم تعد مظهرا كماليا لتتبضع منه وسائل الإعلام، أو سلعة تسويقية للواجهات السياحية، الديموقراطية ضرورة للسلام والسلم الاجتماعي والوحدة الترابية وامتدادها. الأولى معالجة حالة الانفصام الشخصي للدولة المغربية عن الواقع وإعادة هيكلتها على أسس ديموقراطية، حينها ستتحقق الوحدة الترابية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار لا يعرف بدقة أعداد ومواقع المحتجزين .. هل تواجه حماس


.. بوتين يضع شرطين لوقف الحرب.. ويكشف سبب -الزحف نحو كييف- | #ر




.. اتفاقية أمنية أميركية أوكرانية ردًا على التهديد الروسي باستخ


.. توقعات #اليورو_2024: #إنجلترا، #فرنسا، #إيطاليا، #إسبانيا، و




.. إلى متى ستبقى الساحة الأوكرانية حربا بالوكالة بين روسيا والغ