الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جزيرةُ المودَّة

أنمار رحمة الله

2017 / 11 / 10
الادب والفن


قالت الزوجة:
- لقد أضعتَ الوجهة الصحيحة
ردَّ الزوج:
- اسكتي قليلاً حتى أنهي تفريغَ القارب من المياه المتطفلة
ثم انهمكَ في تفريغ المياه بدلو صغير، نظرت الزوجة إليه وهتفت (غبي). ردَّ الزوج من دون ان ينظر إليها(حقيرة). جلست الزوجة على طرف القارب، تنظر في كلِّ الاتجاهات حولها، البحر ممتد بلا نهاية، وخط الأفق صار رفيعاً جداً يفصل بين سماء وماء فقط. أنهى الزوج تفريغ القارب من المياه، ثم قال بصوت عال:
- في المرة المقبلة ستفرغين مياه الأمواج التي تسقط في القارب... مفهوم؟
لم ترد الزوجة.. كرر الزوج جملته، نظرت الزوجة إلى عينيه وقالت:
- لم يتحتم عليَّ تفريغ المياه ؟ ألست الرجل هنا...؟
اجابها الزوج مقاطعاً:
- نحن شريكان ،أليس كذلك ؟هذا ما تنطقين به دائماً
جلسَ الزوجُ على الطرف الآخر، ثم أخرج من جيبه خارطة. نظرت الزوجة اليه ثم نطقت بجملة كأنها صراخ :
- اعطني الخارطة.. لقد سرتَ بنا مدة طويلة ولم نصل إلى تلك الجزيرة اللعينة ...اعطني الخارطة
- مستحيل ...لن تأخذي الخارطة مني
- لماذا ..؟
- لأنني الرجل ..والحكمة تقول أن قيادة هذا القارب تكون تحت أمرتي
ضحكت الزوجة بصوت مرتفع، مما جعلت الزوج ينظر إليها وقد زمَّ شفتيه ثم سمع منها كلمات:
- رجل...رجل.. أنا أكثر حكمة منك وذكاء.. على أقل تقدير أنا أشتغل على حدسي في المصاعب الجسيمة. ثم إنك سرت بنا وقتاً طويلاً ومسافة شاسعة ولم نصل إلى الجزيرة التي ترشدنا اليها الخارطة ،فدعني أجرب قيادة القارب الآن.
- مستحيل... أقلب القارب الآن ونصير طعاماً تافهاً لأسماك البحر ولا أعطيك الخارطة
قالت الزوجة مرة أخرى (غبي)
رد الزوج( حقيرة)
سكتا مدة من الزمن، ثم صار كل واحد منهما ينظر في اتجاه، ينظران عبر البحر إلى أبعد نقطة في خط الأفق. ثم سمع الزوجُ نشيجَ الزوجة، قال وعيناه تنظران عبر البحر:
- عاطفية ماكرة.
شهقت الزوجة عدة شهقات سريعة وردت عليه:
- لم لا تقول جائعة ...لقد مرت أيام ونحن لم نأكل شيئاً
التفتَ اليها الزوج وضحك قائلاً:
- وهذا البكاء بسبب الجوع ؟ يا لك من ضعيفة !!
- وأنت ظالمٌ متغطرس متباه
عادا إلى الصمت مرة أخرى. تكلم الزوج وكان العرق بادياً على وجهه :
- لست يائساً بالرغم من عطشي وجوعي وتعبي
(كاذب) ردت الزوجة وحين رأته ينظر إليها بحدة، باغتته قبل أن يتكلم :
- أنت قوي ولم تؤثر الرحلة بكَ ...أنت لم تتعب، وتضاجعني حتى وأنت جائع، أنت لا تشبع حتى من جوعك.
(عاهرة..) قال
(قوّاد..) ردَّتْ
غضب الزوج وهتف صارخاً:
- أنتِ التي وافقت على المجيء معي، لقد راقت الفكرة لكِ واستقرت في رأسك، ودفعتيني دفعاً صوب الرحلة
كان القارب يماطل الموج العالي فتشبثا جيداً، الزوج ينظر إلى الأمواج التي تسقط في بطن القارب، الزوجة تجاهلت الحركة القوية للقارب وقالت:
- لقد خدعتني ...قلت لي إنها رحلة صوب جزيرة جميلة، جزيرة أحلى من الجنة، نعيش هانئين لا تعكر صفو أيامنا الأحزان، أتذكر حين اشتريت الخارطة من أحدهم، لا علم لي بمن خدعكَ وباعكَ الخارطة. فقد كنت مقتنعاً واقنعتني بتلك الجزيرة التي لا وجود لها. أين نحن الآن؟ نحن تائهان في عرض البحر نبحث عن شيء خرافي يدعى جزيرة المودة، وما زلت مقتنعاً إلى هذه اللحظة أيها العنيد
- إنها ضريبة الشراكة ...أليس هذا ما تطلبين؟
- بل هي ضريبة القدر والحظ التعيس
شعرا بالتعب الشديد وغزا الوهن عظامهما، ولم يعدا قادريْن على مواصلة الكلام. الألم ينخر في عضلاتهما وعظامهما وقلبيهما. الامواج ترمي بمائها في بطن القارب، نظر الزوج إلى الزوجة متوقعاً أن تقوم من مكانها وتساعد في إفراغ القارب من الماء، لكنها ظلت جالسة، وقد بانت على وجهها صفرة شديدة. استعان الزوج بفتات من قوته، ونهض من جديد ليفرغ ما سقط من ماء البحر. في تلك اللحظة سمعا أصواتاً، إنها أصوات نوارس. حدّقا في اتجاه الصوت متلهفين، النوارس دليل على وجود الأرض، وصارا يفتشان عن مصدر الصوت حتى لمحا من بعيد، إنها جزيرة يغلفها الضباب ينظران بوضوح إلى شكل الشجر المرصوف فيها، وإلى تضاريس عالية من تلال. ضحك الزوج ضحكة مخلطة بسعال، ثم نهضت الزوجة من مكانها متكئة على كتف الزوج، وبدأ الاثنان بالعمل، الزوج يفرغ حوض القارب من الماء، والزوجة امسكت بالمجداف وصارت تجدف صوب الجزيرة. يفكران في الراحة التي سوف يقضيانها هناك، مع وجبة طعام وشراب تنقذهما من عضات الألم. حين وصل القارب إلى المياه الضحلة، نزلا منه و سارا بساقين هرمتين صوب الأرض، كانا بحاجة إلى أرض صلبة متوازنة يمددان جسديهما عليها. كان الضباب كثيفاً، ولم ينتبها إلى الساحل الذي كان مملوءاً بقوارب عديدة، وهياكل عظمية منبطحة على الرمل، تغسلها الأمواجُ عند صعودها ونزولها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??