الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة تسليم مفاتيح بغداد

خالد عبدالله

2003 / 3 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 كاتب عربي يقيم في وارسو


ليس العنوان متطرفا، وليس مجافيا للحقيقة، بل تعبير جلي عن واقع حال النظام الرسمي العربي. وقبل القمة الحالية لا أذكر أن قمة عربية عقدت لم تكن إجهاضا لثورة عارمة في المجتمع العربي، أو سترا لتنازلات بعض البلدان تحت عباءة الجماعة، أو مقايضات بين البلدان العربية. ولو نظرنا في القمة الأخيرة لوجدنا كيف أنها كانت قمة المقايضات حقا من أجل تمكين البعض من إرضاء أمريكا. ولو تفحصنا مؤتمرات المغرب لوجدنا كيف كانت غطاءا جماعيا للاعتراف بإسرائيل وتمكين المنظمة من تصفية القضية الفلسطينية. ولم يكن مؤتمر الخرطوم بلاءاته إلا مبادلة للمنافع بين أقطاب البلدان العربية. وحينما يتعجب الناس لم لا تصمد القرارات فترة معقولة قبل أن يداس عليها وترمى في قمامات النسيان، فهم لأنهم يجعلون آمالهم في الحكومات لا واقع حالها مرجعية أحكامهم. وقد كانت كل تلك الإخفاقات في عهد تميز بمساحة من حرية التحرك الدولي، وفي عصر كان الجميع يتسابق فيه ولو بلاغة على وضع مسافات بينهم وبين البلدان الاستعمارية.

وحينما ينظر أي إنسان يضع قدميه على الأرض في خريطة وطنه الكبير، وليس متعلقا بحبال الهواء، فسيرى مضمار سباق أمريكي تجري فيه خيول معظم العرب، كل حصان يضع أقصى ما يتملك من طاقة حتى يصل إلى رضى الأمريكان. وسيخيل لكل من يطل على المشهد العربي الرسمي أنه يحلم. لقد فقدت فيه الكرامة، وضاعت فيه المروءة، واستشرت فيه وقاحة التبعية. فلم يكتف البعض منه أن يسكت على جرائم الأمريكان بحق أهله أو أن يوافق عليها بل أصبح ينبح على من يتجرأ من بلدان العالم على معارضتها. ولم تعد تثير أرقام مئات الآلاف من الضحايا من إخوانه الذين سيسقطون ضحايا " التحرير" الأمريكي حتى شفقة، بل كل ما يخشاه البعض نتائج الحرب، كم ستؤثر على عرشه وكم ستزعزعه. ولم يعد التخفي في ارتكاب الجريمة فضيلة بل أصبح الإعلان عن المشاركة فيها غنيمة سياسية أو اقتصادية.
فما الذي سيصنعه من قد ذلت منهم الرقاب للأمريكان في مثل هذا المؤتمر؟ وما الذي سيقرره من تجوس في ديارهم وفي أجوائهم دبابات وطائرات الأمريكان؟ وما الذي يهدف إليه من هذا المؤتمر من يعيش على فضلات الأمريكان، أو من لن تسعه الأرض على رحابتها إن غضب عليه الأمريكان؟

هذه ليست مشاعر، بل هي وقائع وأحداث يعرفها القاصي والداني في بلاد العرب وخارجها. فإن كانت هي وقائع موضوعية فلم نرحب بمثل هذه المؤتمرات، وهل يلد الغول إلا غيلانا، وهل تبيض الحية إلا أفاعي! وأعجب ممن يرى على مدى العامين الماضيين الشعب الفلسطيني مستباحا في دمائه وفي أرضه وفي كرامته من إسرائيل، ثم يرى النظام العربي يجلس على التل متفرجا ثم يهرع، بأمر من أمريكا، لنجدة إسرائيل بحصار الشعب الفلسطيني اقتصاديا وسياسيا بل وإعلاميا، أن يتطلع إلى نجدة من النظام العربي لشعب العراق. ويا ليت لو أن وضع هذه الأماني كان عبثا، لقلنا أنا أضعنا الوقت فيما لا طائل منه.

لكن المسألة أبعد غورا مما نظن. فالولايات المتحدة في مأزق سياسي، وهي تحشد كل الأرقاء تسخيرا لأغراضها. فهي تريد أصواتا توازن الأصوات الهائلة المعارضة لحربها. لقد رشت بلدان أوروبا الشرقية والوسطى كي يوقعوا على عريضة تأييد لها، كما يفعل حكامنا حينما يوعزوا لقبائلهم بتأييدهم، لتقول لشعبها أنها ليست لوحدها. وقد أدرك شيراك خطورة اللعبة فأنب هذه البلدان ووبخها. وهذه أمريكا تبحث في بقاع الأرض عن زعماء العشائر الذين يبعثون برقيات التأييد، وقد وجدت أصالة الممارسة لدينا فأوعزت لشيوخنا كي يقيموا سرادق التأييد لها.

فالمؤتمر ليس مصلحة عربية بدليل أن البلد المعني به تمنع عن الحضور لأنه ظن ظنا صحيحا أنه جزء من إعداده للمسلخ  لكنه أدرك أن غيابه يرتب كلفة قد تزيد على كلفة حضوره فوافق. فهي موافقة من لا يملك من أمره شيئا، ومن يريد أن يخفف أضرار العرب عليه. كما أدركت سوريا، البلد الآخر على لائحة الحرب الأمريكية، خطورة المؤتمر فحاولت أن تؤجل انعقاده، ويبدو أنها لم تفلح. فإذا كان المعنيون بالمؤتمر مباشرة أو ضمنا يخافون انعقاده فما هي الآمال التي يمكن أن يعلقها الشعب العربي عليه؟ فالتاريخ الحافل لمؤتمرات القمة العربية، ووضع النظام العربي الراهن، وسطوة أمريكا عليه آيات واضحات على ما يمكن أن يخرج من هذه القمة. فسواء أخفقت في الانعقاد، أم انفضت عن لا شيء، أم ساوت بين العراق وأمريكا فهي تضع في اليد الأمريكية ورقة تخرج بها على شعبها تحدثهم عن أن العرب مع أمريكا. وهم حقيقة معها. فالمواطن الأمريكي يرى قواته تختال في الأراضي العربية المحيطة بالعراق مدججة بكل أنواع السلاح تستعد لبدء غزوها، ثم يصغي إلى العرب الرسميين يؤكدون على وجوب التزام العراق بقرارات الأمم المتحدة فكيف به يظن أن حكومته على خطأ؟

نعم مفاتيح بغداد في أيدي العرب الذي بدءوا يسلمونها للأمريكان حينما شرعوا بوابات حدودهم أمام الجحافل الغازية لتعبر إلى بغداد، وحينما بدءوا يعقدون مؤتمراتهم التي تضع مسؤولية الحرب في حضن بغداد، وحينما نصبوا من أنفسهم كلابا تنبح على كل يقف في وجه أمريكا.

وتزيد غفلتنا حينما نناشد أولياء النظام العربي لأن يفيقوا لأن اليوم بغداد وغدا غيرها، ظنا أن هذا يطلق في نفوسهم الرعب على مصائرهم، فتشب الحياة في أجسادهم أثرة إن لم يكن إيثارا. ومرة أخرى نعيش في الأوهام. فلقد مل البعض منهم تعييره بوجود القوات الأجنبية على أرضه، فهو يريد أن يخلص من هذا العار بتعميمه. لكن الأهم أن كثيرا من هؤلاء الحكام أتاتوركات متخفية لأنهم لا يملكون جرأة أتاتورك. فمنتهى مناهم أن يكونوا جزءا من الغرب لكن مجتمعاتهم تحول دون مراميهم.  فأسهل عليهم أن يعيشوا تحت ظلال الحراب الأمريكية من أن يعيشوا تحسبا من شعوبهم. لكن التحديث الغربي ليس عودة الحريات إلى أهلها. فأتاتورك وأحفاده العسكر مسخوا بلدهم حتى بات لا يعرف إلى أين ينتمي، وأرهقوه عسفا وظلما. هذا ما تريده النخبة الحاكمة في بلادنا أن تواصل قبض الريع الاقتصادي أو السياسي من تأجير شعوبها. وحينما تنتشر القوات الأمريكية في أرجاء ديار العرب تحجز على خيرات شعوبها لأنها لم تبلغ سن الرشد، ثم تدير شؤونها على طريقتها. حينذاك سيكون لكل عاصمة عربية حاكم عسكري أمريكي، أو مستشار عسكري أمريكي يقول لمن تسمح له بالبقاء من الحكام كيف يدير شؤون البلاد. فالنخبة أصبحت تدرك أنها أصبحت في عصر العولمة لا تملك شيئا في بلادها، وأن مفاهيم السيادة انتهت. فليس هناك إلا مفهوم واحد للسيادة هو سيادة الشركات المتعددة الجنسية وأفضل ما يقدرون عليه أن يكونوا وكلائها. ومن قرأ ما قاله أحد أمرائنا في القاهرة يدرك كم أصبح عميقا هذا الإدراك لدى النخبة. فالكل يعرف ذلك لكن البعض يجرأ بالبوح به ولو في جلسات مغلقة.

وحينما يكون النظام العربي قائما على قاعدة التوسل السياسي والتسول الاقتصادي،  فلن تكون مفاتيح أية مدينة عربية آمنة، فاليوم بغداد، وغدا القدس. وهذا ليس مجازا، فقد بشرنا به اليوم بوش حينما قال أن السيطرة على العراق مفتاح حل القضية الفلسطينية، وإزالة الإرهاب، أي الفلسطيني، إلى الأبد. وحينما بكى أحد ملوك الطوائف ندما على أنه كان سادرا في غيه، فلن نجد اليوم بواكيا على ذهاب أندلس المشرق العربي لأن الكل يعرف مواضع أقدامه، ولأن الكل يعرف مراميه وأغراضه.
 
 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو