الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نافذة الحب والجدار العالي

أحمد صبحي النبعوني

2017 / 11 / 13
الادب والفن


نافذة الحب والجدار العالي
قصة قصيرة جدا

الحب هذه الكلمة الساحرة التي تأخذ جانبا كبيرا من عواطفنا و مشاعرنا و أحلامنا وفي كثير من الأحيان يزينه الخيال و يضخمه الوهم و يجسمه التصور و تنفخ فيه الشهوات . مثل حالة أبو خليل .. . ! رجل في الأربعين من العمر متزوج وله عدة أولاد لكنه رجل من نوع خاص ‘ هو ليس بمجنون ولكنه أيضا ليس بذاك الرجل المتزن .. شخصية ربما نادرة في مجتمعنا ولكنها موجودة . يحلم أن يكون عازفا ماهرا على العود لربما تعجب به جارته أم كامل التي تسكن قبالة بيته الطيني . أم كامل هذه امرأة في الخمسين من العمر لكنها آية في الجمال مثلما يقال على لسان الجيران والحي كله ولها أولاد شباب وهي الزوجة الثالثة لزوجها الثري والهرم والمعروف في البلدة . فرق كبير ما بين زوجته غير الجميلة وجارته الحسناء هذه، لكن مشكلة أبو خليل هي رائحة الخمرة (العرق) التي تفوح من بيته .. وجميع الجيران اعتادوا على هذه الرائحة كلما مروا من أمام بيته لذا فهو معروف في البلدة بالرجل السكير ليل نهار ، لذا فالجميع لم يكن يدقق على سلوكه أو طريقة كلامه أو في طريقة قيادته للدراجة النارية بشكل متهور في طرقات البلدة الضيقة . للحب فنون وللجنون أيضا .. يفكر كثيرا في الليل وكأس الخمرة أمامه وأغاني أم كلثوم تجعله يسرح بخياله ، ويحلم لو أن هذه الجارة كانت زوجته هو ، أخذ يفكر كيف يثير انتباه جارته له . فقام بشراء عود قديم ليتعلم العزف على أوتاره فتسمع جارته عزفه الجميل و تغرم به ... لكن العود صوته ضعيف ، كيف سيصل صوته إلى جارته ، لذا أخذ كل يوم يخرج أمام باب بيته ويمسك العود ويضرب على أوتاره لتخرج ألحانه الموسيقية الخاصة به التي تشبه قليلا صوت موسيقى العود وكل من يمر من أمام بيته يحييه ويمتدح عزفه الجميل والساحر. لكن أم كامل حتى الآن لم تعلم أو حتى تشعر أن هناك جار هائم بها أو ربما أنها كانت تشعر وتعلم به لكنها لم تهتم لأمر هكذا رجل سيرته وقصصه على كل لسان وخاصة عندما كان يخاطب حمام بيته وهو يطير إلى السطح ( تعا.. تعا ) .. أنه يحبها بخياله الخاص والفريد من نوعه وخيالها نديم كأسه وليله ، كان له في البيت غرفته الخاصة به بعيدا عن الأولاد وضجيجهم لكنه في الليل كان يجلس وحيدا وليس من المعقول أن يقضي كل يومه في الشارع ليفوز بنظرة من الجارة التي كان بيتها مكشوفا له قليلا لأن جدار منزلها لم يكن مرتفعا لذلك كان يستطيع مشاهدتها كلما ذهبت أو عادت من صالون بيتها إلى المطبخ ... حيث كان تصميم جميع الأحواش العربية على هذا الشكل ، غرف البيت مستقلة وبعيدة عن المطبخ والحمام .
مع مرور الزمن أخذ حبه وهيامه يكبر ويزيد ولم يعد قادرا في ليالي الشتاء الطويلة والباردة أن يبقى حبيس غرفته وهو لا يلمح خيال أو طيف جارته لذا قام بفتح نافذة لغرفته على الشارع ووضع عليها علب السمنة الفارغة المزروعة بشتل الريحان ليعزف ويغني أغنيته المفضلة ( يا زارع الريحان ) .
استمر أبو خليل على هذه الحال طيلة فصل الشتاء والربيع وهو في النهار مع حماماته على السطح أو أمام باب بيته . وفي الليل يجلس إلى جانب النافذة ، إلى أن حل فصل الصيف ومعظم الناس في البيوت العربية تمد فراشها على أسرة من الخشب أو الحديد وتنام ليلا في الحوش على الهواء الطلق والسماء والقمر والنجوم تشاركهم نومهم وأحلامهم . ويبدو أن زوج الجارة أو أولادها انتبهوا لنافذة أبو خليل الجديدة وصوته العالي لذا قاموا بزيادة ارتفاع جدار منزلهم ،الأمر الذي أغضب جارهم السكير وأخذ يشتم ويصرخ ويقول بأن عملهم هذا قد منع عنه الهواء ، لكن دون جدوى فكل أنسان حر بجدار بيته . لذا رضخ أبو خليل للأمر الواقع بعد تدخل الجيران بينهم محاولة لمنع مشاجرة قد تصل للضرب وغيره .
بعد هذه الحادثة خسر أبو خليل جارته وللأبد لأن أولادها باعوا البيت وسافروا إلى مدينة أخرى ، ومنذ ذاك اليوم المشؤوم ترك أبو خليل عادة المشروب وأخذ لا يترك فرض صلاة دون أن يصلي في الجامع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني