الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل انتهى الاستبداد السياسي؟

علي مرزوك الجنابي

2017 / 11 / 13
الادب والفن


ذَأَفَ العراق في حقبة من الزمن تحت ظل النظم الشمولية واستبداد الحاكم، وبعد العام 2003 وَرَس العراق حدثاً سياسياً جذريا بتغيير النظام السياسي، ويعتبر من اهم الاحداث التي شهدتها المنطقة العربية، وهذه الاهمية لا تكمن في اسقاط نظام ديكتاتوري مستبد وتحرير شعب كان يرزح تحت اغلاله، وانما في الافاق التي فتحت امام العراقيين لاختيار نموذج الحكم الجديد، الذي سيقوم على انقاض النظام السابق، والغاء العمل بتسميات فاحشة كــ(اممية، اشتراكية، قومية...الخ)، والتي كانت في حقيقتها بعيدة تماما عن الشعوب خاصة بما اتسمت به من استبداد وقمع مع تجاهل رغبات وطموحات العراقيين، وبعيدة ايضاً عن مجال الفعل والتأثير في مجرى العملية السياسية مع الاحتكار والانفراد في صنع القرار؛ الى ان دخلنا بالتجربة الديمقراطية.
وعلى هذا فان التجربة العراقية بعد العام 2003 تمثل تقدماً سياسيا جديدا في المنطقة، فالمجتمع العراقي بعد عقود من الاقصاء والتهميش، باتوا مدعوين للمشاركة في وضع دستور جديد لبلادهم، ومن ثم شهدت العملية السياسية في العراق احزاب سياسية، وحرية التعبير عن الراي، وانتخابات، ومشاركة سياسية...الخ، مما جاء به دستور عام 2005.
وبالرغم من هذا كله، شهدنا استبداد وقمع، وشعارات كاذبة فاحشة، وبرامج انتخابية بطولية تنموية معظمها كاذبة، وارهاب وتهجير وقسوة وبطالة وفقر وتهميش وتعصب وطائفية واسلمة سياسية.... الخ، حيث أصبحت حياتنا السياسية مملة وخالية مما هو جديد، حتى ان محاسبة الفاسد ــ الظالم ــ المستبد، حالة مكررة لا جديد فيها في مجلس النواب، كتغيير الوزير، وتغيير المستجوبين، وتبقى النتائج ذات النتائج، لا إصلاح، لا تطور، لا تحسن ينعكس على الخدمة العامة (وهذا واقع).
وهذا ما يدعوني لطرح عدة تساؤلات منها، هل ان الاستبداد السياسي مرهون بشكل النظام السياسي فقط ام بشخص القائد؟، هل العراق بعد العام 2003 تخلص من الاستبداد السياسي؟، هل ان النظام الديمقراطي في العراق قضى على الاستبداد السياسي؟
ان شكل وطبيعة ونوعية النظام السياسي شيء (من ناحية وجود الاستبداد او عدمه) ـــ والحاكم المستبد شيء آخر (من ناحية تعامله مع النظام السياسي ايا كان نوعه)، وهذا ما يقودنا الى انتقاد الاشخاص الذين يعملون ويتحركون وفقاً للقواعد الحاكمة، وبهذا فالواقع يشير من جديد الى دائرة الاستبداد المغلقة، ولا يمكن الخروج منها الا بعملية اصلاح جذرية، فالمؤسسات مهما كانت فاسدة او معيبة تجد تبريرا لها في ما يريد الحاكم من بلوغه من اهداف.
للاستبداد صور واشكال مختلفة، ربما طبيعة النظام السياسي وشكله، تسمح للحاكم بان يكون مستبد، لحجب المعارضة اوتضييق التعبير عن الرأي...الخ، لكن ما شهده العراق بعد العام 2003 ودخوله التجربة الديمقراطية، هل خلص من الاستبداد السياسي؟ وان السياسي العراقي لا ينطبق عليه مسمى (مستبد)؟.
يقول جون لوك (الحكم المدني، فقرة 521) "ليس للطغيان (الاستبداد) صورة واحدة... فمتى استغلت السلطة لارهاق الشعب وافتقاره تحولت الى طغيان اياً كانت صورته"، وعلى هذا يمكن ان نفترض بان الاستبداد مرهون بسلوكيان وقرارات السياسي، وما شهده المجتمع العراقي بعد العام 2003 من ارهاق وقهر وافتقار يبين لنا بان الاستبداد السياسي في العراق لم ينتهي، وبالتأكيد هذا لا يسمح به النظام الديمقراطي، لكن توفرت البيئة الكاملة وربما الدعم (اللاشعوري من قبل الجمهور) لعودة الاستبداد مرة اخرى، وشاخ السياسي مرة اخرى.
واثباتاً لذلك يقول افلاطون (الجمهورية الفاضلة، 466) "من يقتل الناس ظلماً وعدواناً ويذق بلسان وفم دنيسين بدماء أهله ويشردهم ويقتلهم فمن المحتم أن ينتهي به الأمر الى أن يصبح (مستبد) طاغية ويتحول الى ذئب"، وعلى هذا يتضح لنا ان المستبد هو فرد ظالم جائر حيث يسود الظلم الكامل بغير خجل او حياء وهذا الترتيب الذي نذكره لدى افلاطون انما هو ترتيب تاريخي وما نزال نعيش كيفياته في الواقع المعاصر حيث ان الحكم المستبد إلى فترة قصيرة كانت تعيشه بلادنا، ومن ثم تحول هذا النظام وشكل السلطة كما ذكرت في بداية المقال الى نظام ديمقراطي والذي كنا نأمل أن تسوده اللبرالية العادلة، لكن مع نظام الليبرالية العادل، شاخ السياسي بتسلمه السلطة الى ان اصبح (مستبد)، وهذا ما يشير اليه الواقع، وما تؤكده النظريات الفلسفية الافلاطونية التي ما تزال نعيش بعض اكنافها داخل الواقع السياسي في العراق.
ختاماً:
- ان الديمقراطية تدمر نفسها بنفسها عندما تصل الى حدها الأقصى فتنقلب الى فوضى وبدلاً من أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، نرى حكم الجماهير أو الغوغاء الذي هو بحر هائج يتعذر على سفينة الدولة السيرفية، حيث يرى أفلاطون ضمن فلسفته في أنظمة الحكم في أن التطرف في الحرية يولد أفظع أنواع الاستبداد ويظهر وسط هذه الفوضى من يؤيده الناس قائداً عليهم ونصيراً لهم ويضفي عليه الشعب قوة متزايدة وسلطاناً هائلاً وفي كل مرة يظهر فيها (مستبد) يكون هناك سبب أساسي لظهوره وأن حالات الفوضى هي المتسبب الرئيس لظهور حالات الطغيان في البلاد.
- العدل، مطلب الانسان الشرقي ومنتهى امله، ومع ذلك نحن الآن نعيش الحريات ونعيش عصر الحرية، ولكن يوجد في داخل مجتمعنا من يحمل دواخله استبداداً في الرأي واستبداداً في ضرب الآراء فما أن تصطدم بشخص تعارضه في الرأي إلا وهو يرد عليك بما هو أعتى وينهال عليك بالتهم وحتى الشتائم؛ فلكي نعيش عصر الحرية الكاملة والمطلقة يجب علينا أن نستدرك أفكارنا لاجل التخلص من الاستبداد الفكري الذي يولد المستبد السياسي.
- يجب ان لا يقتصر فكر أحدنا على استلهام أفكاره فقط بل يخرج الى فضاء الحرية ودراسة المفاهيم الحقة القادرة على التعبير، حتى لا نأوى مرة اخرى الى الفشل في حياة كريمة أو سوية تليق بالإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟