الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية بين الجهل والتضليل

جمال عبد الفتاح

2017 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حتى الآن ، الحديث عن ان الديموقراطية كشكل حكم فى بلادنا ـ وبلدان مهد الديموقرطية فى اوربا ـ تقوم على الملكية والسيطرة والعنف ، هناك محاولات دائمة لطمس تلك الحقيقة من قبل الانظمة الحاكمه ومفكريها على كوكبنا . فالديموقراطية الأثينية ، النموذج الاول للديموقراطية فى التاريخ ، كانت ديموقراطية لاحرار مدينة اثينا فقط ، من اصحاب الاملاك والتجار والساسة والمفكرين والعسكر ، وهم من لهم حق مناقشة شئون المدينة فى المجالات المختلفة ، وقواعد السلوك وحتى الافكار المرفوضه ، وقرار الحرب . اما العبيد سواء المستخدمين فى الزراعة ام المنازل او الحرف ، فلا مكان لهم فى هذه الديموقراطية الاولى . وكذلك المرأة التى تمثل نصف عدد سكان المدينة ، فلا حق لهم فى هذه الديموقراطية . . والنتيجة التى لا يختلف عليها عاقل : ان من يتمتع بهذه الديموقراطية القلة المالكة والتى لا تتجاوز 10 % من السكان فى احسن الاحوال . حيث ان المرأة والعبيد المنتجين والخدم يشكلون الاغلبية الساحقة من السكان . والامر الاهم فى هذه الديموقراطية النموذج الاول انها شكل حكم وسيطرة القلة من الاحرار على مجمل سكان " المدينة ـ الدولة " فى هذا الزمان ، وان الحرية فى النهاية بيد من يقرر ، ولمصلحة من يقرر ، باسم الديموقراطية نيابة عن الجميع ، وان حدود حرية الاغلبية تحددها الاقلية اولا واخيرا ؟!! .
هذه هى حقيقة الديموقراطية التى يزعمون انها حكم الشعب منذ ميلادها حتى الآن ؟
وفى التاريخ السائد لكتبة النظام الرأسمالى القائم يرون انه لا ديموقراطية فى امبراطوريات وممالك العصر العبودى ، رغم ان شكل الحكم لا يختلف كثيرا عن اليموقراطية الاثينية سوى انها خرجت من حدود " الدولة ـ المدينه " الى امبراطوريات تسيطر على بلدان وشعوب كثيرة ، فمجالس الحكم بما فيها مجالس الشيوخ والفرسان قادة الجيوش تضم قلة ـ على رأسها امبراطور له سلطات واسعة ـ هى المتحكمه فى شؤون شعوب الامبراطورية ، وقرارات الحرب ، واستمرار حياة البشر من عدمه ، وحتى الاستمتاع بقتله باشكال وحشية لابعاد الملل عن السادة ، وتحفيز الطاقة العنفية عند البشر ، ثورة سبارتاكوس .
ولا يختلف الامر كثيرا فى العصر الاقطاعى فى ادارة الاقطاعيات والدول عن طريق القلة المالكة ، وان كان الانسان انتزع درجة من حرية الجسد لم تكن موجودة فى العصر العبودى ، وانتقلت العلاقة الى التبعية بدلا من الملكية . وجاءت الكنيسة فى القرن الرابع الميلادى لتضيف سلطة من نوع جديد للهيمنة على الغالبية الساحقة من البشر لصالح القلة المالكة للارض . ونتيجة لهذه التناقضات التناحرية بين البشر من اجل البقاء ، هناك صراعان بين الطبقات الاجتماعية المختلفة ، بين طبقة القله المالكة للثروة ـ الارض ـ والسلطة ، وبين الطبقات الدنيا الفقيرة من الفلاحين والحرفيين واصحاب المهن المختلفة المنتجين للثروة . الصراع الاول على الحق فى الحياه واسباب العيش . والثانى صراع من اجل الحرية والانعتاق من الاستعباد . تبدأ بحرية الجسد اى الرقبة ، ثم حرية الفكر والعقيدة والرأى والبحث العلمى والانتقال الخ . ويتقاطع هذان الصراعان فى لحظات ، ويصبح فى لحظات اخرى احدهم له الاسبقية على الآخر ، ويندمجان فى صراع واحد فى لحظات الثورة ، والخطأ الجسيم ينشا من الخلط المتعمد بقصد تضليل الجماهير بين الصراع على شكل الحكم من اجل السيطرة على المجتمع ، وبين نضال الانسان من اجل التحرر الانسانى . وعلينا ان نبلع الخدعة الرأسمالية بالدمج بين الحرية ، والديموقراطية التى تعنى اشكال حكم الاقلية المالكة للثروة للمجتمع ليغفر لهم الفقراء استغلالهم وجشعهم وقهرهم وحروبهم .
ونعيش الآن نحن المصريين ازهى عصور الديموقراطية كما يزعم مفكرى النظام واعلامه المسخ !! وكما يزعم دراويش النظام الرأسمالى العالمى فى امريكا واوربا على مدى قرون . . ديموقراطية القنابل الذرية الامريكية على هيروشيما ونجازاكى عام 1945 ، ديموقراطية الدم والحروب والتوحش اللاانسانى التى لم تتوقف عبر العصور الاستعمارية المختلفة وحتى الآن ، خلال حكم الراسمالية للعالم فى القرون الثلاثة الاخيرة . ديموقراطية الابادة الاستعمارية الراهنة فى سوريا والعراق واليمن وفلسطين وافغانستان ومصر والسودان والصومال وباكستان وباقى العالم . ديموقراطية الموت جوعا لـ 30 مليون انسان سنويا فى غالبية الدول الافريقية وغيرها فى آسيا وامريكا اللاتينية ، ديموقراطية الموت مرضا لعشرات الملايين بالفيوسات الطبيعية والمصنعة ، والمواد المسرطنة ، والاغذية المهندسة وراثيا ، والمياه الغير صالحة للشرب لنصف سكان العالم .
فعن اى ديموقراطية تتحدثون ؟ فيها 1 % من سكان العالم يملكون ثروات العالم ويتحكمون فى مصيره ومستقبل البشرية ، و 99 % من البشرية لا يملكون غير قوة عملهم وحقهم فى النضال من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية ، ومقاومة سادة الدمار والخراب للبشرية والبيئة . .
الديموقراطية لا تعنى الحرية وحقوق الانسان كما يزعمون ، الديموقراطية فى النظام الراسمالى ، هى أشكال وادوات الحكم من دولة وبرلمان وقانون واحزاب ومنظمات اهلية واعلام استحوزت عليها الطبقة السائدة ، ثم حولوها الى سلعة تشارك فيها الجماهير من خلال مهرجانت وصناديق الانتخابات والاستفتاءات ، كما حولوا الانسان والمشاعر والقيم والثقافة والرياضة وكل شيئ الى سلع يجنون من ورائها الارباح الطائلة . . اما حديث الحكومات الامريكية والاوربية اليومى عن الحرية وحقوق الانسان لا يخرج عن كونه كذبة كبرى ، ونفاق دائم لتسويق منتجات البربرية العالمية لدى البشرية المستعبده .
فالديموقراطية اذا ، لا تعنى الحرية ، ولا تتطابق معها فى النظام الرأسمالى ، وفى اى نظام ، كما يزعم مفكريهم ، وانما هى شكل حكم الاقلية الغنية داخل هذا النظام للسيطرة عليه ، لمصالحها اللا تاريخية والانانية بعد ان انتهى دورها التاريخى كقاطره للتقدم ، واصبحت قوه رجعية معادية للانسانية فى عالمنا الراهن ، بل وتزداد بربرية . فالديموقراطية بهذا المعنى لها مضمون اجتماعى ، واساس اقتصادى تقوم عليه . . اى انها ليست آلية سياسية ومفهوم عابر للطبقات . تتشارك فيه ومن خلاله الطبقات الغنية والفقيرة فى الحكم ؟ كما يدعى اصحاب الافكار المعادية لقانون الصراع الطبقى ، حتى لو اعترفوا بقانون تناقض المصالح بين الرأسمال والعمل المأجور .
ويختلف هذا الامر كليا حال الانقلاب الثورى للمجتمع الرأسمالى الى مجتمع ملكية وسائل الانتاج والثروة فيه للشعب ، وبالاساس العمال والكادحين والفقراء وليس للقلة الغنية . . ساعتها ستكون هناك امكانية واسعة لحكم وادارة ديموقراطية مختلفة للمجتمع تعبر عن المضمون الاجتماعى الجديد للثروة والعمل . تكون فيها اغلبية المجتمع ـ باستثناء الاقلية التى كانت غنية ـ فى الحكم ولها حق تنظيم وادارة الدولة لتحقيق المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمساواه والاخاء والتحرر الانسانى لاول مرة فى تاريخ البشرية ، لا وجود لسادة وعبيد . . وجهاز الدولة والسلطه وضع مؤقت على طريق زواله ، لينفتح الطريق امام تنظيم جديد ، قائم على الوحدة الطوعية بين البشر ، والتحرر والتحقق الانسانى لافضل نوازع العمل والخير والحق والعدل والجمال . .
لم تكن الديموقراطية الاثينية وراء تحرير العبيد ، بل كانت من اجل تكريسها ، تحت زعم " حكم الشعب " الذى حددوه فى الاغنياء الاحرار من الرجال . ولكن سقوط الحكم العبودى ونظامه الاقتصادى والاجتماعى كان وراء تحرر العبيد . . كما سيكون سقوط الديموقراطية الرأسمالية والنظام الاقتصادى الاجتماعى المنتج لها ، وراء تحرر العمال والكادحين والفقراء و " المهمشين " وكل البشر من عبودية رأس المال والانتقال الى ديموقراطية الشعب لاول مرة فى التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص