الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خّلِصوا أنفُسَكُم !

امين يونس

2017 / 11 / 17
كتابات ساخرة


الآلاف من الشباب الكُرد قضوا أوقاتاً صعبة لاجئين في مخيمات إيران في ثمانينيات القرن الماضي ، لاسيما بعد عمليات الأنفال سيئة الصيت . ولم تكُن الدولة الإيرانية تُوّفِر لهم مايكفي لِسَد أودهم ، مما كان يضطرهم للعمل بإجور متدنية في الأعمال اليدوية الشاقة .
" سَيِد فهيل " و" إسماعيلى جِبى " و " توفيق نعمان أفندي " ... كانوا ثلاثة شباب من أهالي العمادية ، إلتحقوا بالحركة منذ أوائِل الثمانينيات ، وشاركوا كبيشمركة في النضال ضد الحكم الدكتاتوري . وتزامُناً مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية في صيف 88 وتفرُغ الجيش العراقي لهجومٍ كاسحٍ وواسِع على معاقِل الثًوار ، فإضطَرتْ الغالبية العُظمى من البيشمركة ، للإنسحاب إلى داخل الحدود الإيرانية والتُركية .
الشباب الثلاثة أعلاه ، كانوا يعملون في إيران أما في مزارع التُفاح والكَرَز ، أو في معامل الطابوق ، حسب الظروف . مَرّةً .. بدأوا العمل في معملٍ كبيرٍ للطابوق ، بالقطعة . وكان عليهم أن يُرّتِبوا الطابوق في صفوف مُستطيلة أبعادها حوالي ستة أمتار طولاً وأربعة عرضا وثلاثة أمتار إرتفاعاً .. ولأنهم لايمتلكون أية خِبرة في هذا المجال ، فلقد بذلوا جُهداً كبيراً في العمل وأوشكوا أن يكملوا عملهم ، لكنهم شعروا بالتعب ، فقرروا الإستراحة لبعض الوقت .. فجلسوا مُستندين الى " جدار " الطابوق . لَمَحَ فَهيل حَركة الحائِط وإنهيارهِ .. فصاحَ بهم قافزاً بِكُل قوتهِ : خّلِصوا أنفُسكُم ! . وبالكاد إستطاعوا الإبتعاد سنتمرات عن مكان الخَطَر . لم يُصَب فهيل بأذى ، وصديقاه توفيق وإسماعيل ، اُصيبوا برضوض بسيطة .
ضاعتْ جهودهم سُدى ... وأخبَرهُم عامِلٌ قديم هروَلَ إلى المكان بعد سماعه صوت الإنهيار : أن طريقة صّفهم للطابوق خاطئة ، وعّلَمَهم الإسلوب الصحيح . فأعادوا تصفيف الطابوق من جديد إلى ساعةٍ مُتأخرة حتى أكملوا عملهم بعد أن هّدهم التعب والإرهاق .
حتى في تلك الظروف .. لم يتخلى " سَيد فهيل " عن طبيعتهِ الساخرة وروحه المُشاغِبة والمَرِحة ، فكانَ يضحكُ بينَ فينةٍ وأخرى ،على رفيقيهِ وكيفَ إصْفَرَ وجهاهُما من الرُعب .. ويقولُ لهما : لا تنسوا ، لولا صراخي عليكُما ، لكُنتُما الآنَ مدفونَين تحت الطابوق ! .
أكلوا قليلاً من الخُبز والجُبن مع الشاي .. ثُم دخلوا خيمتهم ليناموا . كان توفيق وإسماعيل يتحدثان بين الفينةِ والأخرى ، ولم يشترك معهم فهيل ، فظّنا أنهُ نائِم ... وكان الوقتُ بعد مُنتصِف الليل بقليل .. وكانا على وَشك الإغفاء ... حينَ سمعوا صراخاً قوياً : خّلِصوا أنفُسكُم ! . إرتطَمَ توفيق بإسماعيل من شِدَة إندفاعهما نحو باب الخَيمة ، فتدحرجا على الأرض وسط إرتباكهما ... كانا خارج الخيمة لوحدهما ... وسمعوا ضحكاً مُتواصِلاً من سيد فهيل وهو مُتمَدِدٌ على فراشه داخل الخيمة .
دَخلا وهُما مُصّممان على ضَربهِ والإنتقام منهُ ... لكنهم بدلاً من ذلك ، لم يستطيعوا الصمود أمامَ قهقهته الساخرة ... فضحكوا أيضاً ... لكنهُم أخذوا من سيد فهيل " تعهُداً " ، أن لا يخبر أحداً بما حدَث .
وبالفعل ... فأن سّيد فهيل لم يخبر أحداً على الإطلاق ، بقصته مع صديقيه ، حتى ... صباح اليوم التالي !! .
......................
فَهيل وتوفيق وإسماعيل ... قبلَ ثلاثين سنة ، أعادوا صَف الطابوق ، في المرّة الثانية بالطريقة الصحيحة ، بعد ان إستمعوا إلى نصيحة العامل الخبير .
تُرى ... هل سنستطيع نحنُ اليوم ، إعادة بناء ما تَهّدَم ، بعد إكتشافنا خطأ إسلوبنا القديم ... أمْ سنظلُ نرتعد بين الحين والآخَر من صَرخة : خّلِصوا أنفُسكُم !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماموستا امين
شيخ صفوك ( 2017 / 11 / 18 - 12:40 )
سوف يظل الطابوق و البلوك و الحجر يتهدم علي راس الخلفنا
لا السياسييين يتغيرون و لا احنا نتغير
عومري بوري بخاسرتي
آخ آخ حتي بن آخ

اخر الافلام

.. الفنان أيمن عبد السلام ضيف صباح العربية


.. موسيقى ورقص داخل حرم المسجد في عقد قران ابنة مفيدة شيحة يثير




.. على طريقته الخاصة.. الفنان الفرنسي -زاربو- يحكي قصصا عن لبنا


.. الموسيقي التونسي سليم عبيدة: -قضايا انسانية ،فكرة مشروعي الج




.. الفنان بانكسي يفاجىء جمهور فرقة موسيقية بإلقاء قارب مطاطي عل