الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هبّاش النبّاش

كمال عبود

2017 / 11 / 18
الادب والفن


هبّاش النبّاش

تتشابه أشياء كثيرة ، حبات الرمل ... قطرات المطر ... أوراق الشجرة ، وبعض النفوس وبعض السلوك ... بعض التفكير وبعض المهن .. أمّا هبّاش فله مهنةٌ أُخرى ... لا تشبهها حرفةٌ أو مهنة غيرها ...
تقول جدّتي زينب عن هبّاش الذي عاصرتْ أمُها فترةً من حياته أنَّ هبّاشاً كان رجلاً شابّاً وذا بنيةٍ قويّه وكان كغيره من الرجال له بيتٌ وزوجةٌ وولدان صغيران ... بيتٌ وأسرة ، لكنّ أحداً لا يعرف ماذا يعمل هبّاشاً ، ولمً يُرَ قطُّ أنّه ذاهب إلى عمل ولم تكُ له مهنةٌ يتقنها أو يتميّزُ بها ، ولم يسمع أحداً أنَّ هبّاشاً قد سرق أو اكتشف كنزاً أو جاءته النقود من خارج الحدود ، ومع ذلك لم يشتكي الفقر أو الجوع ولم يمدّ يده طلباً للمساعدة ، بل كانت النقود - على قلّتها في ذلك الزمان - قليلةً لدى العامّة ، ومع ذلك يتوفر لدى هبّاش ما يشتري به ويُسرِفُ أحياناً ويصرف نقوداً للأكل والشراب واللباس وبعض الهدايا ...
تقول الجدّة زينب : إحزروا ماهي مهنة هباش؟
ويكون العجب عظيماً حين نعجز عن الجواب ويكون العجب أعظم حين نعرف أنّ هبّاشاً كان يسرق الموتى ....!؟
أجل كان يسرق الموتى .... ليس كلّهم وإنمّا من كان موسراً في حياته ، وحين يموت غنياً يعرفه هباش جيداً ويعرف ما يحويه رأسهُ وفمَهُ بالتحديد وفيما إذا ضحك وبانت أسنانه الذهبية التى ثبتت مكان أسنان بالية ، وبعد الدفن يرجع الناس ويرجع معهم هبّاش .. يبقى في بيته الى منتصف الليل ، يحمل معولاً ورفشاً ، ويتجهُ إلى المقبره ... يزيح تراب القبر الطري .. يصل إلى جثمان المتوفي .... إلى رأسه بالضبط ... يفتح فمه المظبق بآلةٍ كالخجر وينزع أسنانه الذهبية ، ثمّ يردم الحفرةً ويعود بسرعة فائقه كل شيء إلى ما كان عليه.. وهكذا يبيع الذهب ويصرف ثمنه ...
مضت سنوات طوال قبل أن يكتشف الناس نبش قبور بعض موتاهم ولم يكتشف من كان يسهر ويراقب المقبرة فيما بعد من هو الفاعل لأنّ هباشاً يعرف أنّ هناكً مراقبة ، ثمّ يعود إلى فعلته حين لا يكون الرقيب حاضراً
*****
مات هبّاش ، وترك خلفه بنتاً وولداً أضحى شابّاً ، والولدُ سرّ أبيه ، عرف مهنة والده ولكنّه يغتاظ ويحتقن ويكمد وهو يسمع الناس تلعن والده وتسبّه :
لعنة الله على من كان ينبش القبور
خزاه الله وملائكته
شيطان ملعون وابليس حقير هو وذريّته
اللعنة على أساسه وعلى خلفته وكل أولاده

صارت اللعنة تكبر في صدر الرجل ابن هبّاش حتى قرّر أن يعمل شيئا يخفّف فيه اللعن عن والده ، وهكذا رجع إلى مهنة أبيه ، وصار ينبش القبور ولكنّه يترك الجثامين خارجاً ورائحة الموتى الكريهة تتقيّأُ لها النفوس والابدان...
ضجَّ الناس .... زاد الصخب ... هاج الجمهور وماج في كل جنازة وعند إعادة دفن الجثة لصاحب القبر المنكوش ... وصار البعض يقول :
الله يرحم الأوّل و.... يلعن الثاني
*****
تدور الأيام ومملكة السبخات تنوء تحت وطأة الهبّاشون النبّاشون ... صاروا يعملون علناً ، يسرقون الأحياء ويتفنّون في الأساليب ، صار لهم حزباً وزعماء وقائداً عاماً ، هذا ما قاله الميمون أحمد وهو أحد جنود المملكة وقال أيضاً :
تخيّل يا رعاك الله ، في زمن الحرب نقاتل ونحن جياع لا يترك النباشون لنا طعاماً ولا قوتاً... حالة الجنود، يُرثى لها ، وكأس الشاي لنا حلماً ، تخيل ان أحد الجنود كان بالصدفة يخدم في كتيبة أخيه الضابط ، ابن أمه وأبيه ، وحين قال لأخيه الضابط : يا سيدي ، اشتقت لزوجتي وأريد إجازةً ...
قال له : كم تدفع من المال يا هذا؟
قال الميمون احمد بحسرةٍ وزفرةٍ حارقة:
لم يترك النبّاشون شيئاً ، سرقوا المال والدواء ..... والكلمة الصادقة .. وسرقوا دمعة الفرح ،
الأسد ملك للغابة لأنه لا يأكل إلّا من صيده ولا يأكل جيفةً ... أمّا الخنزير البريّ فهو (يهبش ) الجيف الموتى و (ينبش) في القمامة والزبالة ، فهو ...هبّاش ... نبّاش!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا