الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن أيضا في المغرب بحاجة إلى فتح نقاش حول إصلاح القضاء ببلادنا

احمد ابادرين

2006 / 2 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في فرنسا وخلال شهر دجنبر لسنة 2000 أشارت المصالح الاجتماعية لمدينة بولوني سيور مير Boulogne-sur-Mer إلى أن بعض الأطفال يتعرضون لاعتداءات جنسية على يد ذويهم وعرفت القضية باسم قضية وترو l affaire d Outreau .
في شهر فبراير فتح تحقيق في الموضوع وتم اعتقال ثمانية عشر شخصا انتحر واحد منهم وأحيل الباقون على محكمة جنائية وانتهت القضية بصدور حكم بتاريخ 7 نونبر 2005 يقضي بتأكيد براءة السبعة الذين تمت تبرئتهم ابتدائيا وبراءة ستة آخرين مستأنفين.
وبتاريخ 5 دجنبر 2005 وفي سابقة من نوعها قدم رئيس الجمهورية اعتذارا علانية للأشخاص الذين تمت تبرئتهم.
وفي شهر دجنبر 2005 تشكلت لجنة تقصي برلمانية وشرعت في استنطاق من كان الملف بيدهم وعلى رأسهم قاضي التحقيق الذي تم الاستماع إليه بعد أدائه اليمين القانونية أمام لجنة التقصي المذكورة وتم نقل بعض جلسات الاستماع على القنوات التلفزية، وفتح نقاش واسع حول وضعية القضاء وحول ضمانات الحرية الفردية للمواطنين.
تشكيل اللجنة البرلمانية للتقصي استند إلى أن الدستور يضمن حريات المواطنين وأنه لا يمكن وضع حد لهذه الحريات إلا بمقتضى القانون، والقانون تختص بإصداره السلطة التشريعية. والقوانين التي أصدرتها السلطة التشريعية في هذا المجال توكل للسلطة القضائية (والأجهزة التي تعمل تحت إشرافها ومنها الضابطة القضائية) السهر على احترام الحريات وتخول لها السلطة في الاعتقال.
غير أن المثير في القضية هو أننا ألفنا من السادة النواب البرلمانيين أن يوجهوا أسئلتهم الرقابية إلى أعضاء الحكومة، أي خضوع السلطة التنفيذية للمساءلة أمام السلطة التشريعية، وأنه لأول مرة نشاهد قاضيا يمثل أمام لجنة برلمانية، وحضور محاميين بجانب القاضي يعطي الانطباع بأنه أمام هيئة تسائله. هل يعني ذلك أن السلطة التشريعية لها الحق في مساءلة باقي السلط الأخرى؟
على أية حال فإن النقاش الدائر الآن في فرنسا حول إصلاح القضاء يمكن أن يؤدي إلى إعادة النظر في كثير من الأمور ومنها طرق تكوين القضاة ومنهجية اختيارهم وشروط تكليفهم بالقضايا ذات الحساسية كقضايا الأسرة والحريات.
هنالك شبه إجماع على عدم نجاعة ما استحدث من آليات في ميدان المسطرة الجنائية (قاضي الحريات، غرفة التحقيق المختصة بمراقبة عمل قاضي التحقيق "غرفة التهام سابقا يسميها المحامون الفرنسيون الآن غرفة التأييد"، مؤسسة الوكيل العام، نظام التحقيق الاتهامي... إلخ).
وعندما نتتبع النقاش الجاري حاليا حول إصلاح القضاء في فرنسا فإننا نستحضر أوضاع قضائنا في المغرب.
وعندما نسمع قاضيا في فرنسا يصرح بأن كثرة القضايا ومحدودية الإمكانيات تشفع له أي قصور يمكن أن يسجل في حقه (ذكر أنه يوجد في فرنسا 7500 قاضيا، وذكر أن وزير العدل طلب ميزانية ب 150 مليون ورو ولم يصادق البرلمان إلا على 50 مليون)؛ عندما نتتبع هذا الذي يجري في فرنسا فإننا لا نملك سوى الدعاء "الله يكون في عون قضاتنا" بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية لبلادنا التي لا تسمح على ما يبدو بتوفير ما يلزم للأداء الأحسن لجهازنا القضائي.
أما عندما نسمع الحامين في فرنسا يشتكون من أن دورهم ما فتئ يتقلص وأن كثيرا من القضاة لا يعيرون لهم أي اهتمام بل ولا يستقبلونهم أحيانا ويمارسون عليهم سلطة بشكل مهين، فإننا نتأمل في معاناة محامينا المغاربة الذين لا يتمكنون أحيانا من القيام بمهامهم بحيث يقاطعهم القضاة في مرافعاتهم لعلة أنه يطيلون في مرافعاتهم أو خروجهم عن الموضوع.
والأمر يكتسي من الحساسية ما يجعل المحامين لا يقبلون أن يمارس علهم القضاة أية سلطة لا في التوجيه ولا في التنبيه لما للمهنة من استقلالية وخصوصيات تقنية قد لا يدركها القاضي.
أما ما يتعلق بتكوين القضاة ومنهجية اختيارهم فإن النقاش أبان أن بعض القضاة يعانون من أزمات نفسية ومن عدم الاستقرار الاجتماعي الشيء يفسر تعاملهم الجاف مع المتقاضين ويؤثر على أدائهم الذي ينبغي أن يتسم بالإنسانية قبل كل شيء.
إن النقاش الذي يجري حاليا حول وضعية القضاء في فرنسا نتتبعه باهتمام ونحس وكأنه يتناول نفس ما نحس به تجاه أوضاع قضائنا المغربي، وإذا كنا نستغرب لبعض التصرفات التي يثيرها الفرنسيون في نقاشهم والتي يمكن القول أننا تجاوزناها نحن في المغرب، فإن ما تم التعبير عنه من طرف مختلف المتدخلين في فرنسا يتطابق بالكامل مع معاناتنا في المغرب.
يبقى علينا نحن أيضا أن نفتح نقاشا هادئا صريحا وشفافا، بعيدا عن الإثارة أو أي تحامل أو تبادل الاتهامات، حول إصلاح القضاء ببلادنا وألا ننتظر وقوع المآسي من مثل المآسي التي نحن بصدد طي صفحتها ومن مثل مأساةOutreau التي عجلت بالنقاش حول إصلاح القضاء في فرنسا والذي نتمنى أي يسفر عن نتائج متقدمة.
لأنه ما دام البعض يلجأ إلى تنظيم وقفات احتجاجية للضغط على القضاء إما للإفراج عن شخص أو إدانة آخر أو الحيلولة حتى دون وضع العدالة يدها على القضية؛
وما دام بعض المواطنين يلجأون إلى بعض المؤسسات لطب التدخل فقط احتجاجا لأن المحكمة أمهلت الطرف الخصم للإدلاء بجوابه؛
وما دامت بعض الجرائد تنشر بعض الأخبار تفيد أن وزارة العدل تتدخل لتأخذ القضية مجرى معينا أمام العدالة أو تستقبل المحتجين لطمأنتهم على قضية توجد بين يدي العدالة؛
وما دمنا نسمع أن بعض القضاة ضبطوا متورطين في قضايا الرشوة؛
وما دام المواطنون يبحثون عمن يقبض منهم الرشوة معتقدين أنه بدون رشوة لا يمكن أن تحكم لهم المحكمة بشيء.
وما دام بعض المحامين يوحون لموكليهم أنهم بمقدورهم الضغط على القاضي عن طريق إما علاقاتهم بنافذين بوزارة العدل أو عن طريق التفاهم مع القاضي؛ وما دام بعض المتقاضين يبحثون عن محامين يتقنون فن التفاهم دون أي اعتبار للكفاءة في المرافعات.
وما دامت الأمور على هذه الحال أو على الأقل تشيع أخبار بأنها على هذه الحال؛ فإن ذلك يدل على أن هنالك خللا، وهذا الخلل يدعونا إلى تنظيم حوار وطني لرد الاعتبار لمكونات العدالة ببلادنا من قضاة ومحامين ومساعدي العدالة، من أجل وضع الأصبع على مكامن الخلل لإصلاح ما يجب إصلاحه وتغيير ما يجب تغييره في توافق بين مختلف المكونات، على أن تواكبه تغطية إعلامية مركزة وواسعة مساهمة في توعية المواطنين بآليات اشتغال أجهزة القضاء حتى يسترجع المواطنون الثقة بالقانون وبالساهرين على تنفيذه.
مع التمنيات بالتوفيق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم