الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الصحافة بمغرب اليوم

محمد نبيل

2006 / 2 / 23
الصحافة والاعلام


الممارسة الصحفية بالمغرب تطرح أكثر من علامات استفهام حول ماضيها و حاضرها وكذلك حول مستقبل مهنة الصحافة باعتبارها، بالدرجة الأولى، رافعة أساسية للتنمية و مساهم فعال في بناء المجتمع الديموقراطي المبني على التعدد و الاختلاف. ومساءلتنا لوضع الصحافة بمغرب اليوم لا تمس الأبعاد الإيديولوجية، النقدية، المثالية و الواقعية التي تحاول تفكيك و تحليل معاني و دلالات الممارسة الصحفية بقدر ما تحاول استنطاق البعد المهني و الديموقراطي للفعل الصحفي.فالصحافة، قبلنا ذلك أم لم نقبل، تعد وسيطا بين الأفراد و الجماعات، فهي قادرة على توحيد الجماعة أو تشتيتها بل تستطيع إلى جانب أطراف و عوامل أخرى صنع أفكار و تمثلات اجتماعية عديدة، فهي موجودة بالفعل و القوة و الابتعاد عن مساءلتها لا يعد حلا بقدر ما يعمق الأزمة. و في هذا السياق، اخترت الحديث عن مهنة المتاعب من خلال زاويتين مختلفتين: الأولى تتعلق بالجانب المهني و الثانية تهم إشكالية الديموقراطية بالمغرب.

سؤال المهنية:

يسجل تاريخ الصحافة بالمغرب ارتباطا وثيقا،منذ عهد الحماية إلى الآن ،بين الصحافة كممارسة مهنية لها خصوصيتها و الحزب كمؤسسة سياسية. هذا الترابط التاريخي يحتفظ بتميزه عن تجارب موجودة في بلدان عديدة. فالجريدة – هنا نستغني قصدا عن الحديث عن الصحافة السمعية البصرية التي ظلت تحت وصاية النظام السياسي لحدود الساعة ـ تعد لسان الحزب، و هي كذلك صوت القبيلة و العشيرة. الصحافيون المغاربة يعرفون جيدا وانطلاقا من تجربتهم اليومية، أن الصحافة الحزبية لا ترتبط بالمؤسسة السياسية فحسب،بل لها وشائج قبلية و اثنية تطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الصحافة الحديثة بالمغرب. إذن الممارس يجد نفسه مضطرا إلى ممارسة عمله الصحفي في انسجام مع مواقف وتشكيلة الحزب السياسية والإيديولوجية. هذا الزواج إ ن صح التعبير خلق تراكمات إيجابية و سلبية على مستوى كيفية تصور الممارسة الصحفية. فن جهة نجد أن الصحافة كوسيط و كمهنة ظلت على هامش الخطاب المتداول و أي صوت صحفي من داخل المنبر الصحفي لا ينسجم مع الأطروحات الحزبية أو نزوات العديد من الزعماء يكون مصيره التهميش أو الطرد،و هناك حالات عديدة سجلت في هذا الشأن بل أمست تشكل ظاهرة صحفية سيحاول فاعلوها الخروج عن هذا المنطق الإكراهي و الانغلاقي من أجل تأسيس منابر تتمتع بقدر من الاستقلالية. فهؤلاء قرروا التغريد خارج السرب الحزبي الذي يحدد وضعية الصحافي انطلاقا من الانتماء السياسي، النقابي، القبلي، و الإثني . كل هذه الانتماءات تجد تربتها الخصبة في طبيعة الصراع السياسي المغربي المطبوع بمعطى بنيوي شديد الأهمية و يتعلق الأمر بظاهرة الانشقاق السياسي التي مزقت الجسد السياسي و ما زالت تفعل فعلها لحدود الساعة.

أما من جهة ثانية، نجد تراكمات الممارسة الصحفية الحزبية الإيجابية تقاس في نظري بالدفعة التي ستقدمها صحافة الحزب إلى القرار السياسي،هذا إضافة إلى القفزة الحاصلة في الممارسة الصحفية على مستوى أبجديات العمل الصحفي والتي ستساهم في بناء اللبنات الأولى للمشاريع الصحفية المستقلة، هذه الأخيرة يطرح في شأنها العديد من الأسئلة حول طبيعتها ومدى تجاوزها للغة و خطاب الصحافة الحزبية. فلغة الاستقلالية غير واضحة و تفرض التدقيق، فالمستقل عن الحزب و الدولة هو غير ذلك في علاقته بإكراه الرأسمال الذي يحدد آنيا، حتى في البلدان المتقدمة، الخط التحريري للمؤسسة الصحفية. فالصحافة المستقلة مدعوة اليوم إلى ممارسة صراع مغاير من أجل الدفاع عن الصحافي و التحرر من سلطة و رقابة الرأسمال الذي يتحكم في الخط التحريري بشكل مباشر أو بطرق غير مباشرة، بل يجب أن يفتح النقاش حول الصحافة المهنية و ضوابطها العلمية المتعارف عليها في البلدان الديموقراطية عوضا عن تضخيم الخطاب حول الصحافة المستقلة.

الصحافة يجب ـ حسب تصور جيرالدين مولمان ـ أن تتحول إلى سؤال. فمساءلة الممارسة مهنيا و أخلاقيا و مقاربتها وفق تصورات سوسيولوجية مثلا، يسمح بتشريح كيفية صنع الخبر، وتفكيك الفاعلين في صنعه، قواعد العمل الصحفي و الإعلامي، ضوابط الاتصال المؤسساتي، المواثيق الأخلاقية، ومحاولة الإجابة عن جدوى الصحافة في بلد غير ديموقراطي كالمغرب، كلها تساؤلات تدخل في خانة إعداد الصحافي لرهانات الممارسة العلمية وفق وعي بالمهنة وأفقها المؤسساتي الذي يسعى إلى توفير الشروط الصحية لممارستها. في هذا الإطار، نشير إلى أن النقاش الدائر حول الاتفاقية الجماعية و الإنعاش الحكومي لمهنة المتاعب، لا يمكن أن يطور المؤسسات الصحفية مادام السؤل المغيب يظل هو: كيف نطور الممارسة الصحفية في بلد غير ديموقراطي ؟سؤال جوهري و الإجابة عنه لابد أن تستحضر بالإضافة إلى الطرح المهني مقاربة أخرى تتعلق بالجانب القانوني و بالجدل حول المشروع الديموقراطي.

الصحافة و إشكالية الديموقراطية:

إن الممارسة المهنية لا يمكن لها تستقيم و الصحافي ما زال مطوقا بفصول و ببنود عتيقة توقع به تحت الرقابة، المحاكمة، والإكراه البدني. وفي هذا المضمار، صرح لنا بمرارة أحد الصحافيين المعروفين بجريدة حزبية قائلا: الاتفاقية الجماعية ليس لها معنى في ظل وجود أرباب عمل ما زالوا يمتصون عرق الصحافي يوميا، إننا نقاوم مع الأسف لعنة الصراع الطبقي. إن هذه الرسالة النارية تكشف بالملموس عن عورة الصحافة المغربية و التي مازال فيها الصحافي يطالب بتسوية أجره و يمارس عمله في ظل غطرسة الرأسماليين الذين في معظمهم ،مع الأسف، لا يعرفون جيدا أصول المهنة و ضوابطها.

الصحافي مواطن، فاعل اجتماعي و مبدع و ليس موظفا في مكتب مغلق يختنق فيه يوميا بفعل دور روتيني يوكل إليه. الصحافة لا تتطور فعليا إلا بفتح نقاش حقيقي و فاعل حول الدستور و قانون الحريات العامة العتيق الذي لا يواكب ما يحدث حاليا من ثورة يومية في الاتصال و الإعلام. فالممارسة تتم مهنيا وقانونيا بالتلازم و ليس بممارسة لغة الفصل والتجزيء و تحويل الخطاب حول التغيير إلى مجرد در الرماد في العيون.

الأبعاد القانونية، الدستورية و المهنية تشكل وحدة مترابطة الأطراف، أما تغييب الجدل حولها فيسقطنا في فخ الترقيع. الصحافة مهنة و علم يدرس في الجامعات الدولية، ومجرد المقارنة بين ما يقع بالبلدان المتقدمة و أحوال الصحافة بالمغرب يضعنا في موقع حرج جدا. الصحافي ببلادنا لم يخرج بعد من مسلسل الصراع من أجل الخبز.

من المفروض أن التواصل الذي يمارسه الصحافي يوميا مع الأفراد و الجماعات يجعل دوره في البناء الديموقراطي أمرا ضروريا، لكن هذا لا يمكنه أن يتحقق في ظل غياب مشروع مجتمعي واضح تفتح أوراشه الكبرى في إطار عقلاني. لكن غياب هذا المشروع، يجعل القاطرة المغربية، و بداخلها الصحافي، خارج السكة الديموقراطية التي أجهض حجرها الأساسي مند عقد من الزمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا