الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربع قصائد

نمر سعدي

2017 / 11 / 20
الادب والفن


أربعُ قصائد


نمر سعدي/ فلسطين






العصافيرُ رزقُ المُحبِّ



آخرَ الليلِ عندَ تقاطعِ حلمينِ
فوقَ البياضِ
وعندَ ارتماءِ السكارى..
تقولينَ: هل مرَّ أعمى اشتهاءاتهِ من هنا؟
وهل مدَّ قلباً لحزنِ امرأةْ؟
*
هل لأنَّ دمي مشجبٌ للعصافيرِ
والشِعرَ فزَّاعةٌ للغيابْ
تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لخصلةِ وردٍ
على حائطٍ مُهمَلٍ
أو حصاةً بنهرٍ
وأُغنيةً فاضَ عنها السرابْ؟
*
موجٌ هو الخصرُ
غيمٌ
مَرمَرٌ
صَدفُ
كُنْ للحبيبةِ ثوباً
أيُّها الشَغفُ
لا ريحَ تحملُ عن روحي الغبارَ ولا
جسمي بغيرِ دثارِ الوجدِ يلتحفُ
*
تواصيتُ حُبَّاً بقلبكِ
كالعاطلينَ عن العَملِ..
الشوكةُ الحجريَّةُ والأقحوانةُ أنتِ
السحابةُ والجمرةُ
السَوطُ والقُبلةُ
القلقُ الشاعريُّ وخفقُ الحمامِ
على السطحِ
نومُ الحديقةِ خلفَ السياجِ
ونقرُ العصافيرِ كفَّيَّ عندَ الصباحِ..
فقولي الذي لا يُقالُ
أنا الآنَ أسمعُ نبضَكِ في القلبِ
أحضنُ صوتكِ بالفمِ والمقلتينِ
ولكنني لا أريدُ الكلامْ
*
أيَّارُ تنهيدةٌ؟
أم رغبةٌ؟
سهرُ العُشَّاقِ؟
أم ما يقولُ الصُبحُ للحبَقِ؟
أيَّارُ وردتنا الأنثى
قصيدتنا الأحلى
التي كُتبتْ ليلاً على الحدَقِ
*
أجملُ الشاعراتِ هُنَّ النحيلاتُ الفوضويَّاتُ
المصاباتُ بالهستيريا والكآبةِ..
بحركاتٍ عصبيَّةٍ ينزعنَّ القصائدَ الخفيَّةَ
وثيابَ الليلِ عنهنَّ
مرَّةً قلتُ لإحداهنَّ: أرسلي عصفورَ صوتكِ
لأحبسهُ في القلبِ إلى الأبدْ
فأجابتْ: وأنا.. بماذا سأهشُّ على وحدتي من دونهِ؟
أجملُ الشاعراتِ هُنَّ من يعشنَ
بأعراضِ وجعٍ سريٍّ وحُبٍّ غامضٍ لا تزول
*
حتى لو التصقتْ وردةٌ بالترابِ
أو انطفأتْ شمعةٌ في الظلامِ
ستمتدُّ إحدى القصائدِ
من كُحلِ زنبقةٍ في العراءِ
إلى شُرفةِ القلبِ
من شُعلةٍ في الدماءِ
إلى قمَرِ الأرضِ
من شجَرٍ ساحليٍّ
إلى شهقاتِ النساءْ
*
زنابقٌ جسدي مُهتاجةٌ وثرىً
أعمى.. يصيحُ سُدىً: مُرِّي على طُرُقي
*
للظهيرةِ وردٌ يسيِّجهُ الظنُّ
رجلايَ رملٌ
وعينايَ ريحٌ..
كأنَّ النهارَ دُوارٌ
وتفَّاحةُ المشتهى صدأٌ
والصديقةُ غيمٌ تناثرَ أو رغبةٌ مطفأةْ
كلُّ سنبلةٍ لا تضيءُ دمي
سوفَ أتركها للرمادِ كأسطورةٍ مرجأةْ
*
قوسانِ محنيَّانِ في أقصى القصيدةِ، أخضرانِ..
أم أنَّهُ حجرٌ سماويٌّ يضيءُ غروبَ ما في القلبِ من غُصَصٍ؟
أم الأشياءُ تخلعُ ثوبَ ماضيها وتتركُ سحرَها خلفي
يئنُّ كأنهُ المطرُ النسائيُّ الغريبْ؟
قوسانِ في مرمى انتظاري يشربانِ الظلَّ من لغتي
ومن تنهيدةِ الناياتِ لامرأةٍ
تُعلِّقُ جرحَها ريحاً على شجري
فكنْ لفمي هلالاً جائعاً يا ماءَها الفضيَّ
كنْ لشمالِ قلبي وردةً بيضاءَ يا قمرَ الجنوبْ
*
مطرٌ حزيرانيٌّ اختصرَ المسافةَ بيننا
وامتدَّ من أوركيدةٍ في الظلِّ
حتى قاعِ قلبي
مطرٌ خفيفٌ مثلَ نقرِ الطيرِ نافذتي وخاصرتي
وغيمَ قصيدتي الأولى
ومثلَ سماءِ دربي
بريَّةً لخطايَ أو لرؤايَ كنتِ بلا انتهاءَ
وكنتُ أركضُ فيكِ كالمذعورِ
(كانَ الذئبُ يركضُ فيَّ)
بالظمأ امتلأتُ وبالحصى والجوعِ
علَّقتُ المزاميرَ الشريدةَ فوقَ غصنكِ
واشتعالَ الماءِ فوقَ نهاركِ الأبديِّ
فاتحةُ البنفسجِ والسنابلِ أنتِ
خاتمةُ العبارةِ والمصَّبِ
*
كنتُ أستهدي بشمسِ امرأةٍ
بحزنها السريِّ
بالماءِ الذي يرشحُ من ضحكتها
بعطرها الليمونِ
بالفضَّةِ أو بالحبقِ الهائجِ في الكلامْ
لكنني استرحتُ من جمالها الموجعِ
أو من حبِّها القاسي
كأنْ ضيَّعتُ قلبي بعدَها
كالخاتمِ الضوئيِّ في الظلامْ
*
الأرَقْ
قبضةٌ من رمادٍ ومصطبةٌ للغناءْ
هو أن ترقصَ الزفراتُ الأخيرةُ
فوقَ حبالِ الدماءْ
وأن يحرسَ القلبُ نومَ الحمامِ
ونارَ العبَقْ
*
لماذا سكنتَ المرايا؟
لماذا جرحتَ السهَرْ؟
وفي الحالتينِ استقلتَ من اللغةِ العاطفيَّةِ..
من أثرِ القُبلةِ الأنثويَّةِ فوقَ الحجَرْ
*
ما القصيدةُ إن لم تكنْ
طريقاً عموديَّةً للفراشاتِ..
ما الحبُّ إن لم يكنْ
سبباً للخصامِ..
وريحاً ضروريَّةً للمُنادى
وزنبقةً في شتاءٍ بعيدْ؟
*
تقولينَ: إنَّ العصافيرَ رزقُ المُحبِّ
وإنَّ الهوى أوَّلُ الهاويةْ
ستولدُ في رجلٍ آخرٍ
وأُبعثُ في امرأةٍ ثانيةْ
*
منذُ شهرينِ لم أذقِ النومَ..
نامُ الحمامُ على السطحِ
والقطُّ نامَ على درجِ البيتِ
والأقحوانُ على طرفِ النافذةْ
منذُ شهرينِ أو خمسةٍ
منذُ عشرينَ أُغنيةً وامرأةْ
لا أنامُ ولا أحلمُ..
الليلُ نامَ ونامتْ زنابقهُ المنزليَّةُ
والقلبُ مثلُ عيونِ السمكْ
وملءُ دمي حجرُ الزمهريرِ
وملءُ الرئةْ
*


إشتهاءاتُ قلب فاشل



(في البدءِ كانَ تنهدَّ الصلصالِ في شفتيَّ)
قالتْ أُمُّنا حوَّاءُ..
قالَ الساحلُ:
من علَّمَ الأشواقَ آدمَ؟
من أضاءَ أنوثةَ امرأةٍ بشمسِ الليلِ
كيما يشعلَ البلَّورَ خصرٌ ناحلُ؟
*
سأُرهفُ سمعي للينابيعِ.. للحصى
لهمسِ نباتاتِ المنازلِ كلَّما
تسلَّقَ نعناعٌ على الليلِ أو نما
على الفمِ من ثغرِ الحبيبةِ زنبقُ
تركتُ غواياتي ورائي.. وجئتُ من
أقاصي المعاني..
لي من الغيمِ شرفةٌ
ومن عبقِ التفَّاحِ موجٌ وزورقُ
*
يُفكِّرُ مثلَ النباتاتِ
يمشي على الريحِ
يفتحُ عزلتهُ كالحديقةِ
يحلمُ كالأجنحةْ
ولكنهُ حينَ يكتبُ أو يتنفَّسُ
يحبسُ أغنيةً في إناءٍ من الخلِّ والماءِ
أو يقتفي أثراً لا يُرى
في مهبِّ الأيائلِ
يومئُ للنهرِ أن يتوقَّفَ
للنايِ أن يتبعَ الغجرَ الراحلينَ
كما يتبعُ الشغفُ الآدميُّ
انفراطَ الأنوثةِ كالمسبحةْ
*
بينَ الجميلاتِ حتى الوجعْ
والأقلِّ جمالاً
وبينَ الهدى والضلالةِ..
بينَ الكلامِ الصباحيِّ للسيِّداتِ الأنيقاتِ
والقهوةِ العربيَّةِ..
بينَ الصدى والصدودِ
وبينَ إشارةِ شخصٍ غريبٍ
يقولُ لقطتَّهِ في الظهيرةِ: لا تتبعيني..
وبينَ حنيني الذي صارَ أشجارَ دفلى
على جذعها يرسمُ العاشقونَ وجوهَ حبيباتهم
بالأظافرِ أو بالدموعِ..
وبينَ دمي والقصائدِ مكتوبةَ بمياهِ الولعْ
بينَ صحَّةِ قلبي وضغطِ دمي المرتفعْ
وضعتكِ كي أطمئنَ كما ينبغي
ثمَّ نمتُ كما أشتهي
بعدما ذرَّ طلعَ حياتي
غبارٌ أنيقٌ شهيُّ
*
الشاعرُ، النزقُ، الأثيمُ
الصاخبُ، القطُّ المشاغبُ والأليفُ
الذئبُ، والولدُ المدلَّلُ
والأميرُ الضَّالُ...
ضيَّعَ في المرايا وجهَهُ ويديهِ
ضيَّعَ قلبَهُ في رغوةِ الصلصالِ
أو طينِ الأنوثةِ للأبدْ
*
أيتها النادلةْ
ضعي شارةَ القلبِ تحتَ القصيدةِ
أو وردةً في الإناءْ
فإني تعبتُ من الإشتهاءِ
ولم تتعبي أنتِ
من حبركِ العاطفيِّ
ومن قمرٍ في الدماءْ
*
أشطرُ حلمي لنصفينِ
نصفٌ لأهدابِ من تركتْ قُبلةً قبلنا في ثنايا الكتابْ
ونصفٌ لرائحةِ البحرِ في نثرها المستغيثِ
بشمسِ الضحى وبرنَّاتِ خلخالها
كم رمتْ قلبَها في القصيدةِ وانتعلتْ قلبَ عاشقها في السرابْ
أشطرُ عمري لنصفينِ
نصفٌ لقافلةٍ تستريحُ أيائلها في صدى زفراتي
ونصفٌ أخيرٌ لريحِ الذئابْ
أشطرُ تفَّاحةً لسؤالينِ
أغنيةً لسريرينِ
تنويمةَ امرأةٍ للظهيرةِ أو للحمامِ
لكحلِ الغيومِ وزهرِ الضبابْ
*
أجملُ امرأةٍ تلكَ من قلبُها ساحلٌ للنجومِ
ومن يدُها مطرٌ لا ينامْ
من تخبِّئُ في صدرها حقلَ قمحٍ
ونهرَ أرُزٍّ بعيدٍ وسربَ غمامْ
من ترى في القصيدةِ ما لا يُرى
من وقوعِ المجازِ على ظلِّهِ دونَ قصدٍ
وتمسكُ صوتَ الحمامْ
من تعيدُ هوائي لقارورةٍ من أنينٍ
وذرَّاتِ جسمي إلى برعمٍ خائفٍ في الظلامْ
أجملُ امرأةٍ في النساءِ التي
شعرُها يتوَّهجُ في العطرِ حتى البكاءِ..
التي خمرُها يتسلَّلُ للماءِ
أو نثرُها يتوغَّلْ
مصادفةً في القصيدةِ (هذي القصيدةِ) أو يتسلَّلُ منها مصادفةً
من يكونُ لها من تحبُّ ابنَها
أو تعاملُهُ كابنها المشتهى
والوحيدِ المدلَّلْ
*
تقولُ إفتراضاً بعلمِ الأحاسيسِ
أو بمرايا الغموضِ وليلكةٍ متعبةْ:
ما الذي سوفَ تفعلهُ امرأةٌ غايةً في الجمالِ
إذا خانها من تحبُّ؟
وذاقتْ كآبةَ بعدِ الولادةِ
ليلاً.. نهاراً.. كما ينبغي؟
ما الذي سوفَ يفعلهُ رجلٌ غايةً في الوسامةِ والنزقِ العاطفيِّ
مع امرأةٍ غايةً في الدمامةِ واليأسِ لكنها طيِّبةْ؟
ما الذي سوفَ يفعلُهُ رجلٌ طيِّبٌ زوَّجتهُ السماءُ بعاهرةٍ
كي يذوقَ كما يشتهي لعنةَ التجربةْ؟
*
قلبٌ فاشلٌ
قد تداويهِ فراشةٌ شرسةٌ
أو حجرٌ طائرٌ
ولكن بشرطٍ واحدٍ
أن يشطرَ حياته إلى نصفين
نصفٌ قافلةٌ تسيرُ
ونصفٌ كلابٌ تنبحُ
*
أطردُ الذكرياتِ من الغرفةِ الآنَ مثلَ السكارى
الرؤى عن يديَّ
الخطى عن طريقيَ
والليلَ عن ضوءِ نافذتي
خفقَ نهرِ السنابلِ عن وردةٍ يابسةْ
أطردُ البسمةَ الخلبيَّةَ عن لغتي
والوضوحَ الذي لا يداوي الألمْ
ولو بالكلامِ الجريحِ
الذي كانَ يصرخُ من دونِ فمْ
*
عطرٌ كذكرى جنَّةٍ منسيَّةٍ درستْ
كشهقةِ عاشقٍ
يستدرجُ الأنفاسَ كالحجلِ المراهقِ
كالصدى الحسيِّ أو
كقصيدةٍ مطوَّيةٍ تحتَ السريرِ
كلسعةِ امرأةٍ
كعاطفةِ الصنوبرِ والطيورِ
كظلِّ أغنيَّةٍ على قمرِ الزجاجِ..
يقولُ لي: انهضْ كي تزوَّجَ للظهيرةِ ساحلاً
واتركْ على طرفِ الحديقةِ فرطَ سنبلةٍ وأوتاراً
وماءً للظباءِ المستريبةِ
أو حصاةً كالمحارةِ في الطريقِ اللولبيَّةِ للنداءِ الأنثويِّ
على الأهلَّةِ والسنينِ..
يقولُ لي: أُتركْ ما تشاءُ من التوجُّسِ في المرايا
أو مكابدةً على طرفِ القصيدةِ والسريرْ
*




قمصانُ زليخة




أُحبُّ الشنفرى وأُحبُّ ما سأُحبُّ
من غزَلٍ نهاريِّ سأحملُهُ
كغيمٍ يحملُ الأمطارَ
حتى آخرِ الدنيا
ومن رقصِ العذارى في مخيَّلتي..
أُحبُّ الشنفرى وأُحبُّ أنكيدو
وما تركَ الشتاءُ على الحدائقِ
أو محطَّاتِ القطارِ
أحبُّ صيفاً مثلَ رائحةِ النوارسِ
والندى البلديَّ
والنثرَ الخصوصيَّ الذي وكأنهُ عشقٌ
على ماءِ الرخامِ يسيلُ
يجرحني قرنفلُهُ
أُحبُّ قصيدتي وأُحبُّ ما سأُحبُّ..
*
بدمي أتبعُ ما تتركُ أقدامُ الوعولْ
في أقاصي الأرضِ..
ما يتركُ عطرُ الأقحوانْ
فوقَ نهديكِ من الليلكِ والمرمرِ
والماءِ الخجولْ
*
هل لأنَّ الليلَ عرَّاني من الذكرى أنا الآنَ وحيدٌ
مثلَ ذئبٍ في أغاني الجاهليِّينَ
مضاءٌ برمادِ الحبقِ المهتاجِ
قلبي شعلةٌ في الريحِ
والريحُ فتيلْ؟
*
كلماتٌ.. كلماتٌ.. كلماتْ
فمُها عرَّابُ أزهاري
محَارُ خصرها عرَّابُ
ما في الجسدِ الطينيِّ من أصفى اللغاتْ
كلماتٌ.. كلماتٌ.. كلماتْ
شاعرٌ في امرأةٍ يحبُّها
روحُهُ حلَّتْ
كما حلَّ الندى في الزفراتْ
عابرٌ يتركُ من أنفاسهِ وشماً
لأجسادِ النساءِ العاشقاتْ
*
مطرٌ يجرحُ روحي صوتها
أم وترٌ من فضَّةِ الغيبِ
وأسرارِ الفصولْ؟
*
قصِّري فستانَكِ النيليَّ
مُريِّ في صدى الأنفاسِ
دُلِّيني على القنديلِ والدمعةِ
والكواكبِ الصغيرةِ البيضاءِ
في القدِّ النحيلْ
*
الحمامُ الفظُّ عن أقبيتي طارَ وعن أوردتي
وانهارَ ما في جسدِ المرأةِ
من موجِ الهديلْ
*
ترجمي لي دورةَ الأقمارِ
في أعلى المزاميرِ
وفي الأنهارِ..
ما هذا الدوارُ المرُّ؟
ما هذا التشظِّي
في سرابِ الظلِّ
أو في نثرِ سونيتاتِ
حُبٍّ مستحيلْ؟
*
كسربٍ من النملِ يبدأُ رحلتهُ في شقوقِ الرخامِ
تركتُ النوافذَ مفتوحةً لصدى النهوَندْ
وانسحبتُ إلى داخلي
وبدأتُ النهارَ..
كحقلٍ من القمحِ يستقبلُ العائدينَ من الصيفِ
أو كالفراشةِ تشرحُ معنى اشتهاءِ الجسدْ
بالتأمُّلِ أو بالكتابةِ أو بمقامِ الرصَدْ
*
أشكرُ الماءَ فالماءُ سيِّدُ أحلامنا الآدميَّةِ
أشكرهُ في الصباحِ لأكثرَ من سببٍ غامضٍ
مثلاً لكلامِ الفتاةِ التي سبحتْ بالقميصِ الشفيفِ
ولم تمتحنْ وجعي حينَ قالتْ: خذِ الماءَ عن جسدي
واتركِ النايَ فيهِ إلى أبدِ الآبدينَ..
وأشكرهُ لشذى البرتقالِ الذي امتدَّ من خصرِ يافا
إلى قمرٍ في جبالِ الجليلِ..
وأشكرهُ لاشتعالِ الأنوثةِ فيهِ ومن حولهِ
حينَ جلَّى تقاطيعَ أحلى النساءِ
مبرَّأةً من حجابِ الجسدْ
*
لهشاشتي وجهانِ
وجهٌ لاحتوائكِ لي كأُمٍ لم تلدني في الخريفِ
ولمْ أُرحْ رأسي على زغبِ ابتسامتها
ووجهٌ لاشتهائكِ
وانعزالِ يديكِ أو شفتيكِ عن وجهي..
ولاسمكِ معنيانِ
الأوَّلُ: الفرسُ العنيدةُ
هجرةُ الليمونِ عن وترِ الكمانِ
اللازوردُ
خطيئةُ النسيانِ..
والثانيِ: رمادُ الظلِّ في لغةِ المديحِ
ودمعةُ امرأةِ الزنابقِ في نهارِ الزعفرانْ
*
كأنَّ دمائيَ مجروحةٌ بمناقيرَ من حنطةٍ
ومزاميرَ لا تُشترى
تنهضُ النائماتُ الجميلاتُ..
أنفضُ عن وجههنَّ نثارَ الصبابةِ
أبحثُ في جسدي عن قصائدَ غارقةٍ
عن ذئابٍ مولَّهةٍ
عن مساميرَ ليستْ تُرى
*
مرَّةً قبلَ عشرينَ عامْ
قيلَ لي لا تزوِّجْ ندىً للبنفسجِ
أو موجةً للحمامْ
قيلَ لي في قرىً في شمالِ فلسطينَ
خذْ من تُحبُّكَ لا من تُحبّْ
أنتَ حلٌّ بها وبأجملِ قلبْ
*
على شجَرِ الرملِ ظلٌّ
على ساحةِ الخيلِ والعرباتِ
على حجَرٍ عاشقٍ
وعلى مسجدِ الحيِّ
نامتْ عليهِ طيورُ الظهيرةِ
ظلٌّ ظليلٌ
على قبرِ شاعرةٍ لا تموتُ
على الكلماتِ التي لا تُقالُ
على الشرفاتِ التي لا تُنالُ
على درجٍ للكنيسةِ يفضي إلى قمَرٍ في مدارِ الحليبِ
على قوسِ عينينِ جائعتينِ إلى عنبٍ جارحٍ
وعلى رغبةٍ لا تجيءْ
آهِ سيدتي كلُّ ليلٍ بغيرِ أصابعكِ العشرِ / عينيكِ / تفَّاحكِ المشتهى
لن يضيءْ
كلُّ فلٍّ بلا شمسِ قلبكِ / كاحلكِ الساحليِّ
سيُمنى بموتٍ بطيءٍ بطيءْ
*
النساءُ اللواتي على بابِ قلبي يقفنَ
الشبيهاتُ بالريمِ أو بأغاني الرعاةِ
الطويلاتُ مثلَ رواياتِ أيلولَ
أو غزلِ الجاهليِّينَ
والمرهقاتُ من الحدْسِ والقلَقِ الشاعريِّ
الجميلاتُ حتى البكاءِ
النحيلاتُ حتى الصدى
قادراتٌ على أن يخنَّ ويعشقنَ في لحظةٍ واحدةْ
اللواتي على بابِ قلبي يقفنَ إلى آخرِ العمرِ
والقلبُ يركضُ خلفَ غزالتهِ الشاردةْ
*
لا أحلمُ الآنَ
المسافةُ بينَ حلمي والقصيدةِ قُبلةٌ لا غيرَ
أو حبقٌ خريفيٌّ / رمادٌ لا يعوَّلُ في السهادِ عليهِ..
عاطفتي سرابٌ واضحٌ
أو ظلُّ عنقاءٍ ترفرفُ في الدماءِ وفي الكتابةِ..
لستُ أحلمُ
سوفَ أسمعُ شاعراً يهذي ولا يبكي
وآخرَ يكرعُ الويسكي ليطفئَ قلبهُ المتوهِّجَ الرؤيا
وشاعرةً تمزِّقُ ما تخطُّ من المديحِ لجسمها الرعويِّ قبلَ النومِ..
أو أمشي وحيداً في الصباحِ قبالةَ البحرِ المسوَّرِ بالهواجسِ
لا لكيْ أرتاضَ بل لأخطَّ ظلَّا للنوارسِ في الظهيرةِ
أو لأرسمَ وردةً حمراءَ فوقَ يدي
*
البعدُ عنها لم يكن سبباً لهُجراني
ولكنْ للحياةِ مشيئةٌ ولنا رغائبُ
آهِ.. كيفَ تمسكنتْ وتمكَّنتْ من كلِّ قافيةٍ
ومن قلبي..؟
اللعوبُ.. سليلةُ الناياتِ.. سيِّدةُ الخواتمِ
شعَّ من قمصانها شبقٌ
كأنَّ شذى زليخةَ في الثيابِ يفحُّ كالأفعى..
الوحيدةُ حينما أتممتُ فيها سرَّ ديواني
وشتْ بي للجنودِ الأشقياءِ وسلَّمتني
*






الحُبُّ كلبٌ من النار




في القطارِ الذي يقطعُ الليلَ
قالَ غريبٌ لآخرَ:
تلكَ التي في الوراءِ تحدِّقُ مثلَ المجانينَ بي
وترسلُ بعض الإشاراتِ لكنني أتجاهلها
وكأني أعدُّ النجومَ
فأمثالُها يتحلَّقنَ حولي
كأغربةٍ فوقَ سروِ السياجْ
وأنا رجلٌ غامضٌ
عاطفيٌّ كذئبٍ جريحٍ
كثيرُ المتاعبِ
ليسَ لنفسي هوىً في الزواجْ
*
لم يكن فاشلاً كابنِ زيدونَ في حبِّ ولَّادةٍ
لم يكن جسمُهُ ساحلاً للعذارى اللواتي ضللنَ طريقَ امرئِ القيسِ..
لا جاهلاً كالفراشةِ
أو ناحلاً حينَ خبأَ نبضَ حبيبتهِ في الصدى
قلبُهُ لا يدُلُّ على نجمةٍ في الكلامْ
ومراياهُ لا ترتوي من صراخِ الندى
فالشعراءُ يعيشونَ مثلَ ذكورِ الحمامْ
والشعراءُ يموتونَ حتفَ اشتهاءاتهم
فإمَّا انتحاراً
وإمَّا انهياراً
وإمَّا انكساراً
وإمَّا سُدى
*
كانَ الفراغُ العاطفيُّ فراشةً في القلبِ
ترقصُ كالأميرةِ في الصباحِ
مسلَّةً ضوئيَّةً للغيبِ كانَ
وغيمةً منسيَّةً فوقَ الوسادةِ
شمعةً حجريَّةً في الماءِ
عاصفةَ البنفسجِ في السريرِ
وكانَ سرَّ الحُبِّ
أو نظرَ الغزالةِ في عيونِ الذئبْ
*
هل أنا رغبةٌ تتسكَّعُ في آخرِ الليلِ
كالغرباءِ الوحيدينَ
أم مطرٌ في المدينةِ
أم شاعرٌ يتجرَّعُ حتى المناعةِ سُمَّ الحياةِ اللقيطةِ؟
أعرفُ أنكِ أفعى بسبعينَ ناباً وظفراً
وأعرفُ أنَّ الذينَ يحيطون بي
(مثلَ عبَّادِ شمسٍ يحيطُ بخصرٍ فتاةٍ
تربِّي المزاميرَ في معزلٍ عن هواها)
كلابٌ سلوقيَّةٌ تترصَّدني
في الطريقِ إلى البيتِ
أعرفُ أيضاً بأنكِ لن تخرجي من نحيبي
ولو متِّ يوماً ولم أنتبهْ
*
لمن يُكتبُ الشِعرُ في هذهِ الأرضِ
كالروحِ مطويَّةً في كتابْ؟
أللنسوةِ العابثاتِ وللغائبينَ؟
لأُخوةِ يوسفَ؟
للبئرِ مكتظَّةً بالحنينْ؟
لمن يجرحُ النايُ وردَ البحيرةِ مثلَ نسيمِ السرابْ؟
لمجازِ الحقيقةِ أم للفراغِ وللوجعِ العاطفيِّ؟
لمن ترقصُ النارُ في الماءِ؟
أو تتمشَّى الأيائلُ في ظلمةٍ من ذئابْ؟
وتبكي الصبايا على قمرٍ في العراءْ؟
ولماذا البيوتُ بغيرِ نساءْ
كالمقابرِ أو كاليبابْ؟
لمن يُكتبُ الحُبُّ يا رجلاً طاعناً في الشقاءْ
*
غنائيَّتي تجرحُ البعضَ
تحملُ عبءَ العباراتِ عني
غنائيَّتي شركٌ للنهاراتِ
أو حيرةٌ في القصيدةِ منصوبةٌ كالفخاخِ
لظلٍّ نجا من حبالِ التمنِّي
لا صداقةَ بينَ الرمالِ وبينَ بنفسجةِ الثلجِ
بينَ القصيدةِ وامرأةٍ تأخذُ الذكرياتِ
إلى الغدِ من يدها مثلَ أُمٍّ رؤومْ
لا صداقةَ في الشِعرِ بيني وبيني
بينَ أوجِ اكتمالِ هلالِ الأنوثةِ سرَّاً
وبينَ اكتهالِ الجمالِ
وبينَ الثيابِ وبينَ الغيومْ
*
تحبِّينَ تعذيبَ نفسكِ
مع أنَّ كلَّ شبيهاتِ جنسكِ يسكنَّ فيَّ
يسافرنَ.. يسكرنَ.. ينعفنَ أزهارهنَّ بكلِّ اتجَّاهٍ
ويشربنَ قهوتهنَّ ويذهبنَ عندَ المساءِ
ليصطدنَ عشَّاقهنَّ
ويخترنَ صيفاً بذوقِ الأميراتِ
أو ينطفئنَ من الانتظارْ
*
لي من شبيهي مرايا / رغبةٌ / لغةٌ
منها استردَّتْ نحيبَ الريحِ أضلعُهُ
لا من رميمِ الخطايا.. لا من امرأةٍ
شتاؤها كانَ يذروهُ ويجمعُهُ
تراهُ من غيرِ أن يأتي وترشدهُ
إلى الضلالِ بصوتٍ ليسَ يسمعُهُ
*
ذلكَ الحُبُّ كلبٌ من النارِ
(قالَ بوكوفسكي بلحظةِ سُكرٍ)
عصافيرُ في الرأسِ من كهرباءٍ وماءْ
تدقُّ نوافذَ عينيَّ
كيما تطيرَ وترجعَ من برزخِ الاشتهاءْ
ذلكَ الحُبُّ لا ما تشائينَ
لا ما يشاءُ لنا الآخرونَ
ولا ما أشاءُ أنا أبداً
ذلكَ الحُبُّ تفَّاحةٌ
كلَّما لامستْ جسداً آدميَّاً بليلٍ أضاءْ
*
لا أفهمُ كيفَ يعادلُ نعلُ امرأةٍ قلبَ امرأةٍ أُخرى؟
كيفَ تعادلُ ضحكتها ماءَ الوردةِ؟
ونسيمُ أنوثتها البيضاءِ فصولَ السنةِ؟
وكيفَ تُربِّي امرأةٌ ما عصفوراً سحريَّاً في جوفِ أصابعها
وعلى فمها كالقبلةِ؟
وامرأةٌ أُخرى تطردهُ عن غصنِ يديها أو من شمسِ حديقتها؟
لا أفهمُ كيفَ تعيشُ امرأةٌ
طولَ أنوثتها الزرقاءِ بلا قلبٍ وبلا عينينْ؟
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب