الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى صوفيا السعودية

بهار رضا
(Bahar Reza)

2017 / 11 / 26
الادب والفن


مرحباً صوفيا:
من الغريب أن أعنون رسالة إلى سعودي الجنسية لا يحمل اسماً عربياً ولا إسلامياً، وعلى الأخص حين تكون لأحد الذين يحملون الجنسية السعودية قبل وقوع الطوفان ، ولكن هذا ما يحدث الآن على أية حال.
أنا أعمل لساعات طويلة في وظيفتي بالمستوصف، وهذا يجعلني أحياناً وأنا ذاهبة للعمل وكأنني أحمل إثم السلاطين على كتفي ، ولكن جميع الآثام تُغفر فور دخولي المكان، فتنقلني عفوية من هناك إلى فردوس أول أيام عطلة صيفية، فأنا أعمل مع مجموعة رائعة من البشر من مختلف الفئات، كبار السن، شباب، نساء، أطفال، حديثهم دافيء وممتع رغم الحيرة والمصير المجهول الذي يستوطنهم، إلا إنهم ذوي بشاشة وأصحاب نكتة، فيجعلونني أضحك من أعماق قلبي ، هذه المجموعة اللطيفة من البشر تسمى " البدون "، هذا ما أخبرتني به إحدى النسوة في أول لقاء لي معهم، فعرفت عن نفسها قائلة " أنا من البدون "، استغربت التسمية وتساءلت في قرارة ذاتي عن معناها؟ حاولت أن أتوصل إلى فكرة تناسب هذا المصطلح، ولكوني على علم بأنهم لم يولدوا بدون أحد الأعضاء البايلوجية، فالفكرة الوحيدة التي خطرت على بالي إنهم بدون شعور أو بدون أحاسيس ! كالدمى المتحركة مثلاً، المرأة التي قرأت حيرتي شرحت لي بأنها، أي تسمية "البدون "، تعني بأنهم لايمتلكون وثيقة تثبت انتمائهم الرسمي لتلك الأرض التي عاشوا فيها وعشقوها، قالتها بكبرياء جريح يخفي داخله أشياء كثيرة من تلك الاشياء التي يشعر بمذاقها في الهواء، واعتبرت في قرارة نفسي هذا التفسير، أي وجودهم دون وثيقة، انتصار على ترجمتي الحقيرة حول عدم امتلاكهم الإحساس والشعور، فبالنهاية تبقى العلوم والمعرفة أموراً مكتسبة، ووحدها الأحاسيس هي التي تجعلنا نصف آلهه خلاقة ومنتجة، لكن بالرغم من هذا الإحساس بالانتصار، انتابني خليط من الأحاسيس التي أعرفها، تلك الأحاسيس التي تهاجمني كجيش من الجراد عندما اقرأ اسم بلد المنشأ على علب الكونسرت المستودرة والمصفوفة بشكل محترم على رفوف المتاجر، تركيبة من الأحاسيس الغنية بالتقزز والاشمئزاز والغثيان وأنا أنظر للعلبة المعدنية وأفكر بالحدود التي قطعتها بكل أمان، تلك العلبة التي تتنقل عزيزة بين أيدي العمال، تنتقل بصورة شرعية في صناديق مصانة وتحفظ في أماكن آمنة لتصل بسلامة إلى جهتها المنشودة، وأقارن تنقلات تلك العلب المعدنية مع تنقلات البشر والتي قد تكون مستحيلة في حالة "البدون"، حيث يجبرون على الإبحار بدون عصى موسى وبدون حظ يونس، بل تبلعهم الحيتان ويُكسر حلم ساق البامبو.
صوفيا، لم يفاجئني حصولك على الجنسية السعودية، فأنت لست أول دمية في حياتي تحصل على جنسية إحدى البلدان العربية، أو لنقل حق الانتماء لتلك البلدان، ففي ثمانينات القرن المنصرم وتحديدا في السابع من نيسان، كانت لأختي الصغرى دمية سمراء جميلة، عندما حاولت أختي ذات السبع سنوات أن تأخذ دميتها معها إلى المجهول، بعد أن أسقطت عنا الجنسية العراقية، لقد ضرب الجندي العراقي أختي بكعب البندقية وأسقط الدمية من يدها قائلاً لها بأن هذه الدمية عراقية، لم تتألم الدمية ولم تشعر بالفخر والاعتزاز ولا بأي شعور آخر، مثلك بالضبط. لكن الذي فاجأني هو خبر رغبتك في تأسيس عائلة في بلد أبعد عن أن يكون مناسباً لتأسيس عائلة، فهناك سبعة عشر ألف طفل لقيط لا يحظى بعائلة، هذا غير الذين يتم التخلص منهم وهم أجنة . أعود لتجنسك، فحصولك على جنسية إحدى تلك البلدان لا يزعجني، إنه حقاً لا يزعجني، فتلك البلدان لا تعني لي أي شيء، فهي بلدان لا تبعث على الغبظة أو الحسد، ولا أريد أن أعود إلى المكان الذي ولدت فيه لا طواعية ولا قسراً، فأنا اشيلوس التي لن تبحر الى شواطيء دجلة مرة اخرى .
السبت الخامس والعشرون من نوفمبر 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث