الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق.. الطلب على المثقف العضوي

حسن اسماعيل

2017 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


العراق.. الطلب على المثقف العضوي
أنبيك علياً...
لو جئت اليوم لحاربك الداعون
إليكَ وسمّوك شيوعياً
مظفر النواب

يعيش العراق منذ 2003 تجربة جديدة بعد إطاحة النظام البعثي هي ما عرفت بـ (الفوضى الخلاقة). والفوضى الخلاقة صياغة أمريكية لما تريده الولايات المتحدة من العراق الجديد بما يسهل تحقيق أجنداتها وهيمنتها الراسخة لمديات طويلة وحسب ما تقتضيه ستراتيجياتها الكونية القريبة أو البعيدة.
تتجسّد الفوضى الخلاقة اليوم بجلاء في هيكلية الدولة المفككّة التي أعتمدت في تشكيلها البنية المفوّتة (الطائفة، المذهب، الإثنية، العشيرة) في توزيع السلطات وإدارة المؤسسات الحكومية، أي تقنين الدولة بين المكونات المذكورة الذي يقود حتماً الى تملك أفراد وعوائل وجماعات (هي مافيات) لهذه المؤسسات الحكومية بذريعة تمثيلها لأحد المكونات، وبالتالي إبتلاع المؤسسة وهو ما يعني منعها من القيام بوظائفها المعهودة وحرمان المواطنين من خدماتها المطلوبة. بعبارة أخرى، فإن التحاصص في السلطة التنفيذية بين فئات القشرة السياسية الممثلة للبنية الإجتماعية المفوّتة يشرعن لها "حق" النهب واللصوصية وتعاطي الرشاوي ومجمل الفساد المالي والإداري الذي بلغ أرقاماً فلكية.
وإزاء كل ذلك، يقف الفرد والمجتمع العراقيان عاجزين حقاً في ظل هيمنة قوى تحتكر السلطة والمال وتمتلك المليشيات ومنظومة ميديا ديماغوجية متضخمة والتواشجات العضوية مع دول أجنبية. هذا هو المشهد العام لواقع العراق الراهن، فما عسى المثقف تحديداً فعله وما هو قادرٌ عليه من دور تنويري.
لابد أن تبدأ مهمة المثقف العراقي اليوم في تسليط الاضواء الكاشفة القوية على طبيعة البنية الإجتماعية ـ السياسية التي تمخضت عن تراكم تاريخي طويل لإدراك الحقائق الكامنة التي أنتجت الأزمة الشاملة التي تلف البلاد وهذا موضوعٌ ليس مجال بحثه الآن وبحاجة إلى دراسة مستقلة. أما كيفية التعاطي مع تجليات هذه الأزمة كالفساد المالي مثلاً فلابد من التأكيد على أنه ليس فساداً أخلاقياً وبإمتياز فقط، بل هو ظلم اجتماعي واستغلال طبقي مرفوض من أي جهة أتى ومهما كان لبوسها الفكري الذي ترتديه دينياً ومذهبياً. وعليه يتحتم التفكير الجدي بكيفية مواجهة هذا الظلم وإسقاط منظومته ورموزه.
وفي سياق تفشي الفساد كوباء بين رموز السلطة، يبرز أعضاء البرلمان كنماذج صارخة كونهم يعملون بوحي عقلية فاسدة شاملة لاتقتصر على سرقة أموال الشعب فقط بل هي فاسدة سياسياً وتخريبية ومعادية لأي تقدم إجتماعي. فقد تجاسر هذا البرلمان، في الفترة الأخيرة، على تشريع قانون أحوال شخصية بطريكي جديد جرّد الدولة من حقها الطبيعي في تنظيم شؤون المواطنين في المجتمع ووهبه متملقاً للأوساط الدينية والمذهبية. لقد وصلت رائحة فضائح هذا البرلمان ـ المهزلة إلى أطراف العالم حين قالت عنه صحيفة الديلي ميل البريطانية نصاً : (البرلمان العراقي أفسد مؤسسة في التاريخ). لكنه لايبالي بكل ذلك حين أقرّ القانون الجديد لأستعراض قوته وسطوته واستهزائه بالمواطن العراقي جاهلاً أنه لابد من يوم تنتزع فيه الحقوق إنتزاعاً.
وبما أن الديمقراطية مطلب إجتماعي شامل قدم العراقيون تضحيات جسيمة من أجل بلوغه، سيكون من مهام المثقف أن يوّضح للجمهور بأن ليس ثمة أي صلة بين الديمقراطية والطائفية بل هما متعاديان، لأن الديمقراطية نظام حداثي عصري لايمكن أن ينهض على قاعدة بنية قروسطية وإلا فأفضل ما يمكن ان نصل إليه هو إعادة انتاج نظام الديمقراطية الطائفية اللبناني الذي يتخبط في أزمته ـ ونوبات حروبه الأهلية ـ منذ قيامه في العام 1943 والتي تزداد تعقيداً، كل يوم.
اننا بحاجة ماسة لإستعادة وظيفة المثقف الغرامشوي ـ ليس بالمعنى الحزبوي المؤدلج الضيق طبعاً ـ بل المثقف العضوي الذي يتبنى قضية اجتماعية شاملة ويعمل عليها مثل التصدي لزيف "الديمقراطية" الرائجة بيننا اليوم والتي لم تحظَ، للأسف الشديد، بالكشف والنقد المطلوبين وهي مهمة ملقاة على عاتق الأنتلجيسيا بالدرجة الأولى وقبل سواها. فحريٌ بالمثقف أن يخلع عن هذه الديمقراطية شرعيتها المزيفة لقيامها على بنية ما قبل ـ تاريخية تقول بالرعية وتنكر المواطنة. وما يؤكد ما نذهب إليه أن القوى المناوئة لثقافة الحريات العامة هي التي استفادت من هذه الديمقراطية الممسوخة وتتصدر المشهد السياسي، اليوم، في العراق.
كما المطلوب من الحريصين حقاً على إنبات الديمقراطية في التربة العراقية تعرية "نسختها" المتمسحة بالدين والمذهب القائمة اليوم، والإعلاء من قدسية الحريات العامة للفرد والمجتمع لأنها القضية الأكثر التصاقاً بالهم الاجتماعي، وكونها الضامنة للحرية الفكرية بما فيها حرية الأديان، وهذا لايتم إلا عن طريق فصل الدين عن الدولة وتوطيد نظام علماني لايسمح بتوظيف الدين في السياسة كما يجري اليوم فالدين لله والوطن للجميع، ومثل هذا الحراك المنشود هو واجب اخلاقي ووطني مناط أيضاً بمنظمات المجتمع المدني المؤمنة بالديمقراطية وضرورة التغيير الإجتماعي بعيداً عن ضجيج دكاكين الإرتزاق التي تتلطى خلف إسم المجتمع المدني.
إن الثقافة العراقية بحاجة إلى ديناميات جديدة تستجيب لحاجات اللحظة التاريخية ـ الاجتماعية الراهنة. وتراث ثقافتنا قدم لنا النماذج الرائدة والفذّة لمثقفين مثلوا ضمير الإنسان العراقي حين استوعبوا لحظتهم التاريخية واضطلعوا بدورهم الخلاق إزاءها مثل علي الوردي وهادي العلوي ومظفر النواب وعبد الرزاق مسلم الماجد وخالد الأمين وسواهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا