الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابراهيم الجعفري: ليس في حياتي ان اتنازل للآخرين

كريم بياني

2006 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


(البيان الصحفي لمجلس الوزراء يوم 21.02.06 عقب لقاء رئيس الوزراء الكتور ابراهيم الجعفري بوزير خارجية بريطانيا جاك سترو والمنشور على موقع الحكومة العراقية والتي قامت جريدة الصباح بنشر مقتطفات منه).
الشيء المثير الذي لفت انتباهي في هذا البيان هي تلك الجملة الخطيرة التي وردت في سياق حديثه عن الضغوط وردا على احد الاسئلة عندما قال: (ليس في حياتي ان اتنازل للاخرين).
اذا كان يقصد بالاخرين امريكا فمجريات الامور ونتائجها لحد الان تؤكد وبما لايقبل الشك والنقاش ان الرجل لا يستطيع ولا يملك الا ان يتنازل ويطيع ليس هو فقط ولكن كل من يتهيأ له انه رجل دولة في العراق او مشارك في الحكم. والا سيجد نفسة خارج المعادلة السياسية في البلد ولا اظنني بحاجة الى سرد الامثلة، حتى لو كان هذا الرجل مرشح قائمته بفارق صوت واحد!!
اذا كانت السياسة هو علم ادارة المدينة (الدولة) او اذا كانت هي حكم المجتمعات الانسانية او هي كيفية ادارة شوؤن الناس على حد قول السيد صادق الشيرازي في الحرب والسلم، والاخذ والعطاء والشدة والرخاء وغير ذلك او اذا كانت بالمفهوم الدارج هي فن ممارسة الممكن فأن كل هذه التعريفات والمفاهيم تلزم السياسي بتقديم التنازلات والمناورة والتضحية ببعض المكاسب بغية الوصول الى حلول وسط لأنقاذ ما يمكن انقاذه حفاظا على مستوى من العلاقات الدولية تضمن للدولة سيادتها وتحمي امنها وتكفل للمواطنين حياة مدنية وحرة في ظل القانون وتوفير الخدمات الاساسية التي يجب ان يتمتع وينعم بها كل حر في دولة مستقلة وذات سيادة. اما عندما يقول من بيده تسيير أمور هذه الدولة ان ليس هنالك في حياته مجال كي يتنازل فيه للاخرين، فأنه يعرض المعادلة اعلاه للخطر مجازفا بذلك بأمن الدولة وأمن المواطن على حد سواء، هذه هي حال الدولة المستقلة والتي تملك قرارها السيادي فما بالك بدولة ناقصة السيادة ان لم نقل عديمتها.
ولنساير الرجل خطوة اخرى خاصة وانه قدم نفسه على انه القوي الامين لنسأله ونتسائل معه: هل هنالك يا ترى رئيس وزراء دولة مستقلة وذات سيادة مهما كانت قوتها و حجمها يتنازل ويسمح لسفير دولة اخرى معتمد لديها مهما كانت قوتها وحجمها ان يكون القاسم المشترك والضيف الدائم في معظم جلساتها الرسمية والغير رسمية، الثنائية والمشتركة، الداخلية والخارجية، سواء اكانت على صعيد البرلمان او رئاسة الدولة او رئاسة الوزراء وحتى الاجتماعات المشتركة بين الاحزاب والكتل السياسة؟! ثم نتسائل هل هنالك رئيس وزراء دولة مستقلة وذات سيادة يتنازل ويقبل على نفسه بأن تقوم سفارة دولة ما معتمدة لديها بأن تحتل احدى رموز سيادتها وهيبتها متمثلة في قصرها الجمهوري؟! او هل هنالك رئيس وزراء دولة مستقلة وذات سيادة يتنازل ويسمح بأن يكون برلمانه و مجلس وزرائه ووزاراته يمارسون اعمالهم ضمن مساحة محددة وتحت حراسة امنية من قوات دولة؟!. هل هنالك رئيس وزراء دولة ذات سيادة او تسعى لأن تكون ذات سيادة يتنازل ولا يستطيع لمرة واحدة فقط اثباتا لوطنيته أن يطلب من قوات الاحتلال مجرد التفكير بأنهاء احتلالهم او حتى وضع جدول زمني بذلك؟! متذرعا بقرار مجلس الامن 1546 الذي ينص على ان بقاء هذه القوات محكوم بأرادة الحكومة العراقية، ناسيا ومتناسيا أن امريكا في مجلس الامن هي التي تضع مشاريع القرارات ثم تمارس الضغط كي تصدر هذه القرارات بالصيغة التي تريد، وهل هناك عاقل يقتنع بأن امريكا تسمح برئيس وزار لايتنازل كي يتولى امور (الحكم)؟، اذن لنصصح العبارة ونقول ان بقاء القوات محكوم بأرادة الحكومة العراقية المعينة من قبل هذه القوات نفسها عن طريق انتخابات كالتي جرت، والتي شهد الجميع على مدى (شفافيتها) و (نزاهتها)!!.
لا اريد في الاسترسال بسرد تفاصيل اخرى على التدخل الامريكي لأنها تؤكد جميعها أن من يعتقدون انهم يحكمون العراق اليوم لايملكون الا اطاعة المحتل فقط!
لكن ذلك ايضا ليس بالامر ذو الاهمية القصوى بالرغم من خطورته وآثاره السلبية أن كانت اجتماعية ام تربوية، على افتراض ان الاحتلال حالة مؤقتة واستثنائية لا تلبث الامور ان تعود الى نصابها والسيادة الى من يحلمون بها.
الامر الخطير في هذا التصريح انه ينطوي على فكر سياسي مستبد لايقبل الاخر وانذار بأن صاحب هذا الفكر يسير في طريقه الى ان يصبح دكتاتورا. ان عدم التنازل للاخرين معناه البقاء وما على الاخرين الا ان يتنازلوا او يرحلوا، وهذا هو بالتحديد الشعار الذي جاء به البعثيون غداة استيلائهم على الحكم عندما قالوا جئنا لنبقى، ولانهم كانوا محكومين بهذه العقلية الاقصائية قامو بتنفيذ هذا الشعار بأبشع صوره وذلك بأزاحة واقصاء كل الاخرين قتلا وتشريدا وابادة وتغييبا في السجون او دفنا في مقابر جماعية، حتى الجغرافيا عندما كانت تقف حائلا في طريقهم وتشكل خطرا على بقائهم كانوا لايترددون في ازالة معالمها فجففوا الاهوار والانهار وأزالوا القرى وجرفوا البساتين وأحرقوا الزرع الشجر، فأعادوا بذلك البلد الى الوراء قرونا عديدة، فهل يا ترى يريد السيد الجعفري أن يكمل ما بدأه البعث ويدخلنا ثانية في دوامة القهر والعنف والدم من خلال ثنائية (الذي يبقى والذي يرحل). انه بتصريحه هذا قرر البقاء وعدم التنازل وهو بعد مؤقت لايملك حق الجلوس على الكرسي الا بفارق صوت واحد داخل قائمته، فلا ندرى كيف سيحكم رئيس وزراء لا يحضى بأجماع كتلته الانتخابية؟ وكيف سيكون عليه الحال بعد اربعة اعوام اذا قرر ان يحكم بهذه العقلية المنغلقة والغير متسامحة والغير معترفة بالاخر؟ انه يستطيع أن يبقى ويحكم ولايتنازل لاحد شريطة ان لايكون هذا الاحد امريكا!.
كل الدلائل تشير الى ان ظلمة النفق الذي نحن فيه ستكون اشد حلكة وسوادا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران