الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ومقدمات الحرب الأهلية

سعد الشديدي

2006 / 2 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما تبع التفجير الأجرامي لمرقد الأمامين العسكريين في سامراء من احداث، لا يثير الدهشة فحسب بل يعقد اللسان. فمنذ الساعات الأولى بعد ان نشرت وسائل الأعلام الخبر بدأت ردود الأفعال تأخذ اشكالاً لا يمكن تفسيرها او تحليلها. ليس لغرابتها فحسب بل لعدم ارتباطها بأي سياق منطقي معقول.
بدءاً يجب التأكيد بأن جريمة تفجير قبة الأمامين (ع) تشكل منعطفاً في مسلسل العمليات الأجرامية الأرهابية في العراق، ليس فقط بسبب ألقيمة الرمزية العالية التي يحتويها المرقد المقدس لدى قطاعات واسعة من العراقيين، بل لأن بعض تفاصيل الجريمة لا تخلو من الغرابة. فعلى خلاف الأعمال الأرهابية التي شهدها العراق في السنوات الثلاث الأخيرة لم يسقط اية ضحايا سواءٌ من العسكريين أو المدنيين نتيجة العملية الأرهابية الجبانة في سامراء. والمعروف ان الجماعات الأرهابية تستهدف بعملياتها المسلحة بثّ الرعب في نفوس المدنيين وشلّ قدرتهم على المشاركة في العملية السياسية الديمقراطية التي تشهدها البلاد عن طريق ايقاع اكبر الخسائر بالأرواح اولاً ثمّ بالممتلكات والمصالح الأقتصادية التي تتحكم في حياة المواطنين. وتشير البيانات التي صدرت عن وزارة الداخلية الى عدم وقوع اي قتلى أو جرحى بين المواطنين نتيجة للعملية الأرهابية تلك.
اذن فمن خططّ لهذا العمل الجبان لم يكن يستهدف الحاق اضرارٍ مادية بالمكان أو بأرواح الزوار الذين يقصدونه. بل كان يعرف مسبقاً بأن تفجير المرقد المقدس لدى الشيعة لن يكون سوى بمثابة اشعال الفتيل الذي سيفجر الوضع العراقي بأكمله. ويعرف جيداً بأن الوضع النفسي لدى اكثرية من العرب العراقيين مهيئ للأنفجار في اية لحظة. نتيجةً للشعور الحاد بالأحباط مما آلت الأوضاع الأمنية والسياسية والأنعدام الكامل للخدمات اضافةً الى الفلتان الأمني الحاد الذي تشهده شوارع المدن العراقية. من خلال هذا يمكننا ان نستنتج بأن تفجير المرقد المقدس لم يكن هدفاً بحد ذاته لدى الأرهابيين. يبدو من المعقول، بناءاً على ذلك، الأستنتاج بأن الهدف كان اثارة مشاعر العداء بين عرب العراق من الشيعة والسنّة. والبناء على مشاعر البغضاء تلك لتأجيج نار الحرب الطائفية بينهما.
ما تبع التفجير الأرهابي للمرقد المقدس يشير الى الأرهابيين حققوا جزءاً كبيراً من هدفهم ذلك. اذ قامت مجموعات مسلحّة بالأعتداء على 189 مسجداً من مساجد العرب السنّة وتمّ قتل 11 عالماً من علماء الدين السنة حسب تقارير اكدها مراسل البي بي سي في بغداد. هذا في الوقت الذي تقوم فيه محطات فضائية محسوبة على الجانب " الشيعي" بجهدٍ اعلامي واضح لتشجيع نزعة الأنتقام لدى اهلنا من الشيعة بتكرار عرضها لصورالتفجير الأرهابي ضمن سياق اعلامي لا يترك مجالاً للشك بنوايا تلك الفضائيات.
وكالعادة سارعت الأحزاب الكبيرة الى استثمار الحدث لعرض عضلاتها وقوتها العسكرية عن طريق استعراض مليشياتها المسلحة او على الأقل السماح لأعضائها بالخروج الى الشوارع بأسلحتهم. وقد شاهد العالم بأكمله من على شاشات التلفزيون اللآف من الناشطين الحزبيين التابعين لتلك الأحزاب وهم يحملون رشاشات الكلاشنكوف وقاذفات أر بي جي 7 وقاذفات بي 2. الأمر الذي يدعو الى المزيد من الدهشة، ذلك ان تلك التصرفات تخالف دعوة المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني الذي حثّ الشيعة على عدم الأنجرار الى اية استفزازت يمكنها ان تؤدي الى تأجيج الأوضاع المتوترة اصلاً. ويمكننا اعتبارخروج اللآف من الناشطين الحزبيين الشيعة بأسلحتهم الى الشوارع تجاهلاً بل تحدياً لنداء وارادة مرجعيتهم الدينية. ولم يكن نداء السيد السيستاني خاصاً به بل جاء تتويجاً لأجتماعٍ عاجلٍ ضم المراجع الأربعة الكبار في النجف الأشرف. الأمر الذي يعني ضرورة التزام جميع الشيعة من مقلدي المرجعيات بتلك الدعوة واعتبارها شكلاً من اشكال الفتيا الشرعية الملزمة. فلماذا لم يلتزم شيعة العراق بنداءات مراجعهم في هذا الوقت بالذات؟
في الجانب الآخر فأن مدينة سامراء تدار من قبل قوات الأحتلال الأمريكية التي تسيطر عليها بالكامل في الوقت الذي تسيطر فيه قوات حكومية عراقية على المرقد الشريف. وأكدت الأنباء التي تناقلتها وسائل الأعلام في وقتٍ مبكرٍ صباح امس الأول بأنه تمّ القاء القبض على 13 عسكرياً من مجموعات الحراسة المكلفة بحماية مرقد الأمامين العسكريين. ثمّ لم نعد نسمع شيئاً عما آلت اليه التحقيقات مع اولئك العسكريين التابعين لأجهزة حفظ الأمن العراقية وان كان قد أُطلقَ سراحهم فيما بعد أم انهم مازالوا رهن الأعتقال.
أخيراً لم يزل اغتيال مراسلة قناة العربية الفضائية الصحفية العراقية أطوار بهجت السامرائي وزميليها بالقرب من مدينة سامراء يثير مجموعة من علامات الأستفهام حول اسباب ودوافع تلك الجريمة. وما اذا كانت المجموعات الأرهابية التي نفذت عملية تفجير المرقد المقدس ذاتها هي التي قامت بأعدام الصحفية العراقية وزميليها بدمٍ بارد في وضح النهار أم ان مجموعات أخرى قامت بذلك؟
الأمر الأكثر غرابة من كل ما ذكرنا هو ان العراق يشهد من اكثر من سنتين مقدمات حربٍ اهلية يذهب ضحيتها عشرات المواطنين العراقيين من المدنيين والعسكريين كل يوم. ويعيش العراقيون تفاصيلها المأساوية دون ان يستطيعوا التكهن بساعة الصفر التي ستزيح ورقة التوت التي تخفي عورة الوضع السياسي العراقي وضعف القيادات الحزبية التي تفكر بمكاسبها الحزبية والطائفية الضيقة فحسب. في الوقت الذي تأجج فيه تلك الأحزاب الممثلة لجميع أطياف الشعب نار الحرب عن طريق فشلها في التوصل الى حلول ناجعةٍ وسريعة لخلافاتها او على الأقل اثبات حسن نواياها أمام المواطن العراقي الذي ضاق ذرعاً بكل شئ وفقد الأمل بأن يرى النور في نهاية النفق المظلم الذي بات يعيش فيه. فلماذا لا تضع الأحزاب حداّ لمحاولات المجموعات الأرهابية الهادفة الى ايقاع البلاد في فخ الحرب الطائفية، والوقوف ضد الأرهاب عن طريق تصفية المشاكل العالقة وبناء دولة قوية قادرة على حماية تفسها ومواطنيها؟
سؤالٌ يستحق ان يجيب عليه السادة قادة العراق الجديد قبل فوات الأوان. فقد لا تسنح الفرصة في الأيام أو الأسابيع القادمة ان نوجهه لأحد منهم اذ تكون طبول الحرب قد دقت ولا يتسع المجال حينها للأجابة على اسئلة من هذا النوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة مؤثرة تتهافت عليها شركات صناعة السيارات العالمية | عالم


.. عريس جزائري يثير الجدل على مواقع التواصل بعد إهداء زوجته -نج




.. أفوا هيرش لشبكتنا: -مستاءة- مما قاله نتنياهو عن احتجاجات الج


.. مصدر لسكاي نيوز عربية: قبول اتفاق غزة -بات وشيكا-




.. قصف إسرائيلي استهدف ساحة بلدة ميس الجبل وبلدة عيترون جنوبي ل