الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط العراق 2017

دارا محمد حصري

2017 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في كل الدول الموجودة على وجه المعمورة هناك أسس وركائز تعتمد عليها للبقاء دونما تأثُر، مهما عَصفت بها المؤامرات والخطط المناوئة، هنا نتكلم عن دول ذات سيادة حقيقية، ولو ظاهرياً، طبعاً في الدول المعروفة بالقمع والجبروت في الحكم تختلف الموازين، فهي تُحكم بالسوط والنار وزيادة سماكة جدران السجون.

سقوط الدول تختلف عملياً من حالة لأخرى، فهناك دول تسقط نتيجة اتفاق دولي على إنهاء وجودها كما حصلت في عدة حالات بالعالم ومنها حالة العراق سنة 2003، حيث أسقط الحلفاء الدوليين نظام حُكم صدام حسين وطويت معه صفحةٌ سوداء من تاريخ دموي معتم، جاء الحُكام الجدد للعراق وهم يحملون وجوهاً جديدة وشعارات برّاقة فيما لو نفّذَت لتحول العراق إلى بقعة مضيئة في المنطقة بأسرها.

فماذا حدث فعلياً؟
مُنذ بداية قدوم الحكام الجدد، وبعد إيضاح انتماءاتهم الحقيقية وولاءاتهم بدأوا بتنفيذ أجندات إيرانية واضحة من التصفيات الجسدية مروراً بالحروب المذهبية، أهملوا المدارس والجامعات، دمروا أجيالاً وخبرات كانت كفيلة بإعادة بناء الدولة على أسس حديثة، أصبح كل مَن يرفض الوجود والنفوذ الإيراني مستهدفاً، ذلك يحدث أمام أعين العراقيين بأموالهم وميزانيات خيالية لا يرون منها حتى الفُتات، مئات المليارات من الدولارات تم تخصيصها وإقرارها، ولكن لم يرَ أو يَلحظ الشعب سوى زيادة السوء إلى أسوأ، وبروز فئات وأشخاص بأموال ونفوذ لا يعرفون مصدرها إلا أنها على حسابهم.

كُتب الدستور بإشراف دولي وضمانات تمنع فيه تكرار ما مرَّت به البلاد خلال السنوات التي سبقتها، تشكلت قوات أمن وجيش جديدين، تشكلت محاكم وخصّصت الميزانيات السنوية والشهرية، وتشكلت الحكومة وبدأت العمل، ولكن ما فعلوه لم يكن إلا تحضيراً لسقوط الدولة مرةً أخرى.

بدأ الجيش والقوات الأمنية تنفيذ السقوط منذ البداية، وكانت الإشارات واضحة للعيان، ففي الانتخابات لطالما يرى المراقب استخدام الكثيرين عبارات التخوين والمعاداة مرةً للعرب السنة ومرةً للكورد، ومن يصعّد لهجة العِداء أكثر يَحصدُ أصواتاً أكثر في ظل ذهاب بعض السنة لتنفيذ ذلك، لِقاء مكاسب مادية وسلطوية مؤقتة وكأن المعركة الانتخابية هي خطط للقضاء على عدو يتربص بالعراقيين وهم لديهم الخطط الكفيلة بتمدد العدو، في حين يتغاض أطراف واضحة للجميع عن التغلغل الإيراني الذي باتَ يعرّفُ العراق كمحافظة إيرانية لا أكثر.

العراق سقطَ في مناطق السنة، وكان بداية انهياره عندما بدأت لهجة التخوين للمتظاهرين الخارجين للمطالبة بتحسين المعاملة وظروف المعيشة، والجيش الذي كان واجباً عليه حماية مناطقهم تحول إلى نيرٍ يثقل كواهلهم يومياً ويهينهم على الحواجز، عَقبَ ذلك تسليم مناطقهم لداعش في تراجيدية مكشوفة للقاصر والداني، وإغلاق أبواب العاصمة بوجه أهالي السنة الفارين بتهمة أنهم دواعش وينظرون لهم نظرة عداء يشهد عليها الآلاف من الشباب السنة وحتى الأطفال.

أكملت الحكومات ما بدأته، فتحولت مدن الجنوب والوسط العراقي لمدنٍ منكوبة الخدمات والحريات الأساسية والحقوق العامة، وإكمالاً لكل ما سبق عاد ساسته ليبينوا أنهم من نفس عقلية مَن سقط قبلهم باتجاه الكورد والقضية الكوردية، فكان لا بُدّ لهم بتنفيذ ما يتطلب ذلك، متناسين أن كل مَن سبقهم حاول مناطحة الجبال فكُسرَت رؤوسهم وبقي الكورد في جبالهم محافظين على وجودهم.

مناطحاتهم للكورد بدأت تارةً بقطع الميزانية وتجويع أكثر من سبعة ملايين نسمة من لاجئين ونازحين وسكان إقليم كوردستان، وتارةً بشنّ حملات إقصاء للكورد وعزلهم من المناصب القيادية في حكومة المركز وأجهزتها الأمنية والعسكرية، ولم يكتفوا بذلك حتى دقوا المسمار الأخير في نعش بقاء العراق، وذلك بشن حربٍ ضد الكورد لمحاولة إنهاء الوجود الكوردي ككيان سياسي ضاربين الدستور وبنوده عَرض الحائط، وكذلك كل المبادرات التي أطلقها الكورد بشأن التفاوض تحت مظلة الدستور، احتلت عصابات إيرانية وبسلاح وتسهيل طرفٍ كوردي مناطق المادة 140 وشردوا ودمروا البيوت، كل ذلك تحضيراً للانتخابات القادمة والتي من المتوقع ستشهد صدامات شيعية – شيعية نتيجة تعاظم قوة ميليشيات الحشد الشعبي وعدم انصياعها لأي سلطة عراقية، سوى سلطة قاسم سليماني.

في النتيجة العراق سقط حقيقةً في عام 2017 مرةً أخرى، بعد أن سقط عام 2003، ولربما سنشهد في الأيام القادمة انتداباً جديداً بعد حرب أهلية جديدة، فلا الكورد سيقبلون ببقاء الوضع هكذا ولا السنة سيبقون مكتوفي الأيدي يتفرجون على مَن دمّر مُدنهم ولم يخصص حتى مبلغاً لإعادة بناءها، ستحمل الأشهر القادمة معارك دموية جديدة، هذه المرة سيكون للكل سببه المقنع في ذلك.

والأهم أن السلطة الإيرانية لن تقبل بما يخططه الحلفاء للعراق وجلبه للمحور السني بزعامة السعودية، ولا الجماعات المسلحة التي تأتمر من إيران، سيقبلون ما سيتم تلقينهم إياه ولذلك البلد منتهي عملياً، لكن ظهور بوادر الإعلان الرسمي عن حالة الانهيار الأخيرة، سيترقبه الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل