الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزان الأزمة السورية...ماذا ربح الشعب السوري، وماذا خسر

حكمت حمزة

2017 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


إنه الوجه الآخر لرؤيا الملك، والتي فسرها له النبي يوسف بن يعقوب، وفق الرواية القرآنية عن الحادثة الشهيرة، المعروفة بالنسبة للجميع. يتبقى بضع أسابيع، وتودع الأزمة السورية عامها السادس، لتستقبل السابع، فهل ستكون سبع سنوات عجاف؟
رغم كل الآمال التي تلوح في الأفق، والاتفاقات المبرمة تحت الطاولة التي تمد رأسها لتظهر شيئا فشيئا على سطحها، لا زال الوضع العام ضمن المنطقية الضبابية، فلا تستطيع رؤية شيء بشكل واضح، أشباه رجال، أشباه حلول، أشباه توافقات، ربما هي سراب، وربما هي حقيقة، من يدري؟ الله وبوتين وترامب أعلم.
الأزمة السورية لا تختلف كثيرا عن أزمات سابقاتها، من الأشقاء العرب، وغير العرب، يوجد حل في النهاية، وإذا صرفنا النظر عن طبيعة الحل، ودققنا بتجلياته وأصداءه ونتائجه، نجد أن الحل سيكون بعيدا عن متطلبات الشعب.
حسنا، سنتغاضى أيضا عن الحل وانعكاساته، المهم هو الفائدة أو المرابح التي جناها الشعب السوري مقابل ما خسر، هل سيكون الميزان التجاري رابحا؟ خاسرا؟ متوازنا؟ هذا هو الشيء الجوهري في الحقيقة. للإجابة على هذه السؤال، لا بد لنا من استخدام آلة الزمن الافتراضية والعودة إلى الوراء، نتخذ وضعية المراقب للأحداث، ومحللها.
بدأت الثورة السورية بشعارات الحرية والكرامة، كان ذلك شيئا رائعا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بدأت السيول تضرب سد الديكتاتورية والطاغوتية، تداعت حصون السد شيئا فشيئا، بيد أن الشعب الذي استهان بتلك الحصون، تفاجأ فيما بعد بصلابتها وكثرة عددها، حساب السوق لم يوافق ما في الصندوق، رغم ذلك استمروا، ولم يستسلموا.
الغريب في تلك الأيام أن المظاهرات كانت تخرج يوم الجمعة، عقب الصلاة، يقال أن ذاك اليوم هو الأفضل، إذ لا تحتاج لجمع الناس، وتحل مشكاة التواجد في توقيت معين، لكني أجزم بأن السبب الحقيقي مجهول حتى هذه اللحظة، خصوصا أن تسمية يوم الجمعة تأتي من جهات مجهولة، المهم بدأت قوات الأمن السورية وقطعان الشبيحة بالتعرض للمظاهرات واطلاق النار عليها، لتفقد أعداد كبيرة من الشباب بين قتيلي ومعتقل، ولا شك أن المعتقل بحكم القتيل.
بدأ اندساس العناصر المسلحة ضمن صفوف المتظاهرين، ثائرون من الخارج، عملاء للمخابرات من الداخل، سلاح هنا وسلاح هناك، والنتيجة اطلاق نار من الطرفين ومزيد من القتلى السوريين لكلا الطرفين، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه لما هو أكثر من ذلك، تحطيم المحلات والسيارات والممتلكات، فهذا يحطم للآخر بتهمة التشبيح، وذاك يحطم للآخر بتهمة العمالة للخارج ومحاولة النيل من الوطن وقائد الوكن والصمود والتصدي...الخ من تلك الشعارات التي يعلوها الغبار بسماكة متر أو أكثر، لشدة قدمها وعدم استبدالها رغم انتهاء مدة صلاحيتها منذ ولادتها.
ضمن هذه المرحلة، يمكن احصاء الخسائر بالأرواح التي أزهقت من كلا الطرفين، إضافة للممتلكات الخاصة والعامة، فحتى مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب لم تسلم من الهمجية و ( المغولية)، وسواء كانت الخسائر من هذا الطرف، أو من الطرف الآخر، فالنتيجة واحدة، والمتضرر واحد، هو الشعب السوري، قلنا نعم، كله يهون أمام الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة، فلا ثورة بدون تضحيات.
تنامى صوت البارود شيئا فشيئا، ولم تعد الكلمات بذات قوة المعنى التي كانت تحمله في البداية، المظاهرات فقدت بريقها، والهتافات أضحت كتيمة، لا صوتا ولا صورة، جفت المآقي التي رويت بالدماء، ولم يعد للحديث والحوار أي قيمة تذكر.
تأجج الصراع المسلح، ميليشيا الحر، وميليشيا النظام السوري، مصطلحات لم نعرف معناها إلا عندما تجاوزنا العشرين من العمر، واليوم أصبح ابن السنوات السبع يحفظها عن ظهر قلب، شعرت سجون سوريا ومقابرها بالغيرة من نار جهنم، فأصبحت تنادي هل من مزيد، أعداد القتلى في ازدياد، حتى الأحجار التي تراصفت فوق بعضها لترسم معاناة الشعب بصورة عمل بسيط يجني منه المواطن قوت يومه، ويحتضن فيه زوجته وأولاده لعل دفء الحب يرد برد الشتاء، لم تسلم من ويلات هذه الحرب، تداعت، وتهدمت وتهشمت، ودفنت تحتها العديد من قصص الحب والمعاناة بقدر ما دفنت من الجثث والأشلاء لتحكي لباطن الأرض ما يدور على سطحها.
الطرق، المعابد، المساجد والكنائس والأسواق والأحياء والمدن والمحافظات، اقتسمت بين هذا وذاك، دولة السيادة أضحت دويلات في عوز السيادة، تناثرت أجزاء لوحة اللغز، وأصبحت بحاجة لإعادة ترتيب
الخسائر في هذه المرحلة، المزيد من الأرواح، المزيد من المعتقلين مع دخول المعارضة المسلحة عالم اعتقال الآخرين،
دمار كبير في الأسواق والأحياء. والأهم من هذا كله، هو نمو البذور الطائفية، وجذر الكره الطائفي لدى الطرفين بلا سبب، وكأن السني الذي كان صديقا للعلوي، اصبح يعرف فجأة أنه علوي، أي عدو، يجب قطع العلاقات معه والقضاء عليه إن أمكن...نفس الحالة بشكل معاكس أيضا.
اقتسام الأحياء والمدن في ظاهره هو ربح للمعارضة، وهو في الحقيقة ربح افتراضي على طاولة المفاوضات، أما بالنسبة للشعب فهو خسارة للكثيرين، وكثر المحظوظين كان في حالة وسطية، فلم يربح شيئا ولم يخسر شيئا، على الأقل هناك بضع بيوت لم تتهدم، وبضع آبار لم تجف.
لكن الوضع الخدمي في المناطق التي يسمونها (المحررة)، أصبح سيئا حجا، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا محروقات، معظم خطوط الهاتف تعطلت، الأسعار تجاوزت في ارتفاعها قمة افريست، أصبحت لقمة العيش حلما للكثير، وشربة الماء تحتاج مصباح علاء الدين، أصدقاء الأمس باتوا أعداء اليوم ، وأعداء الماضي أصبحوا أقوى الحلفاء اليوم، كل ذلك بدعوى الطائفة والدين، رغم ذلك قلنا صبرا آل سوريا، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
بعد ذلك نشاهد المقطع الدرامي التراجيدي الأقوى، دخول بني السلفية وبني التكفير إلى خط الثورة، شراسة أولئك الأصوليين الاسلامين في معاركهم مع الثوار والجيش الحر والمتظاهرين المعارضين نفسهم، لا تقل ضراوة عن شراستهم في مواجهة ميليشيا النظام السوري والقوات الرديفة( في الوقت الحالي تشكل القوات الرديفة والميليشيات الأجنبية العدد الأكبر من القوات المساندة للنظام السوري)، سيف ظلمهم كان أمضى من سيف النظام، بالمختصر، جاءنا نظام بلحية طويلة، خلفا للنظام غير الملتحي، قمع وتجبر وتسلط، قائمة الممنوعات تكبر وتطول، وتكبر معها جراح الشعب ويطول نزفها.
كان لهذه التنظيمات دور كبير في القضاء على كل بذور ثورة الحرية والكرامة، واقتلاع المثمر منها من جذوره، فأصبح شعبنا واقعا بين نارين، نار النظام الملتحي، ونار النظام غير الملتحي.
خسائر هذه المرحلة، المزيد من الأرواح، المزيد من المعتقلين، وأد آخر الشمعات المضيئة في كتاب الثورة، ضياع كل شيء، لدرجة أن الشعب أصبح يتمنى عودة النظام للخلاص من ظلم داعش وأخواتها، هذا بدوره يعني أن كل الخسائر في هذه المرحلة والمراحل السابقة، ذهبت أدراج الرياح سدى.
على الصعيد الاقتصادي، ترافقت جميع المراحل السابقة بازدياد غنى الأغنياء، وفقر الفقراء، و ظهور مجموعة من محدثي النعمة، الذين امتهنوا السرقة والقطع الطرق باسم الثورة. قلة قليلة امتلكت معظم مقدرات الشعب، اقطاعية بزي جديد عادت إلى الحقول...وكل ذلك خسائر جديدة تضاف إلى قائمة خسائر الشعب السوري في ثورته التي كانت مباركة.
ماذا ربح الشعب السوري؟ في الواقع لم يربح الشعب السوري شيئا، على العكس، فقد عاد إلى الخلف خمسين عاما أو يزيدون، إذ أن كل المؤشرات والحلول المطروحة، تشير إلى أن ساكنا لم ولن يحرك، رغم كل هذه المعمعة، فإن شيئا لم يحدث، سيعود إلينا طاغوت جديد، نظام مستبد جديد، يلبس قناع الحداثة والتطور، ويؤسفني أن أقولها بكل صراحة: عذرا شعب سوريا، فقد دفعت فاتورة كبيرة، مقابل لا شيء.
من المهم جدا البحث عن الأسباب التي أدت بالشعب إلى هذا، وضع خطوط تحتها، وطرح الحلول لمعالجتها لضمان عدم تكرارها مستقبلا:
- لا يوجد وعي ثوري كاف لدى الشعب السوري، ومفهوم الثورة بشكل عام لازال في مرحلة الطفولة، والواجب علينا توعية ابنائنا وتوجيههم للقراءة والثقافة والفهم الصحيح للثورة ومجريات الأمور.
- الثورة التي تحرض طائفة ضد أخرى ليست ثورة، أن تثور لأجل البلد، يعني أن تثور لأجل الجميع، لا فرق بين سني وعلوي، مسيحي ومسلم إلا بالاحترام المتبادل والمعاملة الحسنة.
- تاريخ يكرر نفسه للمرة الألف بعد المليون، لا زالت عقولنا تستعمر بسهولة تحت اسم الدين، منذ أيام الخلفاء الراشدين الذين احتلوا بلاد الشام تحت مسمى الدين، وحتى الاحتلال العثماني الذي عاث في الأرض فسادا، والنتيجة سرقة خيراتنا ومواردنا ومقدراتنا ونحن نصفق ونرفع القبعة، لا يهمني أن تكون على ديني، بقدر ما يهمني أن نتساوى في الحقوق والواجبات ضمن القانون، كلهم يريدون تطبيق شرع الله، وكلهم يريدون استغلالنا، كلهم يريدون السيطرة علينا وسوقنا كالقطيع لخدمة مصالحهم وزيادة مساحة خزائنهم وما تحويه.
- كل تلك الاشكالات تحل بأسلوب واحد، ألا وهو انشاء جيل جديد لا يرضخ للظلم، والاستبداد، والدين، كفى التاريخ تكرار فقد أصابنا الملل، كفى الانحناء ركوعا فقد أصابنا الشلل. علينا إنماء مفهوم الثورة لدى أبنائنا،
ووضع الحرية والعدالة والمساواة في المقدمة، لا نريد استعمارا دينيا لنا مرة أخرى، ففي كل مرة دخل الدين المضمار، أدى إلى إقصاء كل المتسابقين، لا شيء ناجع أكثر من جيل يؤمن بالعلمانية أولا، وبالحرية ثانيا، تلك هي ثورتنا الحقيقة، قد تحتاج وقتا طويلا لتنجح، لكنها لن تتكبد كل تلك الخسائر، هذا أفضل وأنقى وأصدق ما يمكننا القيام به تجاه الجيل الجديد، لنبني لهم وطنا لا يغص بالجراح، أرضا لا تلفظ أبناءها، ودولة لا تعنى بخلفياتنا السياسية، الآن قد بدأت ثورتنا الحقيقية، فقوموا لنصرتها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل