الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راديكالية اللول

محمد عبد الحليم

2017 / 12 / 3
الادب والفن


عندما تزور مدرستك القديمة ، شارعك العتيق ، حبيبتك الاولى ،لن تكون نفس الشخص الذي عاشروه ولن يكونوا ابدا كما كانوا ، ، نظرة واحدة لصورك القديمة تكفي لتعلم حجم التغير الذي اصبحت عليه ، تلك هي الحياة ، كل شئ يتغير وكل حال يتبدل ، ياعتقادي ان "حسن اللول" كفيلم كان بمثابة نظرة الى صورة ما كنا عليه وما صرنا اليه كمجتمع.
ففي مشهد تعرف حسن اللول ومصطفى موظف الجمرك الشريف الذي حاول ايقاف مركب يحوي مهربات من الميناء فانتهى به الحال مخطوفا على ظهر تلك المركب في وضح النهر وامام اعين الناس ، ولم يهب احد لنجدته سوى حسن اللول ، الى " المعلم البورسعيدي " الذي تحول من فدائي يمد "الفدائية" بالسلاح والغذاء وينقلهم بفلوكته من المطرية الى بور سعيد في حرب 56، الى مهرب وصاحب مخزن لحفظ المهربات من جمارك المنطقة الحرة ببوسعيد ، واكتشافه لصداقته القديمة بوالد حسن اللول والتي حالت دون الحاق الاذى بهما ، والذي ختم حديثه عن تاريخ الماضي بجملة " ملعون ابو الدنيا " في مشهد وحوارعبقري لخص به الكاتب صلاح متولي قصة بورسعيد والبورسعيدية وتحولها من مدينة باسلة قاومت الاحتلال ودفعت ضريبة الدم ،الى مدينة يتحكم بها حفنة من المهربين وتجار المخدرات ، ليمضي بنا الفيلم بعد ذلك دون ادنى تعقيدات وبرشاقة تستحق التقدير ليقدم لنا نموذج للسيناريو السهل الممتنع ، الذي تظن معه كمشاهد انك امام مجرد فيلم عاطفي يحكي عن قصة غرام شاب فقير دفعته ظروفه للعمل كمهرب ، و فتاة جميلة تنتمي للطبقة الارستقراطية الجديدة التي انشاتها تجربة الانفتاح الاقتصادي بالسبعينات ، لتكتشف بعد ذلك انها ابنة ذات الرجل الذي يعمل لحسابه احمد زكي بمجال التهريب .
والحقيقة اننا امام عمل فني يجسد دراما حية للمجتمع المصري بكافة تناقضاته وتبدلاته ، دراما وظفها الكاتب ببراعه نادرة في رسم شخصياته وتضارب اهدافهم ومن ثم الصراع بينهم .
فحسن اللول ليس مجرد عاشق ولهان بفتاه جميلة مكتملة الانوثة كشرين رضا والتي لعبت ببراعة دور فطيمة البنت المدللة ، ولكنه نموذج لكل شاب مصري منتمي للطبقة العاملة التي سحقت تحت عجلات الراسمالية ورجال الاعمال ، شاب فقد شقيقه الاكبر وشاهد مصرعه اثناء غرق مركب اغرقها صاحبها رجل الاعمال الثري ليحصل على مبلغ التأمين ، ولاحظ هنا ما تثيره تلك الحادثة من مآسي في ذاكرة الشعب المصري الذي عانى من عشرات بل ومئات الحوادث من هذا النوع ،لعل ابرزها غرق عبارة السلام 98 بعام 2006 والتي تم فيها تبرئة مالك العبارة وولده الهاربان بلندن في جلسة لم تستمر سوى 15 دقيقة فقط .
والسرساوي ليس مجرد اب غني يدافع عن ابنته ضدد الارتباط بشاب دون مستواها الاجتماعي ، ولكنه نموذج لطبقة الراسمالية المصرية التي كسبت ثروتها عن طريق التهريب والرشوة والبلطجة والاتجار بالمخدرات وجمعت بين الثروة والسلطة فبنت امبراطورية فساد وافساد على حساب جموع الشعب المقهور تحت وطأة الفقر والقهر .
وفاطيمة ليست مجرد امرأة جميلة تمتلك انوثة طاغية تعود بنا لزمن الجميلة هند رستم ، ولكنها رمز لثمرة الكفاح ضدد الظلم وضدد القهر ، والحلم بعيد المنال .
وعم بكر الذي نسى عزف السمسمية وتاه وسط دخان الشيشة والمعسل بين انفاس المهربين ، ليس مجرد شخص بائس شاحب الوجهه رث الهيئة ، زاهد في ثوب ماجن ، ولكنه صورة مجردة للمجتمع المصري الذي فقد هويته وضاع في طريق بلا نهاية .
ومصطفى الصعيدي الموظف الشريف ، ليس مجرد "قفل صعيدي" تحميه اخلاقه ونشاته الطيبة من السقوط في شرك الفساد ، ولكنه رمز للمناضل المثالي الذي يحيا بعالم خيالي من المثل العليا وغير مقدر لدناءه خصومه بالمعركة والذي لابد وان ينتهي به الحال قتيلا لان المعركة لا تتسع لوجود الودعاء السذج .
وكيف وظف الكاتب في مشهد عبقري الصراع بين هؤلاء جميعا في مشهد الحاح فطيمة على عم بكر ليعزف على سمسميته المنسية ورضوخ عم بكر لها بنهاية الامر ليبدا في العزف ويتجمع حوله الجميع ويشاركوه العزف والغناء متذكرين امجاد الماضي ومسترجعين فرحتهم المسلوبة ، ولحظة دخول حسن اللول الى ساحة الرقص ليشارك فطيمة رقصتها وتركيز الكاميرا على صورة قديمة لجمال عبد الناصر في اشارة لعبد الناصر المشروع والحلم والبوصلة المفقودة ، وكيف ان المجتمع المصري يستطيع باي لحظة تجديد ذاكرة الانتصارات واعادة اكتشاف ذاته من جديد في لحظات كاشفة عن معدنه الاصلي ك 25 يناير 2011 ، ليختم الكاتب هذا المشهد الكرنفالي بحضور "كلدم" وصبيه ليفسدا تلك الليلة الرائعة ، وكيف ان الكاتب حدد بوضوح آلية التعامل مع مثل هؤلاء وانه لا سبيل غير مواجهاتهم بالقوة والحزم اللازمين لاستكمال مسيرة الفرح ومداعبة الاحلام ، بالرغم من اية تضحيات ، وهو ما عكسه تصدي حسن اللول لهم واصابة مصطفى بطعنة من "صبي كلدم " بوصفها الضريبة المنطقية للانتصار ، فلا انتصار دون دماء ، وهو ما أكد عليه الكاتب بنهاية الفيلم حين قرر حسن اللول قتل زكريا سكرتير السرساوي بيه والمدير الفعلي لامبراطورية ثروته ، للثأر لصديقه مصطفى الذي ذبحه زكريا بدم بارد في فراشه ، ليجسد مشهد سقوط زكريا قتيلا من اعلى السلم بالميناء لحظة انتصار حسن اللول وفوزه بفطيمة حبيبته ، في اشارة واضحة لوجوب اسقاط تلك الطبقة المجرمة من اعلى الاجتماعي بمصر كي تتمكن الطبقات الكادحة من الفوز باحلامها التي تبدو بعيدة المنال ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??