الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات رئاسية على بركان

عدلي محمد احمد

2017 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية




مربط الفرس في كل ما يحدث في مصر الان , وليس فقط الموقف من المشاركه في الانتخابات , هو وضع الثوره , والذي يحتاج الي استيعاب موضوعي لتفهم خصوصيته , بعيدا عن الاماني وايضا بعيدا عن استخدام اي كلاشيهات شكلتها خبرات ثورات اخري في التاريخ , فالثوره المصريه اعجزت النظام عن ذبحها عسكريا , علي طريقة كوميونة باريس او ثورة ولم تتراجع نظرا لخيانة احدي طبقاتها الاساسيه كما حدث مثلا في ثورة 1848الفرنسيه, ولا خيانة احد احزابها القياديه واصطفافه مع الجنرالات كما حدث مع الثوره الالمانيه في 1919
ففي الحقيقه فان ثورة يناير قدمت في تقديري درسا غير مسبوق تاريخيا من خلال هذا التراجع , جرعته الاولي تجسدت في فرض المسار الشرعي علي الثوره , عبركل الضغوط والمذابح والالاعيب , وهو ما انطلقت منه الثوره المضاده ومن تداعياته , لدفع تحركات الثوره للخلف كثيرا بسبب من اقدام النظام علي تحميل وزر الوضع كله لاحد اقسامه ( الاخوان ), مقتنصا لحظه غضب الثوره العظيم ضد هؤلاء الاخوان الذين دفع بهم نفس النظام لسدة حكمه , فاستطاع تحقيق هدنة التفويض , الذي سرعان ما استفاد منها في اعادة الامور كثيرا الي وضع ما قبل اندلاع الثوره , كما استمر بمضمونها رغم انف الجماهير التي ارتاعت بلا جدال من دموية صراعه مع اخوته الاعداء., والتي عرف حكم الجنرال كيف يستمر بنفس حدتها في مواجهة الثوار , وولقد عرف كيف يدير ذلك دون توجيه هذه الحده في مواجهة الجماهير والعمال الا في اضيق نطاق , بل شاهدناه يتراجع امام اي غضب جماهيري عفوي وكأن التحرير قائم كما كان , في الاقصر والدرب الاحمر وجزيرة الوراق الخ.
ولكن رغم ذلك ما كان ممكنا لهذه الجرعه الثقيله من ارهاب الدوله علي كل المستويات التي شهدتها شوارع البلاد , ان تمر علي موقف الشعب مرور الكرام , فلقد شكل هذا الارهاب فزاعه غير مسبوقه للجماهير , وحتي للثوار, والمهم ان النظام اضطر لدفع ثمن فادح علي صعيد الاقتصاد حتي يتمكن من تحقيق ذلك علي صعيد السياسه , لدرجة ان ذلك الثمن صار يشكل اليوم كعب اخيل كامل خطة الجنرال , بما دفع به للامام كثيرا من حدة في التناقضات الطبقيه التي فجرت الثوره من الاساس, وبما حوله حتي يرضي الغرب والامريكان الي مجرد كلب ذليل للصهاينه اعداء الشعب التاريخيين , وبما فرضه عليه من الاستغراق في احلام واوهام تصور انها يمكن ان تنقذ نهر النيل من براثن النظام الاثيوبي , ها هي تتكشف عن خيانه وتفريط اجرامي في نهر البلاد الوحيد , وايضا بما فرضه عليه ارهابه الشامل من تجويع للشعب مع انخفاض وزن رز الخليج .
فلسنا بحال امام استقرار ذي وزن بل ازاء نظام يقف مرتجفا علي بركان , فاي انتخابات تلك التي يمكن ان تنقذ الجنرال ونظامه من ام الورطات , المهزوم في الحقيقه هو النظام , واي رئيس يمكن له الان انقاذ النيل , والاقتصاد , في اللحظه التي يجثم فيها الارهاب علي صدر الوطن ككابوس مخيف , نحن هنا امام اشياء لا تستطيع حلها الا الجماهيرالمحتشده والجاهزه للدفاع عن حياتها وقيادتها الثوريه في مقدمتها مستعده للموت لا للخطب في اروقة برلمان او من علي كرسي رئاسي يقف علي فراغ والخلاصه اننا امام تراجع مؤقت حتي لو استغرق عدة سنوات في حاله ثوريه برهنت علي قوتها وشمولها , كان ثمنه الارتقاء بحدة التناقضات الطبقيه الي عنان السماء , لدرجة تهديد الوجود ذاته في مقتل خطير كما تشي الكارثه المائيه.
وفي الحقيقه لسنا ازاء اي انتخابات بل ازاء محاوله اخيره بائسه لاستخدام المسار الشرعي في انقاذ ما يمكن انقاذه لدي هذا النظام الغارق في الرمال المتحركه حتي الآذان, والذي يشله الرعب من انفجار الوضع في وجه جنراله الذي بدأ في التنصل من جرائمه وكأن الشعب كتلة بلهاء , فها هو النيل من مسئولية عبعال ورئيس الوزراء , وها هي محاربة الارهاب من شأن عسكر , مع ان التفويض كان للجنرال.
‏لم تشهد انتخابات الرئاسه الماضيه التي اتت بالجنرال علي سدة الحكم كل هذا اللغط والضجيج , والوعد والوعيد , فقد كان هدف النظام منها زف المغتصب كعريس , واستعادة المسار الشرعي للمشهد بعد ان اجبرت الجماهير جنرالات المجلس العسكري ,علي تجاوز صيغة تمردهم والاطاحه بحكم الاخوان المرفوضين ,عبرخلع رئيسهم الذي كان يجسد اهم نتائج المسار الشرعي المطروح كاحد اهم الاسلحه في مواجهة ثورة يناير
فرغم مقاطعة اغلبية الناخبين الكاسحه لانتخاب الجنرال , الا ان امر العزله الجماهيريه لم يكن قد وصل الي كل هذا الانسداد الراهن , ليس فقط في العلاقه بالسيسي بل في العلاقه بين الجماهير وكامل تدخلات المؤسسه العسكريه بعيدا عن دورها الوظيفي المحدد المحدود
حيث لم يكن امر التفريط في نهر النيل قد شاع الي مستوي شيوعه الجماهيري الراهن , ولم تكن جريمة خيانة تيران قد عرفت طريقها للوجود , ولم يكن التعويم ورفع الاسعار قد فرض كل هذا التجويع علي الجماهير , ولم تكن نتائج القمع قد عرفت طريقها الي مستوي استقرارها الراهن الكئيب , ولم تكن فضيحة ما يسمي بصفقة القرن قد آذت مشاعر وعقول الجماهير ,ولم يكن الارهاب قد استقر به المقام الي هذه الحدود المروعه للجماهير
كل ما في الموضوع حتي الانتخابات الماضيه , ان اغلبية الشعب كانت قد تأكدت من تلاعب من ادعي انه الصادق الامين !, فاحدث ذلك التأكد رد فعل معاكس لسقف توقعات مرتفع لدي الناس , جري اضطرار النظام اليه في البدايه كي يوفر له قوة دفع كافيه للخلاص تماما من الاخوان
اما الان فحدث ولا حرج وقد صارت الامور المتعلقه بهذه العلاقه بين الجنرال والجماهير علي ما هو معروف ومشهور !
ومن هنا فان شأن هذه الانتخابات لم يعد شأنها الذي عرفناه في 2014 فهي بداية تهدد في حد ذاتها بالمخاطر ( الكينية ) الطابع , وفي احسن الاحوال بانكشاف سياسي معلن امام اللجان الفارغه , علي صورة عصيان مدني شامل , وهذا التهديد هو الذي فرض علي الجنرال حملات الاستكشاف وحشد الحد الادني من التوقيعات التي تخفض من رعبه من هذه الاحتمالات
كما يهدد الافلات بها رغم انف الجماهير , بارتفاع غير مسبوق في احتقان العلاقه بهذه الجماهير , يمكن ان يكون له تأثير متجاوز لانتخابات 2011 بكثير, مما يعجل ويضاعف طاقة انفجار يبدو حتميا في ظل مستويات افلاس شامل , لا تعد بالمره بامكانية تخفيض سقف هذه المخاطر الجسيمه لنظام ما زال يلهث رعبا من ثوره بالكاد , تخلص مؤقتا بلا جدال من تحركاتها الثوريه التي شملت البلاد والعباد بحثا عن العيش والحريه والعداله الاجتماعيه.
الانتخابات يا رفاق لا تعني الا انك تسلك في الاتجاه المضاد , مستنزفا قواك في ضم الجماهير المنفضه من حول ادوات واجهزة هذا النظام , الي احضانه من جديد باسم التغيير من تحت قباب البرلمانات , وتوسل الفرمانات الرئاسيه , ما هو غير ذلك لن يسمح به هذا النظام المرعوب علي الاطلاق , فما الذي ستفيدنا به الانتخابات الا اضفاء المزيد من الارتباك علي مشهد لا يعوزه الارباك.
قد يري العطشان في السراب ماء , وقد يري بعض النظام في هذا النوع من الاستقرار المخيف ما هو قابل للاستمرار , حتي بمنطق طلوع الروح , قد يري الاصلاحي - الذي لا يعرف عن الثورات الا انها تعطله عن تطوريته وروتينيته في التغيير - في هذا الوضع المأساوي ما يمكن له ان يلهم بتغيير , او في احسن الاحوال قد يري بقانونيته التافهه , وفكره الحقوقي الهزيل ان حمي الوطيس , وسيحمي دون جدال بسبب من طبيعته المؤقته العارضه , ان الانتخابات تشكل فرصه لتوعية الجماهير, وكأنه اوعي منها , وهي التي ما زالت اقدامها مغبره بتراب الميادين , وما زالت روائح دماء انبل ابنائها تجدد عزمها كل يوم.
لست مع اي نزعه انتظاريه ولكن الصواب ان تتوجه التضحيات الحتميه في مسار الانتخابات مع هذا النظام الذي لا يستطيع ان يتخلي عن ارهاب دولته هنيهه , توجهها السليم لجماهير لم يعد يقرفها ويخنقها الا الحديث عن الانتخابات , اي انتخابات , بحكم تجربه مره ومريره , وايضا بحكم ان الشعب المصري الذي ابهر العالم بميادين ثورته لم يعد يقبل باي تمثيل , صار اصلا علي المستوي الدولي وفي زمن الفيس وتويتر منتقدا و محل استفهام , ولكن لهذا قصة اخري , رغم عدم ابتعادها عن مضمون المقال.
انتخابات رئاسيه علي بركان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال