الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربحوا الله وخسروا القدس

جعفر المظفر

2017 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في تظاهرتهم ضد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل وتأكيد إنحيازه للخطاب الديني الصهيوني خرج العرب ومعهم مسلمون من مختلف الهويات الوطنية في واشنطن تعبيرا عن رفضهم وشجبهم لهذا القرار.. عظيم إلى هذا الحد ورائع, لكن المشكلة أن المسلمين منهم, ولأن اليوم هو جمعة, إنشغلوا بالصلاة أمام البيت الأبيض, وذلك ما جعل المتظاهرين وكأنما قد خرجوا ضد أنفسهم وضد قضيتهم.
الصلاة في القدس أمام المسجد الأقصى حق متأسس على طبيعة المدينة كونها مكانا مقدسا لهم وكذلك للدينين المسيحي واليهودي, وهي هنا تأتي في سياقها الإيجابي. أما أمام البيت الأبيض فستأتي هذه الصلاة في سياق معاكس تماما وتؤسس لنتيجة هي بالضد من نوايا المتظاهرين أنفسهم ..
لماذا ؟ السبب ليس معقدا فهمه ..
إذا كان الهدف من التظاهرة هو مخاطبة الشعب الأمريكي نفسه فأنا أجزم أن الأمريكي وهو يرى مسلمين محتشدين يصلون أمام البيت الأبيض سوف ينشغل عن قضية القدس بمعناها الإنساني والأخلاقي ليقف مشدودا أمام بعدها الديني, وحينها, وبوجود ثقافة الإسلاموفوبيا والشحن ضد الإسلام الذي راح يترسب حتى في لاوعي الإنسان الأمريكي والغربي فإن الإنحياز لترامب حتى على مستوى الراي العام سيتصاعد, وستكون القدس هي الخاسرة الحقيقية في هذا السباق غير المتكافئ.
السؤال .. ألا تستحق القدس تأجيل صلاة الجمعة ليوم واحد, أو على الأقل لما بعد إنفضاض التظاهرة, أو على الأقل ممارستها في غير الساحة المجابهة للبيت الأبيض.
لقد وضع ترامب أمريكا ضد المسلمين أما المسلمون فقد وضعوا الله ضد قضيتهم.
إن أغلب السياسيين الصهاينة باتوا وكأنهم متفقون على يهودية دولة إسرائيل. بالنسبة لهؤلاء ما الذي يعطي يعطي حماس أو الإيرانيين أو حتى السعوديين والأتراك الحق في إقامة دول دينية في حين يحرم على الإسرائيلين ذلك ؟!. قبل عقود كان يمكن للعرب مع وجود أنظمتهم الشبه علمانية أن يكونوا أقوى حجة ثقافية وسياسية في دحض المشروع اليهودي الديني, لكن بعد تراجع الحركة الشبه علمانية وتصاعد حدة الخطاب الديني, بل وقيام دول ذات هويات دينية بحتة, لم يعد صعبا على الإسرائيليين المجاهرة بوجود خطاب ديني مباشر للدولة الصهيونية والتحرك لتضمين دستورهم ما يؤكد على يهودية الدولة. أما أكثر الجوانب إضحاكا في المشهد السياسي فهو إعتراض الدول الإسلامية التي تتضمن دساتيرها جميعا ما يؤكد إسلاميتها على ميل الدولة الإسرائيلية لتأكيد وجودها كدولة يهودية, والأكثر إضحاكا أيضا هي المقارنة التي قد تطلقها صورة ممنتجة تجمع ما بين إسماعيل هنية بلحيته الإسلامية المعتدلة ودشداشته الإخوانية وقلنسوته السلفية بجانب اليهودي نتنياهو اليهودي, لكن المتحضر بالشكل والصورة على الأقل .
لم يعد من المفيد التحدث بثقافة المراحل السابقة. بعد الردة الدينية السلفية بشقيها الشيعي والسني وتصاعد نفوذ وحجم التطرف الديني التكفيري صار صعبا المطالبة بتخفيف حدة الخطاب الديني حتى المعتدل منه, لكن لن يكون من الخطأ الطلب من المتدينين الذين يزعقون بمعاداتهم للدولة اليهودية أن يكونوا أكثر دقة في الفصل بين خطابهم الديني وبين خطابهم السياسي إذا ما شاؤوا إقترابا مفيدا من الرأي العام الأمريكي والغربي. إن المطلوب من هؤلاء, على مستوى خوض صراع تاريخي معقد كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن يفصلوا بين خطابهم الديني الشخصي وبين مقومات الخطاب السياسي التحضري. وبتعبير أكثر دقة فإن صعود قوى الخطاب الديني وهيمنته على المؤسسة السياسية يشكل خطرا على جوهر القضية الفلسطينية ذاتها ويمهد الطريق نحو تأسيس قاعدة متينة للهزيمة التاريخية لأنه يمنح الصهاينة فرصا أفضل لتحقيق الإنتصارات.
ودون إعادة تأسيس خطاب ثقافي علماني متحضر فإن وضع الإسلام في مواجهة اليهودية والمراهنة على إمكانية تحقيق إنحياز غربي ضد الدولة اليهودية يدلل على غياب الحد الأدنى من إستيعاب عوامل وابعاد الصراع العربي الصهيوني.
الواقع لا أحد يطلب من المسلمين التخلي عن دينهم .. المطلوب منهم معرفة أين ومتى يُصَّلون.
أمام البيت الأبيض, وفي مختلف الأروقة الإجتماعية والرسمية الغربية, على العرب أن لا يضعوا أنفسهم في الموقف الذي يظنون أنهم من خلاله سيكسبون الله والقدس معا.
وفي مواقف كهذه لعلي أراهم سيخسرون الله والقدس معا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المطفر جعفر المظفر المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 12 / 9 - 16:57 )
لقطة هائلة تلك التي التقطتها متفرداً عن الجميع و هذا ليس بغريب عن ابن الجاحظ...ابن الفراتين و عاصمتها البصرة
كيف اهتديت الى الادق فيما عرضته الملايين؟؟؟؟؟ الجواب ليس صعباً... انه انت ...اقولها حقاً
.......................
كان يجب ان يلغي المسلمين صلاة الجمعة في كل بقاعهم لأن غير ذلك يعني انهم في اهم منها و هذا ما امر به البعض...فصلاة الجمعة يعني الاستتباب و ان الامر للمصلين حيث اكتملت نتائجهم
لكنهم اغبياء مشغولين بترطيب الارض لولاة الامر و اتباعهم و ذويهم و ما بين افخاذهم
اقرأ ما طلع به علينا خطيب ال-حرمين- و اقرأ ما طلع به القرض واوي
...................
انهم مشغولين بولاة الامر في صراعهم مع حوريات الامر و اسيادهن
دمتم بتمام العافية


2 - النجاح في الفشل (1
جعفر المظفر ( 2017 / 12 / 9 - 22:15 )
أخي الأكرم الأستاذ عبدالرضا
نبهني أحد إخوتنا القائمين على النشاط والداعين إليه بالأساس أن فكرة التجمع من أجل تظاهرة القدس قد قامت على أساس أن الجمعة كما هو متعارف عليه هو اليوم الذي يسهل فيه تجميع المسلمين وحشدهم من أجل تنفيذ هذا النشاط. المعنى من ذلك واضح, اي أن المسلم لم يكن على إستعداد لأن يضيع صلاة الجمعة من أجل أية قضية حتى ولو كانت بمستوى القدس نفسه. ذلك يفتح الجدال دون أدنى شك بكل سعة لكي يستدعي جوانب اساسية عدة ليس هناك قدرة والحال هذه على فصل بعضها عن البعض الآخر. غير أن الإهتمام بذلك, على الرغم من حاجتنا القصوى إليه سوف يشغلنا عن الحديث حول القضية الأصل, اي موضوعة التظاهرة أمام البيت الأبيض من أجل القدس والإنشغال في الصلاة بشكل ملفت للنظر ومخالف لما إعتاد عليه الشارع الأمريكي بل ومثير للنزعات المعادية للإسلام نفسه والتي تضاعف من مرص إصطفاف الأمريكي ضد الموقف العربي من أجل قضية القدس.
ما حصل هو إستثمار حالة التجمع أثناء صلاة الجمعة لغرض ضمان الحشد الكافي.. من ناحية تعبوية خاصة بضمان مشاركة كبيرة في التظاهرة أجد أن المشرفين على التظاهرة قد أصابوا هدفهم بكل دقة.. ذلك نجاح


3 - النجاح في الفشل 2
جعفر المظفر ( 2017 / 12 / 9 - 22:16 )
لكن لنتحدث عن هذه التظاهرة وليس عن حاجاتها السوقية وأساليبها التعبوية .. إن تظاهرة أمام البيت الأبيض لها هدفان أساسيان : أولهما تسليم مذكرة إحتجاج للبيت الأبيض, وثانيهما التأثير على الرأي العام الأمريكي. هنا بالذات ينبغي أن نحسب حساب لممارسة طقوس الصلاة أمام البيت الأبيض في تظاهرة معادية لقرار ترامب إعتبار القدس عاصمة لإسرائيل على أساس هويتها اليهودية. لو كان المشرفون على التظاهرة قد أفلحوا في ضم عدد من اليهود, وإتفقوا أيضا على صلاة ثلاثية مشتركة لصار هناك حديثا آخر, أما وأن يذهب المسلمون وحدهم إلى مشهد لن يفهمه المواطن إلا بالمعنى الذي تراه به عيناه فذلك سوف لن يساهم بخدمة هدف التظاهرة على الإطلاق بل أراه سيعطي مردودوا عكسيا.
بعد كل هذا سيكون من حقي القول أن المشرف على التظاهرة نجح من ناحية تعبوية لكنه فشل من ناحية إعلامية وسياسية.
أما نحن فقد صارت لدينا معادلة جديدة إسمها النجاح في الفشل.
تحياتي ايها العزيز


4 - اسرائيل
د.قاسم الجلبي ( 2017 / 12 / 10 - 11:57 )
الدول الغربية والصحافة الآمريكية تفتخر بكون اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحمل رائد الديمقراطية والعلمانية ومنظمات حقوق الآنسان , اما بقية الدول العربية والآسلامية فأنها مقرونة بالآنظمة الديكتاتورية ومعادية للحرية والديمقراطية , الذي اريد ان ابينه هنا ما دامت بعض الدول المنجرفة لتأسيس انظمة اسلامية ودستورهم يعتمد على التشريع الآسلامي ولا يحق لها بنظام مخلاف لهذه الشريعة , وبهذا ستدعوا اسسرائيل الى نظام ديني يهودي حيث كان نتنياهو يطالب على من الحكومة الفلسطينية الآعتراف بهودية اسرائيل, بمعنى سوف تتخلى دولة اسرائيل عن علمانيتها وتتوجه الى نظام يهودي بحت, والنتيجة ستتساوى دول المنطقة بأنظمة شمولية اسلامية ويهودية, و بهذا سيشجع المسلمين بالصلاة امام البيت الآبيض او في شوارعها كما هو في بعض دول اوربا كباريس مثلا,, والاجدى والاحسن هو الدعوى الى تأسيس المساجد العلمانية التي تؤمن بصلاة النساء والرجال معا وبدون فواصل بينهما وبدون ارتداء الحجاب وممكن ايض ان تتولى امرأة بدور الملا في اداء الصلاة , مع التقدير

اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام