الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة التونسية : بين الحزب اليساري الكبير و الكتلة التاريخية

برهان القاسمي

2017 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بعد خمس سنوات من الصراع بين قوى الثورة و الثورة المضادة ، وبعد سلسلة من محاولات الالتفاف على الثورة منذ اندلاعها ، و خلال هذه المرحلة من تأزم الأوضاع في البلاد و تراجع الحراك الاجتماعي و السياسي، بدأت تطفوا على السطح الدعوات من اجل "الوفاق الوطني" و " الوحدة الوطنية" و" السلم الاجتماعي" و أخرها "المصالحة الوطنية" التي ظهرت في شكل مشروع قانون المصالحة الوطنية ، الذي تقدم به اليمين الرجعي الحاكم كانقلاب ، على الدستور واستحقاقات الثورة هذا الانقلاب وقعت التهيئة له منذ البداية بالقوانين الاستثنائية و بصلاحيات رئيس الدولة،و بقانون مكافحة الإرهاب على شاكلة الانقلاب البونابارتي على دستور 4 نوفمبر 1848خلال ثورة ، تحت مسمى قانون " الأحكام العرفية " و الذي بموجبه وقع الانقلاب عن كل القوانين والتشريعات الايجابية التي جاء بها ، حيث تمكن " ثلاثة نصابين ...ان يأسروا دون مقاومة امة يبلغ تعدادها ستة و ثلاثين مليون نسمة "- ماركس-
ان هذه الدعوات التي نادى و ينادي بها عدد من الشخصيات و المثقفين و الأحزاب ، في الحقيقة ليست بجديدة ، ﻻ--- على المستوى الوطني و ﻻ--- على المستوى العالمي ، فهي تضرب بجذورها في التاريخ .فمع دخول الطبقة العاملة لحلبة الصراع و تحولها الى قوة تاريخية صاعدة اثار القوى الرجعية.وهو ما استخلصه كارل ماركس في مؤلفه الثامن عشر من برومير لويس بونابارت حول الجدل الصاعد و النازل ( ليس بالمعنى الأفلاطوني ) ، منذ سنة 1848خلال الثورة الفرنسية و ثورات ما يسمى بالربيع الأوروبي ، حيث أدت التحوﻻ---ت الاقتصادية و الاجتماعية التاريخية ، الى تحول البرجوازية من طبقة ثورية موكول اليها قيادة التحوﻻ---ت اﻹ---جتماعية الى طبقة محافظة و رجعية ، و انقلبت الى قوة اجتماعية مضادة للثورة،و دخول الطبقة العاملة لحلبة الصراع و تحولها الي قوة تاريخية صاعدة اصبح موكول اليها قيادة هذه التحوﻻ---ت بما فيها مهام البرجوازية،و اصبحت القوة الوحيدة التي تناضل فعﻻ--- من اجل الديمقراطية و النزوع الى الإشتراكية، و هو ما اثار القوى الرجعية ، وقد ﻻ---حظ جورجي بليخانوف في كتابه " حول نظرية صراع الطبقات كيف قدمت " احداث 1848 درسا رهيبا لها ( البرجوازية) والدليل على انها أحسنت فهمه، يكمن في " السلم اﻹ---جتماعي" الذي سيدعو اليه منظروها مذ ذاك فصاعدا." وذلك لعزل الطبقة العاملة عن دورها التاريخي الذي أكدته اﻷ---حداث و أثبته ماركس و انجلز ومن بعدهما لينين و ستالين ، وتجريدها من سلاحها ( النظرية الماركسية-اللينينية ، و حزبها و تنظيمها ....) و هو ما دشنه غيزو سنة 1849 بإصدار كتيب عن الديمقراطية في فرنسا ، الذي تغنى فيه بالسلم اﻹ---جتماعي. و مينييه في "فوضى العامية" ، و اوغستان تييري، في "مبحث في تاريخ الطبقة الثالثة" المنشور سنة (1853) . ولقد تواصل هذا الصراع ، وان حافظ على جوهره المعادي للطبقة العاملة و رسالتها التاريخية ، اﻻ--- انه اتخذ اشكاﻻ--- و مظاهر اخرى، حيث نجده مع الماركسية العلنية و جماعة " الكريدو"(credo ) الإقتصادوية .اي حول نظرية العفوية و الوعي...و لقد خاض لينين و البلاشفة صراعا مريرا ضد هذه الاتجاهات التخريبية ، و من اجل تأسيس حزب الطبقة العاملة ، ومن اجل الاستلاء على السلطة السياسية ، وديكتاتورية البروليتاريا و بناء الاشتراكية في روسيا .
ان تضخم الأنا البرجوازية الصغيرة ، والنرجسية المفرطة ، و الإنتقاد الأعمى للجميع ، هي السمة البارزة لدى هؤوﻻ---ء "المثقفين" ،و دعاة "وحدة القوى الديمقراطية" و "وحدة اليسار" و "الحزب اليساري الكبير" و "الكتلة التاريخية". فالجميع ينتقد اليسار عموما و خاصة منه اليسار الثوري( حزب العمال) بقراءات عدمية ، و بتجريدﻻ--- يقوم على معطيات موضوعية وانما على رغبات ذاتية و انتقائية في الاستعمال، و بطبيعة الحال مع وضع ذواتهم المتورمة فوق الجميع، وهم بهذا الشكل او ذاك يحطون من قيمة و دور اليسار لصالح القوى اليمينية ، و هذا ما طبع تقريبا جميع هذه التدخلات او بالأحرى الانتقادات ، وهذا بطبيعة الحال لا يعني ان الجبهة الشعبية لم ترتكب أخطاء او انها ﻻ--- تشكو من عديد النقائص و خاصة على المستوى الهيكلي و التنظيمي ،و بالإضافة قصر التجربة . وهو ما زاد في تشتيت القوى اليسارية المناضلة، و ان كانت هذه الحالة طبيعية لدى البرجوازية الصغيرة و " المثقفين".
فللقوى الماركسية -اللينينية دورا في هذا الإطار ، فهي لم تواجه هذا الفكر البرجوازي الصغير بما يجب من الصرامة و الوضوح ، من داخل الجبهة الشعبية ، و من خارجها، منقادة في ذلك بالضرورات العملية ووحدة الحركة اليسارية و التقدمية ، وهو ما زاد الطين بلة ، و قاد الى تأويلا ت و استنتاجات مغلوطة و ملتبسة متناسين ان " ...الروح العملية هي ابعد ما تكون عن ان تكون عملية حين يكون الأمر متعلقا بصياغات نظرية."-بليخلنوف- رغم انها قاومت منذ اواسط الثمانينات التيارات الانتهازية و التحريفية والنقابوية . و كما ﻻ---حضنا سابقا عند تعرضنا لما طبع المرحلة السابقة من الثورة التونسية من " توافق "، والى " الحوار الوطني " كإضفاء للقيمة التبادلية لشكل الدولة ، حسب تعبير ماركس، وكحلقة من حلقات الثورة المضادة ، و ضرب المسار الثوري و التأسيس للديكتاتورية.اﻻ--- ان هذا كله لم يكن معزوﻻ--- ، حيث يعتمل و يتفاعل داخليا و عبر قنوات للربط من داخل اليسار ، الذي سيتيح تمرير مثل هذه القوانين و الحفاظ على هذا الواقع و تأبيده.و طمس حقيقة الصراع الطبقي، حيث لم تهدأ الحملات المتتالية تشويه الجبهة الشعبية و الناطق الرسمي الرفيق حمة الهمامي بالتوازي مع الدعوات لحلها و الى تشكيل حزب يساري كبير ، وكتلة تاريخية كبدائل موهومة عن العقائدية الحزبية و عن الجبهة الشعبية.
والملاحظ ايضا ان ما يجمع هؤوﻻ---ء " الدعاة" ويوحد بينهم هي ترسانة من المفاهيم والمصطلحات كالتموقع و الكل الاجتماعي و التوافق السياسي ، ولان اختلف أصحاب هذه الدعوات جزئيا في مجالات تركيزهم ، الا انهم اشتركوا في معاداة اليسار باسم اليسار و خاصة حزب العمال و الافتراء عليه و في أحسن الأحوال تجاهل تاريخه النضالي .فالحركة الشيوعية الماوية -تونس- و التي ﻻ--- تحمل تجاه الشيوعية اﻻ--- المعاداة و في مقال صادر في أوت 2015 تحت عنوان اليسار بين الماضي و الحاضر، تكتب و بدون حياء " وحزب العمال "الشيوعي"الذي رحب بالتغيير وبتحول 7 نوفمبر". فبمثل هذه الافتراءات يقيمون تاريخ اليسار و يقدمون "البدائل". اذا و كما قلنا فان الجامع بين هؤوﻻ---ء هو الدعوة الى حل الجبهة الشعبية ، الدعوة الى التخلي عن الارتباط بالمرجعيات الفكرية و الإيديولوجية ، و التخلي عن العقائدية و الانغلاق ، و التخلي عن الاحزاب ، التخلي عن التسييس المفرط لمظاهر الحياة و الممارسة، تصدر قوى الفكر و الثقافة المشهد الانتقالي.عدم التعامل مع السياسة في أضيق معانيها المقصور على الدولة وبالأحرى السلطة. وهذا مثلا ما نجده عند الطاهر شقروش في مقاله " من اجل بناء حزب يساري كبير " ، و عند رضا شهاب المكي في مقاله " هل تمثل فكرة الكتلة التاريخية مخرجا لتعطل الثورة التونسية ؟ "ففي بحثه عن وجاهة السؤال ، يرى ان تونس " تحتاج الى أوسع تجمع و طني ﻻ--- يستثني اجتماعيا و سياسيا الا القلة القليلة " وشرط ان ﻻ--- تكون المرجعيات الفكرية و الإيديولوجية ، شرطا في التوافق السياسي " كما يجب " التخلي نهائيا عن البنى الجبهوية و الكتلوية و الائتلافية" " لتحقيق الانتقال الثوري بالمجتمع و الدولة الى مرحلة جديدة " وهذا الانتقال الثوري بطبيعة الحال يجري في اطار اقتصاد السوق ، مع " ضرورة ان تتصدر قوى الفكر ..و الثقافة والخيال ..المشهد الانتقالي ". وهذا ايضا ما نجده عند توفيق المديني في مقاله " معوقات تحول الجبهة الشعبية في تونس الى تيار يساري كبير ! " و الذي يدعوا فيه الى " اعادة النظر جذريا بمبادئ بناء الحزب اليساري الكبير ، على ان يكون في نطاق صورة المجتمع المدني " و "يعبر عن طليعة الانتلجنسيا...و يعمل من اجل اعادة بناء الكتلة التاريخية بالمعنى القرامشي و يخوض النضال الديمقراطي السلمي ، وهو ما يتطلب حسب رايه القطيعة مع الوعي المتاخر و المتخلف ، الا وهو " المرجعية التقليدية لليسار ثورة أكتوبر البلشفية في 1917 ، و مراجعة للافكار و الايدولوجيا الماركسية اللينينية ،" فالماركسية باعتبارها منهجا علميا لتفسير الكون و المجتمع مازالت صالحة ، و انما انتهى مشروعها الراديكالي لتغيير العالم،!" و الجماعة يشجبون الايديولوجيا اليسارية وكان اليمين فوق الايديولوجيا. و ﻻ--- يخرج عن هذا الطابور ممتهني تشويه حزب العمال كالاسعد السايحي ومحمد علي الماوي و عثمان الحديدي و السموال راجي.......وبقي هذا الطابور رهين العفوية و العمل الحرفي ، و الاقتصادوي والنقابوي ، الذي أعاق تطور الحركة اليسارية و الشيوعية ، وشوه وعي الجماهير الكادحة ، و أعاق تطور الحركة العمالية و إخضاعها للايدولوجيا البرجوازية ، و لم تبدأ الطبقة العاملة التونسية في التخلص من هذه التأثيرات الا مع تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي سنة 1986 . فمن نقائص لجبهة الشعبية مثلا ان اغلب مكوناتها لم تعرف سابقا العمل الحزبي باستثناء حزب العمال وهي مازالت تحت تاثير و رهينة الحرفية التنظيمية و المفاهيم الفوضوية. . ان هذا الطابور يتناسى ان الثورة ﻻ--- يمكن انجازها و انتصارها دون حزب طليعي مسلح بالفكر الماركسي اللينيني ، فلينين عندما يتحدث عن تجربة الثورة البلشفية و اسباب نجاحها انما يتحدث عن الحزب عن طليعة الطبقة العاملة ، عن وحدته و تراص صفوفه ، عن هذه " الدزينة من الأذكياء " القادرة على قيادة الاﻻ---ف و الملايين من الكادحين .ف" من الأفضل لنا ان يكون هناك مائة اشتراكي ديمقراطي ممن قبلوا التنظيم كخطة من ان يكون لدينا الف مثقف من طراز تريابشكين ( نموذج للصحفي عديم الضمير في رواية غوغول المفتش العام ) "- لينين – فالتطور العفوي للحركة العمالية لا يمكن ان ينحو بها الا منحى اخضاعها للايديولوجيا البورجوازية , و هو ما أكدته تجربة اليسار التونسي و اساسا جماعة ” الخط الجماهيري ” و الانصهار في الاتحاد العام التونسي للشغل ( المبادرة ) ومن هده المنطلقات و المفاهيم الفوضوية البرجوازية الصغيرة أصبحت الثورة التونسية ,انتفاضة ,كما نعت ماكس فيبر في حينه الثورة الروسية بالفتنة . فالقصور الذاتي لديهم يصبح واقعا موضوعيا .
وكما نلاحظ فان هذه الدعوات ناجمة عن قصور في فهم الواقع التونسي ومتطلباته المرحلية و الإستراتيجية، و موازين القوى الطبقية ، وهي تعود أساسا الى قرامشي و لوكاتش والتوسير و باليبار و ونيكوس بولنتزاس.....
وتجربة اليسار التونسي عموما ارتبطت بشكل واضح بالموجة الجديدة التي ظهرت مع نهاية الستينات و بداية السبعينات في أوروبا و فرنسا بالخصوص مع الإنتفاضة الطلابية الفرنسية ، المعتمدة على التراث النظري لغرامشي و انتشار الفكر الماوي آنذاك و خاصة الثورة الثقافية الصينية، وفي تشابك مباشر مع نظرية العفوية، و تأسيس حزب الطبقة العاملة والدور القيادي للطبقة العاملة وقضايا الثورة و الدولة و الاستيلاء على السلطة و ديكتاتورية البروليتاريا. فغرامشي وخلافا للينين ، وبناءا على قراءته للواقع الايطالي و الأوروبي عموما ان التغيير في ايطاليا و في الغرب ﻻ--- يمكن ان يكون عبر الهجوم المباشر و الاستيلاء على السلطة السياسية، وهذا خلافا لروسيا القيصرية و الثورة البلشفية،اذ يرى ان المثقفين يشكلون البديل القادر على القيادة و التغيير، فالدولة حسب قرامشي كقوة قمع تتكون من الجيش و البوليس والمحاكم و السجون ....، وأجهزة تصوغ التشريعات و تطبقها كالبرلمان و الحكومة و القضاء و البيروقراطية...كما تتكون ايضا من أجهزة إيديولوجية ، المدرسة ، الكنيسة ، الأحزاب السياسية و الإعلام...وهي التي تؤمن هذه السيطرة الطبقية و خضوع بقية الطبقات للطبقة المسيطرة. ويلاحظ في مقارنته هذه ان السلطة الحاكمة في الغرب تعتمد في سيطرتها على بقية الطبقات أساسا على الجهاز الإيديولوجي و مؤسسات المجتمع المدني، و هذا خلافا لروسيا القيصرية التي تعتمد سلطتها أساسا على السيطرة المادية المباشرة ( الجيش و البوليس و المحاكم و السجون...) . وهو ما يفترض من كل هذا ضرورة ، حسب غرامشي ، ان الرئيسي بالنسبة للثوريين في النضال ليس الهجوم المباشر على السلطة السياسية ، بل أساسا السيطرة الإيديولوجية، و تشكيل " الكتلة التاريخية " ،وهي مهمة إستراتيجية طويلة المدى للتمكن بما أسماه " بالهيمنة " و اكتساب " المواقع" و الوصول الى الدولة المتكاملة . و الكتلة التاريخية ﻻ--- يمكن أن تكون اﻻ---" بالكل" اي بين جميع القوى الإجتماعية و السياسية و الإيديولوجية و الدينية و الثقافية ، و هو ما يتطلب من هذه القوي التغاضي عن تناقضاتها ، و التخلي عن تصوراتها و مفاهيمها واستراتيجياتها السياسية و الإيديولوجية، و ابتكار رؤية جديدة .و بهذا استعاض غرامشي عن مفاهيم الحزب الطليعي و الثورة و ديكتاتورية البروليتاريا ، بمفهوم الهيمنة و حرب المواقع. و الحزب اليساري الكبير ما هو في الحقيقة الا تشكيل للكتلة التاريخية في شكل تنظيم في تجاهل واضح للقانون العام للتراكم الرأسمالي ,فدورية فائض الإنتاج, و احتدام التناقض بين رأس المال و العمال دفع بما لا يقاس في تشكل الوعي البروليتاري و بدد الأوهام حول إمكانيات التوافق الطبقي و حول الديمقراطية البرجوازية...
.و كما هو واضح مما جاء في دعوات " المثقفين" التونسيين فهي ﻻ--- تهدف اﻻ--- الى تجريد الطبقة العاملة التونسية من سلاحها من حزبها و التطبيع مع الواقع التونسي و الرضوخ لسلطة اليمين الرجعي الحاكم.
برهان القاسمي
تونس











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهد مشكور لكنه ينتمي إلى زمن آخر!
أفنان القاسم ( 2017 / 12 / 16 - 11:13 )
اعتمادك على الماركسية القرآنية لا يختلف كثيرًا عن اعتماد النهضة على أدبياتها الإسلاموية!!!

اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال