الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى المئوية لثورة أكتوبر..بليخانوف.. وطلعة فجر أكتوبر

عبدالله حبه

2017 / 12 / 15
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا






يرى العديد من الباحثين المختصين بدراسة "ثورة الأيام العشرة التي هزت العالم" أنه لولا جريجوري بليخانوف مؤسس الماركسية الروسية لما ظهر لينين الى الوجود. ولما شهدت روسيا الأحداث الأليمة والتاريخ الجبار لروسيا بعد ثورة أكتوبر. أن الدراسات الكثيرة التي تزخر بها الصحف الروسية في هذه الأيام عشية الذكرى المئوية لقيام ثورة أكتوبر الاشتراكية تشير الى أن تاريخ البشرية في القرن العشرين كان سيمضي في درب آخر لولا هذه الثورة التي قضت على النظام القيصري وسجلت بداية انهيار الامبراطوريات الاستعمارية وتصاعد حركات التحرر الوطني.


إن بليخانوف صاحب كتاب "دور الفرد في التاريخ" الذي قرأناه بتلهف في العراق في الخمسينيات من القرن الماضي هو بالذات الذي جلب "جرثومة الماركسية " الى روسيا حسب قول أعداء البلاشفة. ولم يتوقع أحد أن يصبح بليخانوف سليل أسرة من النبلاء الروس أول ثوري روسي تحدى النظام القيصري منذ أيام فتوته (19 عاماً). فقد انضم الى جماعة "الأرض والإرادة" ثم ترأس الجمعية السرية "تشورني بيريديل" التي دعت الى تسليم أراضي مالكي الأطيان الكبار الى الجمعيات التعاونية الفلاحية.
وكان لا بد أن تنتبه الشرطة السرية القيصرية الى نشاط هذا الطالب في معهد لتعدين، الخطيب المفوّه وصاحب المقالات التحريضية ، فبدأت ملاحقته واضطر الى الانتقال الى العمل السري. فكان ينام وتحت وسادته المسدس وتعلم استخدام السلاح وأساليب التخفي . وعندما واجه خطر النفي الى سيبيريا هرب من روسيا الى الخارج في عام 1880 حيث تعرف عن قرب على أفكار ماركس. وترجم "البيان الشيوعي" الى اللغة الروسية. وأسس في جنيف أول منظمة ماركسية روسية بإسم "تحرير العمل" ثم أسس لاحقاً "اتحاد الاشتراكيين – الديمقراطيين الروس في الخارج". وكانت كتبه في الفلسفة وعلم الاجتماع والثقافة وتاريخ الفكر الاجتماعي توزع سراً وعلى نطاق واسع في روسيا. وبهذا أصبح آنذاك رائد الفكر الديمقراطي – الثوري في البلاد.
لقد أمن بليخانوف بأن روسيا قد سارت في درب التطور الرأسمالي، ولهذا تعتبر النظرية الماركسية مناسبة تماماً لها . لكنه عدل عن هذا الرأي لاحقاً حين واجه إصرار مريده لينين على إعلان قيام الثورة في أكتوبر عام 1917. وكتب بليخانوف عدّة كتب حول كيفية تطبيق الاشتراكية في روسيا المتخلفة عن أوروبا أيامذاك. وأكد في كتابيه "الاشتراكية والنضال السياسي" (1883) و "والخلافات بيننا" (1885) على إن القوة الحاسمة للثورة الاشتراكية المقبلة هي البروليتاريا وليس الفلاحين، ودعا الى تأسيس حزب العمال الاشتراكي الروسي. وفي تلك الفترة التقى مع أنجلس الذي ثمّن كل التثمين نشاط الشاب الثوري الروسي في نشر الماركسية في بلاده وترجمته لأعمال ماركس الى اللغة الروسية. وعندما تأسست الأممية الثانية في عام 1889أصبح بليخانوف أحد زعمائها. وتعرف في تذلك الفترة على فلاديمير لينين الذي أصبح أحد مريديه. وأسس معه جريدة "الشرارة" وعمل في التحضير لعقد المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي – الديمقراطي الروسي (1898-1912).
وقال الباحث جيورجي تشاغالوف الذي نقتبس بعض أقواله هنا، إن بليخانوف أعتقد بأن وجوده في الخارج سيستمر عدّة أسابيع أو أشهر، لكنه بقي في الخارج فترة 37 عاماً، وعاد الى روسيا فقط بعد ثورة فبراير عام 1917. وخلال هذه الفترة برزت خلافاته مع البلاشفة واعتبر أن من السابق للأوان إسقاط السلطة البرجوازية وقال: "إن التاريخ الروسي لم يطحن بعد من الحنطة ذلك الدقيق الذي ستصنع منه بمرور الزمن كعكة الاشتراكية". وقال "إن أفعال البلاشفة تدل ببلاغة على أن مصيبة العقل – ليست مصيبتهم". وبعد قيام ثورة اكتوبر أهملته السلطة الجديدة، واشتد به مرض السل وتوفي في فنلندا في 30 مايو/ ايار 1918، وسار وراء نعشه عدّة الآف من الناس ودفن في بتروغراد. وقال أحد أنصاره عند قبره: "لقد كان لدى المسيح يهوذا فقط ، أما لدى بليخانوف فعددهم كثير"، في إشارة الى موقف البلاشفة منه. ومع ذلك اعترف لينين في عام 1921 بأن المرء لا يمكن أن يصبح شيوعياً واعياً وحقيقياً إلا بعد دراسة جميع ما كتبه بليخانوف في الفلسفة، لأنها أفضل ما كتب في جميع الأدب العالمي حول الماركسية .
كتب بليخانوف في "الوصية السياسية" إنه ارتكب العديد من الأخطاء مثل أي إنسان آخر لكن خطأه الأكبر كان – لينين. وقال بهذا الصدد" إنني لم أقدر لينين حق قدره ، ولم ألق بالاً الى أهدافه وطموحاته المتطرفة، ونظرت بتسامح وبسخرية الى غلوه. إنني أدخلت لينين الى دائرة الاشتراكيين – الديمقراطيين المعروفين والمتنفذين وفرضت وصايتي عليه وقدمت له كل مساعدة ، مما أتاح له أن يقف على قدميه. زد على ذلك ففي عام 1903 وقفت في مؤتمر حزب العمال الاشتراكي – الديمقراطي الروسي الى جانبه في خلافه مع مارتوف، مما أدى الى ظهور جماعة البلاشفة. آنذاك كنت أتصور بأنني سأتمكن بمرور الزمن من تخفيف تطرف مواقف لينين والتأثير في مارتوف في الإتجاه المطلوب، وبهذا أحافظ على وحدة الحزب. لكنني سرعان ما أدركت بأن الوحدة مستحيلة لأن كل ما لا يتفق مع رأي لينين كان مآله الفشل.
لقد قال أحد الاشتراكيين – الديمقراطيين النمساويين، إن بليخانوف هو بمثابة الأب بالنسبة الى لينين، فأجابه بليخانوف قائلاً: "نعم لكن يبدو أنه ليس إبني الشرعي". واحتدم الخلاف بين بليخانوف ولينين عشية الحرب العالمية الأولى 1914. فقد دعا لينين الى تحويلها الى حرب أهلية. إلا أن بليخانوف أعتقد بأن من واجب العمال والفلاحين أن يدعموا البرجوازية والسلطة في الحرب ضد المانيا وحليفاتها. لكن البلاشفة وصفوا ذلك بـ"الانهزامية" واشتد الخلاف بين بليخانوف ولينين أكثر فأكثر، لاسيما لدى قيام ثورة فبراير 1917. وكان الإثنان في الخارج لدى قيام الثورة . فقد نشر لينين حال عودته الى روسيا "موضوعات نيسان" التي دعا فيها لتحويل الثورة البرجوازية – الديمقراطية الى ثورة إشتراكية. بينما كتب بليخانوف في مقالته الموسومة "حول موضوعات لينين ولم يكون الهذر شيقاً أحياناً" : "إذا لم تبلغ الرأسمالية في البلاد تلك الدرجة العالية التي تجعلها تشكل عقبة أمام تطور قواها المنتجة، فمن السخف توجيه الدعوة لإسقاطها الى العمال وأبناء المدن والريف وفقراء الفلاحين.. كما لا يقل سخفاً عن ذلك الدعوة الى الاستيلاء على السلطة السياسية". وقال بليخانوف،إن لينين يشبه الممسوسين نزلاء الردهة رقم 6 في قصة تشيخوف.
لقد اعتقد لينين بأنه يواصل أيضاً تعاليم ماركس، وانطلق من مبدأ إمكان قطع السلسلة الرأسمالية في أضعف حلقة فيها. لكن الأحداث أظهرت لاحقاً إنها فكرة خيالية. أما بليخانوف فقد دعا الى تشكيل إئتلاف واسع من السوفيتات والبرجوازية والى اجراء صلح طبقي في فترة الحرب وتأجيل موضوع توزيع الأراضي لحين انعقاد الجمعية التأسيسية، بيد أن هذه الدعوة لم تجد تقبلاً لدى الجماهير، كما كان يعول. إذ تدهور الوضع في البلاد عقب الانتفاضة الدموية في تموز وهزائم الجيش الروسي في الجبهة، فوجدت شعارات البلاشفة صدىً كبيراً لدى الناس: "السلطة للسوفيتات " و" الأرض للفلاحين" و"المصانع للعمل" و" السلام للشعوب". وقد عارض بليخانوف ذلك بشدة ووصف لينين بالفوضوي وشن حملة للتشهير بالبلاشفة لحد وصف لينين بأنه "عميل لألمانيا". وأدت مواقفه هذه الى تخلي الكثير من أنصاره عنه. ولكنه أصر مع ذلك على أن تكتيك لينين سيقود الى الكارثة الاقتصادية. وأظهرت الاحداث اللاحقة انتصار لينين وخططه التي وصفها بليخانوف بـ"الثورية الزائفة". وحذر بليخانوف من الدكتاتورية وسيطرة الحزب الواحد وإلغاء الجمعية التأسيسية من قبل "القوميسارات الشعبيين". وواضح إن لينين كان يعرف بشكل أفضل منه توزيع القوى الواقعي في روسيا وحاجات الناس، ولم يكن يخشى المجازفة وحاول إخضاع القوانين الماركسية الى حاجات الثورة الاشتراكية . لقد انتصر لينين على بليخانوف في نهاية المطاف، لكن احداث 70 عاماً من وجود الاتحاد السوفيتي أظهرت بأن بليخانوف كان على حق لحد ما، وإن التطور الارتقائي للبلاد هو الدرب الصحيح للسير فيه. وقال مرة لزوجته: "يبدو أننا روجنا الدعاية للماركسية بصورة مبكرة جداً في روسيا المتخلفة وشبه الآسيوية". لقد تراجع لينين عن مواقفه لاحقاً بعد الثورة الأهلية التي حصدت أرواح الملايين وبعد الدمار والجوع في روسيا، فألغى ما يسمى "الشيوعية العسكرية" وأعلن الخطة الاقتصادية الجديدة (نيب) لإعمار البلاد. وكان لابد للدولة الجديدة أن تقف على قدميها لمواجهة خطر أطماع الدول الاستعمارية في اراضيها وثرواتها. لذا نفذت على قدم وساق الخطط الخمسية للإعمار وكهربة البلاد وبناء الصناعات الثقيلة . حقاً أن الثورة بدأت "تلتهم أبناءها" في عهد ستالين حيث جرى التخلص من كثير من معارضيه من رجال الثورة وقادة الحزب. وخلال 70 عاماً من وجود الاتحاد السوفيتي حققت البلاد الاكتفاء الذاتي وتم تطوير الصناعات والعلوم والتعليم والثقافة والطب، ونجح الاتحاد السوفيتي في قهر أعتى قوة عسكرية في أوروبا عندما هاجمت جحافل المانيا النازية أراضيه ودحرها وطاردها حتى دخول برلين. ولعبت الروح القومية الروسية دوراً حاسماً في ذلك، فالروس يقفون دوماً صفا واحداً لدى وقوع هجوم خارجي على بلادهم . وهكذا جرى بسرعة إعادة بناء ما دمرته الحرب وصنع الاتحاد السوفيتي القنبلة الذرية وأطلق الأقمار الصناعية وأول رجل الى الفضاء. لكنَّ المحللين غالباً ما يشيرون الى الثمن الذي دفعه الشعب من أجل اجتراح هذه المآثر. فالماركسية تؤكد أن الانسان هو أثمن رأسمال، لكن الواقع السوفيتي كان يتجافى عن هذا القول.
إن أفكار بليخانوف تتجسد اليوم في بلدان أخرى مثل الصين وفيتنام، حيث نفذت إصلاحات كبيرة ليس تحت راية الصراع الطبقي وسيطرة البروليتاريا، بل بإشراك جميع فئات السكان في البناء سواء أكانوا من العمال والفلاحين أم من البرجوازية. لو سارت روسيا في الدرب الذي رسمه بليخانوف لما ذهبت ملايين الضحايا في الحرب الاهلية ومعسكرات الاعتقال في سنوات القمع الستاليني، ولما جرى إرهاب أحمر وابيض. من جانب آخر في ما يخص العالم، لقد أرغمت ثورة أكتوبر السلطات الرأسمالية على تخفيف استغلال الكادحين، كما أرغمت الإمبريالية على التخلي عن مستعمراتها. والمجتمع الروسي يدرس الآن اخطاء الماضي ويصبو الى تصحيحها وإقامة دولة المؤسسات القائمة على أسس العدالة الاجتماعية والديمقراطية. وغالبا ًما يردد القول استناداً الى أفكار بليخانوف، أن خبرة التحولات الاجتماعية في القرن العشرين تظهر التأثير العميق للإصلاحات بالذات وليس الثورات الدامية.ومهما كان الحال، فسيبقى بليخانوف في التاريخ بكونه أوّل من رفع راية الماركسية في روسيا، وحاول إقامة دولة المجتمع المدني في بلاده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لينين و-العمالة- لألمانيا
ناجح العبيدي ( 2017 / 12 / 16 - 11:37 )
شكرا على المقالة المتوازنة. ولكن هناك ملابسات كثيرة فيما يخص اتهام بليخانوف للينين بالعمالة لألمانيا
من المؤكد أن لينين لم يكن عميلا لألمانيا بالمعنى الدارج للكلمة. ولكن من الثابت أيضا أن لينين كان على علاقة مع الدوائر الاستخبارتية والعسكرية والسياسية الألمانية أثناء الحرب العالمية الأولى وكانت هناك مصالح مشتركة بين الطرفين: ألمانيا في حرب ضروس مع روسيا وتريد احداث فوضى وبلبلة في صفوف عدوها، ولينين يريد القفز إلى السلطة مهما كان الثمن. لقد كشفت مصادر ألمانية محايدة وموثوقة عن العديد من الوثائق والأدلة والحوادث بهذا الخصوص. ولعل أشهرها حادثة انتقال لينين ومعه ثلاثون مقربا منه من بينهم كارل راديك من منفاه في سويسرا المحايدة مرورا بأراضي دولة تخوض حربا مع بلاده منذ 4 سنوات هي ألمانيا. لم تكن الدوائر الألمانية على علم بهذه السفرة الطويلة جدا في أراضيها فحسب وإنما قام جهاز الأركان لدى الجيش الألماني بتوفير عربة خاصة للينين ورفاقه. ربما كانت معاهدة بريست الثمن على ذلك. لهذا لم يكن اتهام بيلخانوف وآخرين للينين بـ-العمالة- لألمانية دون أساس
مع خالص تحياتي


2 - شكرا استاذ عبدالله على هذه الاضاءه زد وبارك فالمعل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2017 / 12 / 19 - 22:50 )
شكرا ثانية-لان المعلومه من جانب واحد تضر قضية صاحبها ايما ضرر-اه لوكنا في العراق نسلك طريق وطن حر وشعب سعيد-اي طريق التحرر الوطني والتنميه وتصفية الاقطاع العبودي في العراق والانتقال الى الراءسماليه بتحويل مجتمعنا الى منتج للحاجات المشبعه لاحتياجاته لديمومة حياة العراقيين لا ان يمر على العراق قرن من رفع الشعارات المتطرفه وتجدنا نستورد خبزنا اليومي من الخارج ناهيك عن جميع متطلبات حياتنا ثصرنا مجتمعا للتنابل بدون اي افق للتحضر لولا فليسات الريع النفطي-علينا ان نردع الخونه الانفصاليين الذين يريدون تفليش بلادنا وعلينا ان نترك الشعارات الفارغه التي تبدو براقه في الدعوة الى بناء مجتمع مدني نظير السويسري في حين لم نحقق بعد مرحلة تحول الكائنات الى بشر حينما بداءت تنتج متطلبات حياتها بعملها المنتج-اتركوا سخافات معاداة الاحزاب الدينيه بفوزها الطبيعي في الانتخابات في مجتمع تنابل واقتصاد ريعي- لنبذل كل جهودنا في الطريق الوحيد المفضي للتقدم في العراق-التنميه الاقتصاديه بترميم وتدوير زراعتنا العراقيه وبناء الصناعه في بلادنا ولنعمل يدا بيد مع المتدينين وغير المتدينين لاقامة المصانع والمزارع الحديثه با

اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من