الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع القاص المغربي محمد عزيز المصباحي بعد صدور مجموعته القصصية قتلتنا الجثة

عبد الكريم وشاشا

2006 / 2 / 27
الادب والفن


تقــــــديــــــــم:
أعدت من جديد قراءة مجموعته القصصية "قتلتنا الجثة" ، زرت موقعه على الويب، حاولت أن أتسلق تضاريس جغرافية قارته القصصية الوعرة، " مهاجرا " بمفهوم هولدرلين ككاهن ديونيزوسي من أراض إلى أخرى في ليل قصصي رمادي .. وكجاموسة حزينة اجتررت معجمه، تأملت تقطيعاته في لحم نصوصه؛ البياضات التي تطرزها الشخوص، التوزيع،المونولوج...

محمد عزيز المصباحي، قاص يكتب منذ السبعينات. من مواليد مدينة مراكش.
يمكن أن نعتبر ساحة جامع الفنا، البدء والمنطلق: صناديق من الكنوز الأسطورية الحلمية، خبرة معتقة من جرار التاريخ الجائر، قدح للبديهة وإبحار تخييلي، وتعدد للغات.
محمد عزيز المصباحي قاص منتج برغم التقاليد الثقافية " العاقر"، وعلاقاتها المحبطة، بحيث أنه لم يصدر مجموعته القصصية الأولى " قتلتنا الجثة" إلا سنة 2005 عن دار " سعد الورزازي للنشر ". اكتفى بنشر قصصه وإسهاماته السردية على صفحات الملاحق الثقافية، والجرائد، والمجلات، له بحوث كثيرة العديد منها غير منشور. يعمل حاليا أستاذا جامعيا، يقيم بمدينة الجديدة، له موقع على شبكة الانترنيت
www.chez.com./medmesbahi


فكان لنا معه هذا الحوار:


س: أستاذ مصباحي، أولا، ما هي حكايتك مع النشر؟


في مجتمع هو خليط من قيم ومظاهر وعقليات ورؤى يحفزها ويرعاها تفشي أنواع متعددة من الأمية وطغيان الجهل واضمحلال القراءة والكتابة وانتكاس الصحافة وعقم التعليم والمناهج التربوية....في هذا الوسط ستكون حكاية أي كاتب مع مشاكل النشر والتوزيع قديمة ولا معنى لمناقشتها... أستغل هذه المناسبة لأوجه تحيتي وشكري لدار نشر : سعد الورزازي، وبالأخص للصديقين عبد الهادي السعيد وأنيس الرافعي لما بدلوه في سبيل أن تخرج مجموعتي إلى النور، كما أوجه قبلات حبي إلى جماعة الكوليزيوم القصصي.
الكاتب في المغرب متروكا عمدا لمصيره، ولورطة وجوده هنا والآن. أن تكتب أو لا تكتب أن تنشر أو لا تنشر أن تمرض أو لا تمرض أن تبقى أو ترحل ... ذلك شأنك ولا دخل لوزارة أو حكومة في ما ورطت نفسك وغيرك فيه .
المهم ، لا تطرح السؤال إذا وجدت أميين ولصوص يتربعون داخل قبة البرلمان ، يشرعون لأمة بكاملها باسم القانون والمسلسل والانتقال الديمقراطي والأوراش .... بينما شباب هذه الأمة يتظاهر أو يعتصم ويربط نفسه بالسلاسل عند عتبات نفس البرلمان.. لا داعي، مرة أخرى، لطرح سؤال النشر.

س: عنوان مجموعتكم "قتلتنا الجثة" عنوان مثير بإيحاءاته وظلاله وانزياحاته
لماذا هذا العنوان ؟

- قتلتنا الجثة هو العنوان الذي سبق لي أن اخترته كاسم لمجموعتي. ربما كنت أطمح إلى عنوان يلم جميع ثيمات القصص ,أو ان تحيل الجثة على جميع الجثث ، سواء منها تلك التي تملأ الشوارع وتتربع في المقاهي وتحتل الإدارات و المرافق ... أوجثث اللغة العربية الكلاسيكية و الأمة العربية و الثقافية القديمة و المؤسسات السياسية والتربوية والاجتماعية التي تملأ الفضاء المغربي يأسا وفسادا وتفاهة... وقد يجد القارئ الكريم جثتا أخرى، إن لم يكن هو نفسه مجرد جثة متحركة تبحث عن لحدها...

س: عندما نقرأ قصص المجموعة قراءة عمودية – جدولية، تتدفق علينا كلمات من معجم "رمادي" : الجثة، القبر، العنكبوت، رجل لا رائحة له، متسول لا ملامح له، العميان... لماذا هذه القتامة والقسوة؟؟

- يمكنني ، الآن، باعتباري قارئا لمجموعة قتلتنا الجثة أن أتحدث قليلا عن المعجم اللغوي الذي يؤسس ويخترق النصوص، على أساس أن نقطة ضعف أي نص أدبي تكمن في معجمه اللغوي. المعجم يمكن أن يكشف كل الخلفيات التي يستدعيها النص، إيديولوجية وثقافية ومعرفية وذاتية...قبل أي حديث يخص مجال الثيمات والأفكار.
المعجم، بصفة عامة يعكس بأمانة الرؤية التي يملكها الكاتب اتجاه العالم والناس والحياة، بل الرؤية التي يملكها اتجاه نفسه واتجاهه الأدبي ومفهومه للأدب وللجنس الذي اختار الكتابة من خلاله. .. أعتقد أن كل كلمة أصابها الإهمال وألقي بها في سلة المهملات تصبح شرسة وقاتمة وقاسية، أي تتحول دلالتها.
الجثة بالنسبة لي باعتباري قارئا ...قد أعتبر اللغة العربية الفصحى جثة وكذلك الأمة العربية جثة والتراث والأحزاب و... كلها جثت ميتة أو في حالة احتضار، تقتلنا يوميا .. أو بالأحرى هي جثة ضخمة تجثم علينا نسميها عادة "بالماضي" ذلك الذي كذبنا على أنفسنا يوم ادعينا أننا قتلناه ودفناه لصالح مستقبلنا .. أو قد تكون هي شخصية المغربي وتصورها النموذجي للمواطن، خليط من الأنانية والترفع و الجبن والانتهازية والارتشاء والتقليد الأعمى لصور الآخرين. ما أجمل بالمرء الآن أن يقرأ كتاب عبد الرحمان الكواكبي في تصوير المجتمع العربي وهو يتهيأ للنهوض " طبائع الاستبداد ".

س: العديد من شخصياتك " تتعنكب "، تنقلب وتنمسخ إلى عنكبوت، هي أزمة وجودية أم هي عودة "الموظف سامسا- الحشرة" لكافكا الذي شوهته دهاليز البيروقراطية ؟؟
ثم إنكم تربطون وجود القصة القصيرة بالذات الفردية، التي ترنو إلى الانعتاق من هذا التاريخ الموروث، لكنك تعزله عن فئته الاجتماعية المغمورة والمهمشة داخل مجتمع طاحن، تاركا له مساربه الداخلية فقط؛ فبدت بذلك الأبواب الأخرى مقفلة، أعني بها أبواب الحوار والتأمل في شرطي الكينونة والتاريخ، كما أوصى بذلك سعد الله ونوس. وحتما سيتحول "الجوع إلى الحوار" الذي دعا إليه الفقيد إلى مجاعة فتاكة... فبقدر ما نقترب من الفردية كما عبر عن ذلك بامتياز ناظم السيد، بقدر ما نغوص في قضايا كبرى وجماعات وأمكنة بعــــمق وحيوية وحساسية جديدة.. وهذا ما رسمته أصابعكم الدامية وأنتم تكــتبون " قتلتنا الجثة ".

- إن كان ظهور الرواية الحديثة يرتبط بظهور" السخرية " باعتبارها قيمة فلسفية وثقافية مرتبطة بتطور مجتمعي تاريخي معين ( أوروبا بين الحربين العالميتين ).. فإن ظهور القصة القصيرة في اعتقادي يرتبط بظهور قيمة جديدة هي " التحول " أو المسخ كما نعبر عنه بشكل جيد في لغتنا العربية باعتباره حالة شخصية يعاني منها الفرد المتعلم ، المثقف في مجتمعاتنا الحديثة( البطل الممسوخ هو توأم البطل الإشكالي في الرواية ). لذلك قد تكون وظيفة القصة وقدرها أن ترتبط بالذات الفردية المعزولة في تحولها ومسخها اليومي وان تجسد بشكل جمالي مقولة باسكال : " إن الصمت الأبدي لهذه الآماد اللانهائية يرعبني " .


س: أزمة واضحة، يعيشها المثقف مع مجتمعه.

- قال له ( لقد سقط أبوك في السوق من فوق ظهر دابته..
أجابه لقد كنت أتوقع ذلك فقد خرج من الخيمة مائلا )
إذا أصبحت العلاقة بين المثقف والواقع بهذا الشكل أو ذاك من التوتر أو الاستسلام و النفاق وبالتالي لاأحد يدري ماذا يفعل المثقف الآن أو ماذا عليه أن يفعل. ولو أن مصطلح المثقف أصبح الآن يزداد غموضا يوما بعد يوم.. هل على المثقف اليوم أن يدعي النبوءة مادامت جميع الظروف مهيأة لذالك أم عليه أن يصرخ بكل قوته وصراحته: إن الأرض كروية الشكل أو بيضاوية الشكل..أو أن ينتحر في صمت...

س: " العزلة والوحدة ليس العيش وحيدا، هي ليست الشجرة الوحيدة المعزولة على المدى، إنما هي المسافة بين النسغ العميق واللحاء، بين الورقة والجذر.. "
تمثلات تعلمنا إياها رواية الربتغالي سراماغو " ريكاردو راييس " ، أحد الانعكاســـات المرآوية العديدة للشاعر البرتغالي الفــذ " فيرناندو بيسوا " ..
هي عزلة داخلية غائرة، شخصياتك تقريبا تعاني هذه العزلة، لكن أهي فلسفة في الحياة أم شروخ وأعطاب ورجات نفسية؟؟

- من حق أي قارئ لأي نص أن يبني أفق انتظاره بالطريقة الممكنة بالنسبة له، وأن يفهم دلالاته بالطرقة التي يريد، وبالتالي من الخطأ أن نقول إن كاتب نص معين هو الذي يملك حقيقته ؟؟ حقيقة النص كامنة في النص ( قصة ، رواية ، فيلم ، لوحة ، نحت..) فهي أقرب إلى المتلقي منها إلى الكاتب.
أعتز وأحترم قرائي وأستفيد كثيرا من طرق قراءاتهم وإبداعهم في تصور المعاني وفي التعبير عنها.





نشكر الأخ محمد عزيز المصباحي على جسر التواصل هذا ونتمنى له مسيرة موفقة في الكتابة والحياة

أجرى الحوار: عبد الكريم وشاشا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو