الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعريةُ - يقظة النعناع - * للشاعر أحمد الخيّال

مؤيد عليوي

2017 / 12 / 18
الادب والفن


تنبلجُ هذه السطور عن تعريف الشعرية عند أدونيس - التي اعتمدها النقد ها هنا- والتي مفادها: نزعة إنسانية قائمة على أخراج مكنوناتها بلغة شعرية لم تحاكِ النسج الشعري السابق لها أو المعاصر، بل هي انتهاك الظاهر بلغة الغيب والباطن النابع من الذات مما يؤدي إلى غرابة وغموض وإدهاش المتلقي ،سواء في زمن الشاعر أبي تمام أو في زمن بدر شاكر السيّاب ،أو في زمن قصيدة النثر .
من هذا المفهوم نستطيع سبر غور سر جمع الشاعر أحمد الخيّال لنصوصه الشعرية المتباينة الشكل الفني في" يقظة النعناع " : بين ذي الشطرين الموزون المقفى،وأحيانا موزون مقفى ليس بذي الشطرين ويطلق عليه ( العمود الومضة )-1-، وبين قصيدة النثر التي أشبهتْ النهر الجاري بين نخيل باسقة من الموزون الشعري، فالشاعر خيّال خاض غبار النقد والثقافة عموماً ،وفتق الدرس الأكاديمي بالبحث الأصيل، كما أنه قد مارس لعبة الألم والشعر منذ ثلاثين سنة أو أكثر، ولو وجّهنا سؤالنا التالي له : لمَ جمعتَ نصوصك الشعرية على هذا الوجه من الإصدار،وهي لم تنتمِ لشكل واحد ،ولا تمثل زماناً واحد ولا حتى تسلسلا زمنياً لها بحسب لحظة الانفلات الشعري كما أؤرخ في حاشية كل منها ؟، بل جاءت دفقة من المشاعر الإنسانية المتواصلة تأخذنا من موضوع وشكل فني إلى موضوع وشكل فني آخر،وكل ما يوصلها ببعضها هي الروح الشعرية الملتاعة في وصفها لظاهرة اجتماعية مفعمة بالإحساس واللغة الفنية ،ومِن حلم لم يتحقق بعد، وعشق صوفي لم يكتمل وصاله،إلى الآمٍ أغلب علاجاتها مؤجلة ولهذا المدلول الأخير ( التأجيل ) بعدٌّ روحي ، أو هو ركيزة ومرتكن لفكرة ما لدى الشاعر في مدوّنه " يقظة النعناع " ، كما نجد الإهداء جاء بدلالة التأجيل أيضاً : (إلى أحلامي المؤجلة)،ومن قصيدة " غياب حلمِ الخطى" :( وكم حلُمتْ... / وكم نزفتْ خطاها / وكم قبل الـ( متى)... خافت فتاها/ وكم ريحٍ بها لفُتْ منافٍ / إلى منفىً / تراه ولا يراها / وكم عشقٍ ... / يؤجّلهُ شروقٌ / فيشرقُ جرحُها... يروي ثراها / كأنّ التيهَ....أنى قد تلاشى/ يواصلُها الوضوحَ/ كما نفاها / ... ) ومن مدلول التأجيل المفعم بالشعرية في صورته الفنية ليؤدي دور الانزياح الدلالي مع الصور الفنية التي سبقته والتي لحقته في وحدة عضوية لكل بيت في القصيدة برمتها ، إذ لا غياب حقيقي في شروق الجرح الذي يروي الأرض بل سيكوّن امتداداً طبيعياً ،حيث يخرج من الأرض المروية دائما ثمار نتيجة الإرواء أو السقي ، لذا نجد مدلول التأجيل يفعل فعله بمعنى أن العشق حقيقي واستمراره هو على أمل اللقاء مهما طال غياب حلم الخطى ،بينما تأخذ شعرية مدلول التأجيل منحىً روحيا من الفجر المنُتظر كما في أخر قصيدة " يقظة النعناع " : ( وتيمّ الماءَ حتى صار أنهرهُ / وأوجع الليل في ناياته السفلى ///// مذُ كان يغسلُ لونَ الورد أجّلهُ / فجرٌ بطعم الندى تهويمةٌ جذلى )، وفي قصائد النثر نتلمس شعرية مدلول التأجيل في نص " باب ": ( " باب " / مثل دموعك / في جسد الندم / ومثل حزني / في تمثال الرحيل / نقف .... / لنفتح باباً / بيدٍ من ريح / وعينين من ضباب / وقلبٍ من شك ) فمِن ( لنفتح بابا) إلى أخر النص مثّـل مدلولاً مستقبلياً لم يحدث بعد بمعنى انه مؤجلٌ أيضاً ، مرهونٌ بموافقة الآخر يعزز هذا المعنى السطر الأخير من النص (وقلبٍ من شك).
وبعد الجلاء من نماذج شعرية التأجيل في " يقظة النعناع " نقرأ عن التحديث في شعرية المدلول التي هي أشبه بالشعر الصوفي من حيث مجازه عند ادونيس والمراد به : ( المجاز، بحسب التجربة الصوفية، ليس بماضٍ ،أعني أنه بداية دائمة، هذه البدايةُ جسر يربط بين المرئي وغير المرئي ، ....) -2- ، وتتجلى في أول يقظة من ديوان النعناع للشاعر احمد الخيّال،إذ المدلول النصي مشاعر فخر وشكر وانتماء لفتوى الجهاد الكفائي دفاعا عن المقدسات والوطن، التي صدرت عن المرجع الأعلى السيد علي السستاني ( دام ظله )،ومن حداثة المدلول في الموضوع والصور الفنية لهذه القصيدة "بياض الياس "– إذ القتال في العراق بأمر ديني يحصل لأول مرة منذ عشرات السنين عند شيعة الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام - ، منها :
(قلبي مع الحشد المقدس يهتف / ودمي على ماينزفون سينزفُ
وهبوا جراح الرمل نبض دمائهم / عادوا لرسم الماء حين تلهفوا
من أمنيات النهر فجرُ قيامهم / وعلى اخضرار السعف نصرا يعزفُ
وعلى ضفاف الحزن شاب نداؤهم / بالحزن أحلام ٌ لهم تتلطّفُ
كانوا السنابل حين كان يبابا / في لون حنطتهم تباهى يوسفُ
فحقولُهم خضرٌ وصوتُ دمائهم / آياتُ ضوءٍ لم تسعفها الأحرفُ
كان العراق مجرةً وهم الكوا / كبُ في مدار العشق حين تصوّفوا )
ومن خلال هذه القصيدة أيضا يشار إلى كل أبناء العراق الذين قاتلوا دفاعا المقدسات وترابه ، وفي مقاربة لموضوع الوطن نقرأ مدلول التأجيل الذي يأبى مفارقة شعرية " يقظة النعناع " إذ على أعتاب قصيدة " أمنيات الماء " نقرأ مطلعها :
( من آخر الوقت المؤجل يشرقُ / من أفق ضحكة وردةٍ تتفقُ
من أمنيات الماء تحت قميصه / يجري ليدرك مشتهاه فيورقُ
صلى على طين الدعاء مرتلاً / إيمانَ لحن الناي سرا يشهقُ
وطنٌ كصوم الأنبياء مطهّرٌ / يغفو على قصب ابتهاله زورقُ )
من الشطر الأول ( أخر الوقت المؤجل تشرق) نرى النفحة الروحية هنا في مدلول التأجيل بإشارة خفيّة إلى الإمام المهدي -عج- ،وهكذا تجري القصيدة ومدلولاتها الوطنية المُعبر عنها بالضمير الغائب مرة – ضمير مستتر للفعل يشرقُ – والضمير الظاهر المتصل - الهاء في قميصه - وكل الضمائر في القصيدة هكذا المراد بها العراق وطن معجون بالروح النقية فـيجيء البيت الأخير :(وطني عراق الحزن ريحه عنبر / همسا بسمع القلب لحنه يطرقُ ) ليكشف عائدية استعمال الضمير في النص بفنية شعرية تجعل الغموض والإدهاش مستمرا ،مكوناً صوره الفنية بكل شروطها من مناسبة الوزن والقافية والمدلول الشعري،مثلما تتكون الصورة الفنية في قصيدة النثر بشعرتيها وشروطها الفنية من ذات الديوان ففي قصيدة " انتظار " هذه الصورة الفنية :( كأن رحيقَ القصيدة / ينتظرُ صبا النحل المغامر /وأجهشُ ببكاء .... في فم النبوءاتِ /والعالمُ الهشُّ / يحترق كأنه .. ... / الليلُ في يد طفل ) أن شعرية هذه الصورة الفنية في داخل المتلقي وهو يرى العالم الهش عالم اليوم وهو يحترق كلعبة بيد طفل دون مبالاة من أغلب سكان هذا الكوكب ، وهذا البعد الإنساني لا تخلو منه قصيدة من ديوان " يقظة النعناع " وكأن الشاعر احمد الخيّال يبوح بحرائق ذاتية معبرة عن لوعة الإنسان في كل مكان، بل كأنه الطبيب لكل الحالات التي كتبها،وهو يشابه إلى حدٍ ما وصف الشاعر محمد رضا الشبيبي في " رسالة الشاعر"،وكلام الناقد د. علي جواد الطاهر عن الموضوع -3- ، حيث قال الشبيبي : ( ولا ريب أن رسالة الشاعر فيما نحن فيه لا تعدو وصفة الدواء بعد تشخيص الداء) .
..................................................................................................
*يقظة النعناع ، شعر أحمد الخيال، دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة ،2015 .
1 - مقاربات النص، د. مشتاق عباس معن ، طبعة إتحاد الأدباء والكتاب في اليمن ، صنعاء ،2006 .
2 – الشعرية العربية ، علي احمد سعيد المشهور في عالم الأدب والشعر بـ( أدونيس )،الطبعة الثالثة ،بيروت، 2000 ، 77 .
3 – الفكر النقدي عند الدكتور علي جواد الطاهر في ضوء القراءة النسقية ، أ . د قيس حمزة الخفاجي، مطبعة دار الصادق، نشر جامعة بابل ، الحلة ، 2012 :284 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل