الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مات الشاعر أحمد بمدينة القنيطرة أمس

كمال آيت بن يوبا
كاتب

(Kamal Ait Ben Yuba)

2017 / 12 / 19
الادب والفن


أتذكر بمناسبة وفاة الشاعر أمس أنه كتب ذات مرة في إحدى قصائده
" سوءاتهم عريانة للريح باعوا و ما شعروا"
و كان يتحدث هنا عن "القضية الفلسطينية" في بداية الثمانينات التي تمت اثارتها في مؤتمر مدينة فاس بالمغرب ايام الحسن الثاني و الذي تم فيه الاعتراف بدولة إسرائيل ...و هو يقصد طبعا الحكام العرب ...
كان يقرأ علي ما يكتب قبل نشر قصائده بمجلة مجرة لدار البوكيلي للنشر بمدينة القنيطرة المغربية حين كنا نلتقي في مقهى اللوكس الفسيحbar Luxالمقابل لسينما بالاس Palace Cinéma والذي صار الآن مجرد متجر للسجائر و الورق والصحف كما أقفلت السينما أيضا أبوابها..
آنذاك كنت أسكن بحي السويسي القريب من فندق هيلتون بالرباط العاصمة حيث كنت أتابع دراساتي العليا .
سألته باستغراب :ألم تجد يا اخي غير "سوءاتهم عريانة للريح" هذه للتعبير عن الفكرة ؟
فأجاب ضاحكا :أنا آسف لم أجد غيرها ..
فقلت له : ألا يمكن القول مثلا "شرفهم البائد باعوا و ما شعروا" ...و لست مسؤولا عن قصائدك السياسية .
فقال لا بأس بها و لكني أفضل "سوءاتهم" هذه .. للتعبير عن أعمال هؤلاء الذين باعوا القضية بأبخس الأثمان..
قلت له : أعتقد أن الأديب يجب ، بما انه يكتب الادب، أن يكون متأدبا في ما يكتب من ادب .و إلا فهل يُعتبر الأدب أدبا إذا كان خال من الادب و اللياقة لتهذيب الآخرين والسمو بهم سيد ّأحمد ؟
فقال: هؤلاء لا ينفع معهم التهذيب ...
و بماذا سينفعك كل هذا أنت ؟..
هل بعد نشرها سيعيدونك لعملك مثلا ؟؟
قال لا اريد عملهم ....
نهضت من مكاني و اتجهت إلى النادل.دفعت ثمن السجائر التي اخذها و ثمن القهوة..و قلت له باي باي عزيزي نلتقي الاسبوع المقبل ...
عرف اني غضبت من كلامه ...لكنه كان يعرف ان غضبي لحظي ...
كنت انذاك اتمنى بعد طرده من عمله ان يعود لعمله .و لم اكن اهتم للامور السياسية .
آنذاك في بداية الثمانينات كان هدفي العام واضح هو النجاح و التفوق في دراستي العليا كالمعتاد.و كنت اقول انه لا شيء يجب ان يعرقل مسيرتي ..و كل الاضرابات التي قمنا بها كان هدفها نقابي لتحسين ظروف دراستنا ...فقد قمنا باضراب عن تاخير المنح مثلا و تمت تلبية طلبنا و عدنا للدراسة فورا..و قمنا باضراب حول تمكيننا من وسائل النقل والاكل في مطعم الحي الجامعي و غير ذلك من الامور العملية التي تمت تلبيتها لنا بسرعة وبدون تردد فعدنا بسرعة لدراستنا..
أما محاولة الكتابة فلم ابدأها الا بعد وفاة والدتي سنة 2009 بسنة تقريبا وكتبت اول مقال بالحوار المتمدن في سنة 2010 بعنوان "هل حرية الاعتقاد و سيادة الناس على ابدانهم مكفولة في الدولة العصرية؟" ..
الشاعر هذا أخي الأكبر الذي عاش بعد موت أخ آخر هو البكر لوالدتي .وُلد و مات قبل بلوغه السنة كان اسمه محمد .كما ولدت وماتت اخت اخرى قبل بلوغها السنة اسمها ريزوكايا و أخت اخرى لا اتذكر اسمها الآن ربما فاطمة .
بطبيعة الحال اخي هذا لم يدرس الكتاب المقدس العبري ولا الثقافة اليهودية و لا الانجيل و لا راجع تاريخ الاسلام والثراث الاسلامي و العربي ..و لا تاريخ الاديان و الحضارات القديمة . كان يتبع الموضة و ثقافة لا صوت يعلو على صوت المعركة و صوت الغضب الساطع آت ...و كفى ..ثقافة الغضب العربي الدائم الى ما لا نهاية ..لم تكن لديه اي فكرة عن اصله الاغريقي .
بعد تحول مقهى اللوكس بار لمتجر سجائر صار يجلس في مقهى طارق القريب منه مع ثلة من المثقفين و الشعراء و المحامين في مدينة القنيطرة منهم القاص محمد بن جلون والقاص ادريس الصغير و الشاعر محمد الطوبي و اخ القاص محمد زفزاف و احد الاخوة الذي كانوا يلقبونه بماركس و آخرون لا اعرف اسماءهم و لكني اعرفهم بشخصياتهم فقط .
قبل شهر تقريبا بينما كنت مارا من شارع محمد الخامس الرئيسي بالقنيطرة إلتقيت أحد الاخوة المثقفين في مقهى باريكو Barigo café مع زمرة من الاساتذة والاصدقاء القدامى. وكان قد جاء للتو من لبنان ...فجلست قليلا معهم ..سألني عنه ..لكن انذاك لم تكن لدي اية اخبار عنه .كل ما كنت أعرف هو انه كان لا يزال حيا و بصحة جيدة ...
لا اعرف لماذا لم يستطع ان يصل لجمهور كبير على صعيد شمال افريقيا والشرق الاوسط مثلا.ربما لوضعه الاداري الذي انتهى قبل الاوان ...
أمس الاول تذكرته و تذكرت ظاهرة الموت ..
فجاء احدهم لنا حاملا خبر موته على الساعة 16 بتوقيت غرينيتش. فعلمت لما ذهبت لبيته انه مات في الصباح ..
لا اعرف هل قرأ كتاب الركراكيون اصلهم اغريقي الذي نشرته بالحوار المتمدن أم لا رغم ان احد معارفه قال لي أنه قرأه ...بعد نشره مباشرة..
لما عدت للبيت مر فيلم الطفل احمد بسرعة امامي و دراسته بثانوية عبد المالك السعدي بالقنيطرة و اشتغاله بالتعليم كاستاذ للغة الفرنسية في ثانوية موحى و حمو الزياني بمدينة اخنيفرة و علاقته بالفنان محمد رويشة في السبعينات. وزواجه من احدى الامازيغيات بمدينة اخنيفرة التي طلقها بدون سبب معقول. و علاقته المتوترة مع الوالدة بسبب زواجه الاخيربمدينة القنيطرة ..و عمله بمدينة قصر السوق التي صارت تسمى الراشيدية و بمدينة ميدالت و تكوينه البيداغوجي بمدينة تطوان و عمله بقرية سيدي بوصبر بنواحي مدينة وزان .وبمدرسة دار بلعامري بنواحي مدينة سيدي ساليمان. و اخيرعمله بمدرسة الينابيع بمدينة القنيطرة ..
لم استطع الاكل يوم امس .
وحتى اليوم لا استطيع الاكل كالعادة ..لا تزال ذكريات اخي تؤلمني ...
بعض الناس الذين كانوا يعرفونه يلقبونه بالشاعر ..فيقولون لي انت اخ الشاعر .كما كانوا يقولون لاختي انت اخت الشاعر.
لا ادري هل سيقولون لنا نفس الشيء بعد موته ..
كان كذاك الطفل الذي ربما لم يفهم كيف يشتغل المجتمع في المغرب الا متأخرا ...فضاع مثلما ضاعت احلام الكثيرين دون تحقيقها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل