الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يحقق الوحدة الوطنية ؟

خالص عزمي

2006 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


القبة تبكي ذهبا ؛ والدموع تهيم على وجهها في ذلك السراب الغادر المصنّع المقنّع ؛ وقلوب يتنازعها الرعب والفجيعة وغياب الاحبة ؛ واخرى ينام في نبضاتها اليتم .( سر من رأى) تلك المدينة التي احتضنت المعصومين لاكثر من احد عشرقرنا وحرستهما بحبات القلوب والأمان ؛ فأغدقا عليها من كرمهما وعطفهما الرزق الحلال والحنان ؛ تهب عن بكرة ابيها ممزقة الجيوب محرقة العينين مكلومة الفؤاد وهي ترى قبة ضريح اماميها الطاهرين وقد تناثرت الواحها وتبعثرت زخارفها وريازتها ؛ وما هي الا سويعات حتى تناقلت البرد انباء دك بيوت الله لتتحول كالحصباء في الطوى الغاضبة ...
اية نكبات تلك التي تحل بالعراقيين وهي من الكثرة المفرطة ؛ بحيث لا تجد لها مكانا بين تزاحم مواكب السبايا وتشابك الآلام في الخبايا والحنايا .. أليس من الغبن الفاحش والقسوة المتناهية ان يجازى ( العراق ) واهب الحضارات ؛ ومبدع العدل في دنيا القانون ؛ بكل هذا الظلم الغاشم ؟!!

ها هم ابناء الرافدين وهم يشاهدون مآسيهم بعيون تكاد لا ترى سوى شلالات الدم المستباح وهو يرش حبات احزانه المكلومة على شرفات البيوت ؛ واسطح الجوامع والصوامع ؛ انها وثيقة تأريخية سوداء تروي نكبة تدنيس ووامتهان قبة العسكريين المعصومين ومساجد نقية يذكر فيها اسم الله وبأسم الرحمن.

ها هم ابناء الفراتين ؛ وهم يسمعون بأذآن يحاصرها الصمم ؛ ازيز الرصاص؛ وعويل الثكالى والارامل ؛ وصراخ الايتام ؛ ؛ فيتلفتون مستغيثين فلا يرون سوى أاشلاء القتلى ؛ وأجساد الجرحى وهي مبعثرة في الطرقات تنهش بها الكلاب المسعورة ؛ بينما الظلام الكئيب يلفهم ؛ ومنع التجول يضرب بجرسه المتعب ؛ فيركض من عاش من أولئك البؤساء نحو دورلا نور يسطع في غرفها ؛ ولا مدفأة تلف حرارتها اركانها ؛ و لانغمة بهيجة تصدح في جنباتها ؛ سوى شمعة واحدة تحتضنها الاسرة ؛ وحديث الالم المكرور الذي لا ينتهي الا ليبدأ مجددا ؛ في حين ينعم عالم آخر عبر المحيطات بكرنفالات المرح السابح في ألوان من النور والمو سيقى محتضنا الدفء متنعما بالعيش الرغيد ؛ ساخرا بأولئك الذين يهدمون عمائر رموزهم ودور عباداتهم و ينحرون ابناء جلدتهم بسكاكين مصدرة من مصانع الغل والتدمير .

ان اجهزة الاعلام المختلفة ؛ والتي ينضوي تحت بيارقها مئات الكتاب والمتحدثين والخبراء ؛ تبرز صباح مساء ( بحسن نية او بسوئها ) أخبار التناحر ما بين طائفتي ( السنة والشيعة ) فتؤجج الصراع وتزيده اشتعالا وخاصة ما بين الطبقات البسيطة التي لا يعنيها التحليل والتسبيب ا والهدف الخفي .
لقد سألت احد القائمين على احدى الفضائيات عن سبب التركيز على هذه الصيغة الطائفية المقيتة(الشيعة ... السنة ) اجابني : ان اغلب الفضائيات التي تضع هذه التسمية في حوارتها ونشراتها وتعليقاتها ؛انما تقصد الدقة وتسمية الاسماء بمسمياتها !! قلت : اذا كان الامر كذلك ؛ فلماذا تلجأون الى التعميم في جهة ما والتخصيص في جهة اخرى ما دام الامر يتعلق بالدقة في التعبير ؛فمثلا لماذا لا تخصصون بدقة محددة حينما تتكلمون عن المسيحيين كأن تذكروا ( البروتستانت ؛ الكاثوليك ؛ الانجليك ؛ الآرثدوكس.. الخ) او ان تحددوا (اية مذاهب من الشيعة واية فرق من السنة ) بل الى اية جهة ينتمون ( العرب ام الكرد ... الخ ) هذا اذا كان القصد ( حقيقة )هو دقة المعنى والمبنى . هنا سكت محدثي ولم يجب !!!
ان هذا التفريق المتعمد بصيغته المعلنة ؛ يختص حصرا بالتعبير السياسي الطائفي ؛ فنحن نقرأ و نسمع بان هذا الوزير( شيعي) من كتلة كذا ؛ وذاك الوزير ( سني ) من تيار كذا... الخ ؛ في حين لو كان الامر عاما( وغير مقصودا لذاته في دنيا المحاصصة ) لسمعنا من يقول :( الجراح الشيعي ؛ او المهندس السني ؛ او المطرب الكاثوليكي ؛ او الموسيقار الشافعي ... الخ ) .فهل ان مثل هذا التصنيف البغيض قائم ؟!!!
اذن ما دام الامر مختصا بالساحة السياسية وحسب ؛ فلماذا لاتكون مثل هذه الاشارة (ان كان لابد منها ) مقتبسة من الانتماء السياسي ذاته دون الطائفي كأن يقال ان فلانا وزير ( من الدعوة؛ اومن الفضيلة ؛ او من التوافق ؛او من الحوار) ... فنبعد الطائفية عن واجهة الاحداث ونقبر اللفظ في مهده الى الابد .
ان اجهزة الاعلام كافة والمحدثين وخطباء دور العبادة والكتاب ... الخ مسؤولون مسؤولية مباشرة عن تسويق وترويج مثل هذا التعبير( المفـــّرق) ؛ لذا فالواجب الاخلاقي يقتضي التوقف عن هذا الترديد البغيض ؛ كأسهام أنساني متواضع في رفع الحيف عن الشعب العراقي الذي لم يعرف بتأريخه كله تشظيا طائفيا كهذا الذي تثيره الاقلام والألسن .

ان الذي يعيد للشعب وحدته الوطنيه ؛ ليست دعوات هذه الجماعة او تلك المرجعية او ذلك التيار وحسب ؛
فلا نضع الحمل الثقيل عليها لوحدها ؛ بخاصة وان ليس كل افراد الشعب العراقي منضوين تحت هذه او تلك ؛ بل ان الذي يحقق للوطن وحدته (ولنأخذ الامر بمنتهى الجدية )؛ هو دعوات كل الفئات الدينية والعلمانية ؛او من تتشكل منها النخب كالكتاب والاكادميين والعسكريين والعمال و الفلاحين والطلبة و الكسبة وربات البيوت ... الخ اذ على هؤلاء وغيرهم( ضمن واجبهم المقدس نحو الوطن ) ان يعلنوا بعبارة ( واضحة ؛ صريحة ومباشرة ) وبشكل متواصل ... ان انتماءهم لهذه الطائفة او تلك لا يعني ابدا أية صيغة طائفية تهدف الى التناحر والتفرقة وتؤجج روح الصراع والعداء .
.ويستطيع الشعراء بقصائدهم والرسـامون بلوحاتهم ؛ والمعـــلمون بدروسهم ؛والمطربون بأغانـــيهم ؛ والمحدثون بندواتهم ؛ والكتاب بمقالاتهم والممثلون بمسرحياتهم وتمثيلاياتهم ... الخ ان يلعبوا دورا رياديا وتأريخيا مشرفا بالدعوة الى الود والاخاء عبر كل الآليات والاساليب الاعلامية (المقروءة والمسموعة والمرئية) : محققين بذلك نصرا مؤزرا على اعداء التلاحم ؛ يوصلهم الى هدفهم االمنشود الذي ترفرف فوقه راية وحدة الشعب والولاء للوطن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي