الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسد في السينما التونسية صورة فنّية بمضامين واقعية

سناء ساسي

2017 / 12 / 21
الادب والفن


أصبح الجسد مادّة الفعل الإبداعي و الممارسة الفنية المعاصرة و لغة الإنسان في التواصل ومادّة يتساءل من خلالها عن ماهية وجوده وأصبح مادّة يشكلهّا الفنان حسب إرادته ويطوّعها بحسب رؤيته : فحضور الجسد في السينما التونسية مثّل حضورا طاغيا إستحوذ على الصورة السينمائية بحيث أصبح خامة فنّية يعمل عليها السينمائي كمجموعة رموز ودلالات و كخطابا وكصورة توحي بواقع هذا الجسد المنفتح ظاهريا والمخنوق والمكبوت داخليا فوظّف ببلاغة بصرية جديدة تحرّر من خلالها وتحدّى واقعه وتحوّل من جسد واقعي مشوّه إلى جسد جمالي فنّي يطرح قضايا كانت ممنوعة ومحرّمة ورفع الستار عن مجتمعه فأصبح الجسد مرآة السينمائي و عينه التي لا تنام والكاشف عن مرجعياته الفكرية في جماليتها وبشاعتها في عمقه و سطحيته في ظاهره و باطنه :فالجسد في السينما ينقل لنا واقع حياتنا بكل تفاصيلها ويعكس فكرنا هذا ما عبر عنه الفيلسوف جيل دلوز بقوله: " إن مواقف أوضاع الجسد لا يمكن فصلها اليوم عن الحياة و والفكر فالجسد ليس مجرّد وسيط بل وهو مرآة الفكر لأنّ السينما تستطيع من خلاله ربط الصلات بين الروح و الفكر" .
هكذا كان الجسد و لا يزال الدّافع الأساسي عند المبدع السينمائي التونسي لخلق وإبتكار ما يتوافق مع الواقع الملموس وأداته التعبيرية ووسيلته الخطابية ليبلغ رسالته إلى جمهوره.
ليصبح الجسد الرهان الأساسي للمبدع السينمائي و المنطلق الأوّل الذي إعتبره جوهرا فكريا وجماليا وجب البحث فيه لأنّ السينما تمثل صورة العصر و الجسد فكره أو كما يقول ميرلو بونتي" الجسد متخيّلا جماعيا" .
فموضوع الجسد يعدّ موضوع قديم جديد و آني لأنه مازال و لا يزال موضوع رهان الفكر والفن المعاصر الذي يبحث في أسراره و يتعمّق لفهم هذا الوجود المتمثّل في الجسد خاصة وأنّه كلما تطوّر تاريخ الذهنية البشرية إتسعت الآفاق الدلالية له، هكذا يكون الجسد منفتح باستمرار ليس كيانا منغلقا في مادّيته الخالصة فهو ينفتح على العالم وعلى الآخر و على ذاته .
أعطت السينما للجسد وجوده الثقافي عبر الرمز و وجوده الفكري عبر الخطاب و وجوده الجمالي عبر الصورة ليصبح جوهر و موضوع إبداعها التي تعكس الواقع و أمل الغد فالجسد تصوّر يعبّر عن المتغيّر و الثابت ، عن الظاهر و المخفي ، عن السطحي و العميق تصوّر يعكس صورة الحياة بكل مظاهرها.
فمن خلال الجسد إستطاع الفنان ربط العلاقات وربط الصلات بين الفكر و الروح ، بين الواقع المعاش و الواقع المراد عيشه فمع السينما أصبح الجسد جسد مفكرّ يحمل أكثر من قراءة و أكثر من تأويل وليس مجرّد صورة جمالية سطحية بل هو صورة فكرية تعبّر عن واقع الإنسان المتغيّر المعبّر عن نفسه وعن قضاياه المتنوعة بصورة جمالية .
هذا الحضور الطاغي للجسد في السينما التونسية أثار عديد التساؤلات حول علاقة الجسد بالصورة وعلاقة الجسد بالقيمة و المضمون وكيف شكّل مدخلا مهما لقراءة تلك التحولات التي تمثل تفاعل واقع الجسد مع الصورة السينمائية . فالجسد في السينما لا يصوّر إلا ما هو كائن لكلّ الأحداث التي يعايشها الانسان وما تعايشها الشعوب لهذا يعدّ مرآة الواقع و أكيد ليس هناك صورة سينمائية دون حضور الجسد والتفاعل معه إيجابا أو سلبا .
تكمن اهمية الجسد في مركزيته الفيلمية بحيث لا وجود لفيلم دون جسد و لا يبلغ الفيلم معانيه الدلالية إلا من خلال حضور الجسد و لهذا حضوره في السينما ليس مجرّد صورة جمالية للتعبير عن قضايا الانسان و إنما أيضا هو فكر و نقد لمجموعة من العلاقات الداخلة و الخارجة العلاقات الدلالية و الرمزية التي تشكل جوهر الواقع و عالما من المعاني لذلك يعتبر الجسد في السينما التونسية هو تشخيص لمجموعة من التصوّرات و الأفكار و الأحاسيس لمضامين إجتماعية كمظاهر الإغتصاب أو مظاهر إكتشاف الجسد الذي يعتبر عالم مخفي و ساحر عالم دعا الطفل لإكتشافه و الاحتفاط به في مخيلته هذا ما جاء في فيلم الحلفاوين للمخرج فريد بوغدير أو يحمل الجسد مضامين سياسية كمظاهر التعذيب و الاعتقال هذا ما ابرزه النوري بوزيد في فيلم صفائح الذي عرض سيياسة التي انتهجتها السلطة لمجرّد معارضة الشباب لسياستها او فيلم الحنظل لمحمود الجمني و غيرها من الافلام التونسية التي عرضت و نقدت سياسة الدولة التي اعتمدتها انذاك لكلّ من يعارضها يجد نفس المصير ألا و هو تعذيب الجسد و التنكيل به أو يحمل الجسد مضامين تاريخية لمرحلة معينة عاشتها البلاد كفيلم صمت القصور للمخرجة التونسية مفيدة التلاتلي التي عرضت لا مبالاة البايات بمعاناة شعبهم و الاهتمام إلا بمتعهم الليلية حفلات ليلية و إستغلال جسد الخدم و وإستعبادهم جنسيا ليصبح الجسد في السينما فكرا و صورة وخطابا يحمل من الدلالات و المعاني ما يثري قيمته المعرفية و لذلك فالجسد دائما في قلب الأحداث وفي قلب الواقع سواء كانت أحداثاً سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية حاضر رغم كل شيء في الفنّ السينمائي وخالدة خلود الصورة السينمائية و لذلك فالجسد مطالب أمام واقع بأن تكون في قلب الأحداث و ليس خارجها .
برز الجسد في الأفلام السينمائية ذات المضامين السياسية يحمل من القلق والسوداوية ومن بشاعة المراحل السياسية التي خلفت الحزن والانهزام والتشتت ما جعلهم يصرخون من رحم المعاناة و جعل من الافلام التي تحمل المضامين الاجتماعية توثق كل التجاوزات التي مورست على الجسد والتي عانى منها الشعب التونسي ظواهر تعتبر غريبة عنا و عن تقاليدنا كالاغتصاب و الاستعباد و غيرها من المظاهر التي انعكستّ في الأعمال السينمائية التونسية التي لم تهتم بتجميل الواقع ولا بتشويهه بل بتوثيق الأحداث بهدف إصلاح هذه الممارسات.
هكذا يكون الجسد مشروع متحوّل غير قابل للديمومة متجدّد بتجدّد الظروف الواقعية له فالسينما جعلت من الجسد بناء رمزي و حقيقة ثقافية تحمل من الدلالات لا نهاية دلالات تعبر عن مضامين مختلفة خاصّة أن الجسد ينظر إليه كإمتداد للفضاء الإجتماعي و كإمتداد للفضاء السياسي وكإمتداد للفضاء التاريخي و غيرها إنطلاقا منه بل في كينونته الواقعية يكون وعاء لمعاني مسكونة بهاجس الواقع المعاش و المراد عيشه : فالجسد السينمائي هو جسد واقعي و المحرّك الأساسي لبناء المعنى في الإبداع الفيلمي لهذا صار علامة و رمزا و إستعارة ونسقا دالا و كينونة فنية وثقافية قابلة للقراءة والتحليل ، هكذا يكون الجسد في السينما التونسية صورة فنية بمضامين واقعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس