الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة ماطرة

رنا حمودة

2017 / 12 / 21
الادب والفن


على شُرفة الضجر..وقفت تراقب المطر ..زخّاتٌ قوية تتهادى من السماء تضرب الأرض وتعود لتتناثر في المكان .. رياح شرقية تُطيّر شعرها في رقصة غجرية وبعد ومضة نور تُرعد الدنيا لتكتمل واحدة من أكثر سيمفونيات الطبيعة سحراً على الإطلاق .. وبينما هي مأخوذة بمعزوفة السماء خرجت إليها والدتها ...بنيتي ألا تدخلين ..أرى الجو بارداً وأخاف أن تصابي بنزلة برد .. التفتت اليها وابتسمت .. أمي ، وهل تظنين أن نزلة البرد ثمن باهظ جداً يستحق أن أترك لأجله متعة استثنائية كهذه؟! .. أم أننا تعودنا دائماً أن نتنازل عن الأشياء الجميلة لأننا فقط لا نريد أن ندفع الثمن؟..
ردت عليها أمها بابتسامة ونظرة هي تعرف ترجمتهما جيداً ... تختلط فيهما أحاسيس الإعجاب بفلسفتها المميزة في الحياة بأحاسيس الخوف عليها في عالم يسير باتجاه مختلف تماماً عن خط سيرها.
- أمي ... انظري إلى هذين الشخصين ..
- من تقصدين ؟!..
- أقصد ذاك الرجل وتلك الجميلة ..لهما زُهاء العشر دقائق يمشيان .. ألا تشعرين أنك تشاهدين مشهداً مكرراً من فيلم عربي ... رجل مهندم بصحبة فتاة جميلة تحت المطر يخلع معطفه الدافيء ليغطي أكتافها من البرد ويضمها إلى جانبه تحت الشمسية..
ما أظن وراء هذا المشهد المستنسخ سوى علاقة تقليدية .. الابتكار دائماً هو وليد التمرد على كل ما هو تقليدي..
لو تعرف المسكينة أنه في حضرة الحبيب والمطر تَحْرُم الشمسيّات والمعاطف الدافئة ... لو كنت مكانها لتركت المطر يبلل شعري ويرسم على وجهي ملامح أكثرَ عنفواناً ويغير تلك الأناقة التقليدية إلى أناقة من نوع مختلف تليق بهذه المناسبة التي على غير موعد .. وهل أجمل من ثوب تزينه حبات المطر؟!..
لو كنت مكانها لغنيت له الأغنية التي يحبها ...هي فرصتي مع هذه الأوركسترا التي يعلو صوتها على أداء صوتي المتواضع حتى أغني بثقة مضحكة وكأنني أفضل مغنيات الأوبرا .. لو كنت مكانها لرقصت تلك الرقصة التي عجزت أن أجيدها فأقع مكاني و أَتعلل .. هي الرّيح .. هي رطوبة الأرض أما أنا فرقصتي خرافية !!..
لو كنت مكانها لركضت بعيداً عنه و أَخبرتهُ أني راحلة لأنه نسي يوم ذكرانا هذا العام وأضحك فيختلط الجد بالهزل ويركض خلفي ليقنعني أن ما حدث كان مجرد سهو وأن كل أيامنا عيد وعندها أكون قد أخذت بثأري الصغير لكن على طريقتي الشقية .
لو كنت مكانها ما قبلت أن أسير تحت الشمسية وأضيّع على نفسي يوماً رائعاً تحت المطر .. إنْ وقعتُ كانت فرصة لأرى في عيونه خوفه عليَّ و إِنْ مرضت كانت فرصة لأنال اِهتمامهُ أكثر لليلة أو ليلتين حتى أشفى .
التَفَتتْ اليها امها وقالت : أَنِت دائماً مختلفة .. ولأنك كذلك أَنتِ على الشرفة وهي معه تحت المطر ... برأيك من الأفضل ؟!..
أمي ..وهل تظنين أن وقوفي وحيدة على الشرفة أكثر مللاً من هذا المشهد المكرر .. أي علاقة هذه التي تشبه كل شيء في هذا المجتمع .. انظري !!.. كما توقعت سيارة فارهة .. اظنها سيارته .. فتاة بهذا الجمال لن تقبل برجل أقل من هذا الثراء .. كما هو الحال مع كل القوانين التي تحكم اختياراتنا في مجتمعاتنا العربية.. اللون والشكل والعرق والمادة وكل شيء إلا المشاعر أو بمعنى أدق كل شيء إلا ذلك الالتقاء الروحي المميز الذي يمكن أن يجمع بين شخصين .. مجتمعاتنا في كل الأمور تهتم بالفروع وتنسى الأصول والأصل في الإنسان روحه .. حتى عند الموت يفنى الجسد وتبقى الروح ..
ها هو قد فتح لها باب السيارة وركبت وغادرا على نفس الطريق الذي سلكه غيرهم ...
سيعودان إلى نفس المنزل البارد وربما يتحدثان الكثير من الكلام المعتاد وينامان على سرير واحد وفي ذهن كل منهم سؤال يحيره .. أشعر بشيء ينقصني لكن لا أدري ما هو ؟!..
وسيبقى هو وستبقى هي في هذه الحيرة و لربما في لحظة عرفا أن ما ينقصهما هو الحب .. الحب الحقيقي الشيء الوحيد الذي لم يحاولا اختبار وجوده بينهما منذ البداية .. هو اختارها لأنها جميلة وهي اختارته لأنه ثري .. وتقمص كل واحد منهما تلقائياً دور العاشق وصدَّقا الدور الذي باركه مجتمع يفكر بنفس الطريقة .
أتدرين لماذا لم يتجرأ أي منهما على التجرد من تلك الطريقة التقليدية في التعبير عن الود تحت المطر ؟!... لأنهما لن يستطيعا أن يعبرا بأكثر مما حفظاهُ عمن سبقهم عن شيء يفترضان وجوده افتراضاً ولأنهما إِنْ تركا نفسيهما على سجاياها سيظهر الكثير مما يخفيه كل منهما عن الآخر ... ستبقى هي تخشى على تسريحة شعرها وأناقتها .. على شكلها الجميل الذي ان ذهب ما كانت لتعجبه بعدها وهو يخشى إِنْ لم يُدفّئها بمعطفه أن تمرض وعندها لن يستطيع أن يمثل باقي دور طويل ليوم أو يومين .. تُرى إن تعطلت السيارة هل ستقبل الجميلة أن تكمل الطريق معه مشياً على الأقدام؟!..أنا لا أظن ...
- وأنا أظن أنّك ان بقيتِ على نفس طريقة تفكيرك هذه ستبقين وحيدة على هذه الشرفة..
- لا لن تبقى وحيدة ..
التفتتْ الى الجانب الأيمن فإذا بصاحب الصوت يقف على الشرفة المجاورة ...
- لقد سمعتْ الحديث من أوله وللحظة يا سيدتي شعرت أنك تتحدثين عن نفس ما يجول بخاطري وأنا أنظر إلى نفس الشخصين .
سيدتي .. هل تسمحين لي أن أرافقك برحلة تحت المطر لكن دون شمسية ؟!
تسمرت مكانها ولم تنطق بكلمة ... بقيت للحظات تتأمل عينيه .. وعندما أفاقت من صدمة الموقف نظرت حولها و قالت: لكن توقف المطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا