الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كراس:..التوظيف السياسي للفكر الديني

جاسم العايف

2006 / 2 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر للباحث (هادي محمود) اخيرا كراس بعنوان (التوظيف السياسي للفكر الديني)* يحدد فيه ما هو مشترك في البحوث التي يتضمنها وأولها المنهج الذي كتبت به هذه المقالات, وثانيها الحقل المتخصص الذي يعمل عليه الباحث, والباعث لديه في ذلك إلقاء الضوء على العلاقة التي تربط الفكر الديني بالعمل السياسي حيث يحتل التطرق للمسألة الدينية وللإسلام السياسي في العراق أهمية قصوى في الوقت الراهن ، فالتيارات الإسلامية السياسية بكل أنواعها واتجاهاتها ذات حضور مؤثر في الحياة الاجتماعية- السياسية العراقية بشكل عام وتلك القوى تطرح توجهاتها وبرامجها وخطاباتها من خلال الدمج بين الإسلام كعقيدة وعبادات وقيم إيمانية أخلاقية وجدانية للربط بين مشروع الإسلام السياسي وعلى وفق تصوراتها و المتمثل بالدولة الدينية والتي تعتمد على أسس الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع وينحو مشروعها السياسي-الاجتماعي لخلق هوية أسلامية للدولة وأسلمة المجتمع فعليا من خلال فرض أنماط معينة للسلوك الاجتماعي و طرق الحياة المعيشية الفردية – اليومية مستندة في رؤاها هذه على الهوية الإسلامية للأغلبية الجماهيرية والتي هي في حقيقتها ومراميها هوية حضارية شعبية متدينة فطريا ووطنية ايجابية وجدانية أكثر من كونها هوية سياسية- دينية وذلك لكون الوعي الديني الشعبي وتجلياته من خلال الممارسة الدينية اليومية –الطقوسية –لا تُفسر بعوامل الإيمان الثابت والراسخ فقط بل تميل إلى عوامل اجتماعية- سياسية متغيرة وان المسار المعقد والملتبس للعلاقات الأجتماعية المتشابكة مع المصالح الفئوية النفعية بالذات يقود بالضرورة للبحث في العوامل المستترة تحت سطح العلاقات الاجتماعية وان عوامل الصراع المتواصل تاريخياً على المصالح الاجتماعية لا ينحصر في الهويات-الدينية والقناعات الإيمانية الشخصية فقط لأنه في حقيقيته حراك اجتماعي يتجلى مظهره الفعلي في الانحياز من أجل مشاريع سياسية آنية أحياناً ومختلفة في الغالب وهو صراع مادته الماضي إلا انه في واقع الأمر يتعلق بالحاضر من اجل الإمساك بالمستقبل ويمكن الاستدلال بكل وضوح على ان المصالح المشروعة والمتغيرة(زمكانيا)تؤدي الى البحث في النص الديني المقدس لتلبية الارادات العارمة-البشعة في الغالب لرجال السلطة السياسية في تداول ذلك النص وخضوع بعض رجال الدين-العلماء منهم بالذات-لتأسيس انظمة من الرؤى والأحكام الفقهية وبما يلبي وينسجم مع طموحات الحكام وقد أدى ذلك إلى وقوعهم تحت ضغوط دائمة سلطوية قهرية تطالب وتسعى من اجل وضع الفقه وتفسيره واستنباط الأحكام منه لخدمة الحكام ورغباتهم الدائمة ولا يمنع ذلك من وجود بعض علماء الفقه ممن تمسكوا بإراداتهم الحرة ومفاهيمهم الإنسانية ساعين بجد وإخلاص نادر، لتأسيس فقه ديني يتفق مع (الإرادة المتعالية)التي خلف النص المقدس من اجل الحياة اللائقة للإنسان في الأرض باعتباره ظلا لتلك الإرادة. ويحدد الباحث رؤيته كيساري- ديمقراطي من خلال تجنب النظرة العدمية للتراث ودفع الأمور باتجاه عقلاني تقدمي منفتح على منجزات الفكر البشري وعلى استيعاب الديمقراطية كقيم وكأسلوب حضاري في الحياة اليومية وعدم التعامل مع مفهوم الديمقراطية كآليات أو اختزالها في مفهوم الأكثرية والأقلية (ص ص3،4) ويتناول في مبحث خاص (الفهم المتجدد للظاهرة الدينية في مجتمعنا)نائيا ببحثه عما هو معروف من مواقف البعض السلبية عن الظاهرة الدينية وتجلياتها السياسية. وحول مفهوم الإرهاب الذي أصبح بعد أحداث 11 أيلول من خلال أجهزة الإعلام الغربية وبعض المفكرين الغربيين المعبرين عن المصالح الواضحة للفئات المتنفذة في مصادر القرار العليا لتلك الدول وذهنيتهم المبنية على (صدام الحضارات) و بات الإرهاب ملتصقاً بالإسلام والعرب والمسلمين حيث يترادف( الإسلام والعنف) و (العرب والإرهاب) من خلال تعامل هؤلاء – ورثة الاستشراق الاستعماري- مع النصوص الإسلامية المقدمة بقصدية و ضمن سياق يجرد النص من الواقعة التاريخية المترافقة معه والباعثة إليه لإضفاء المشروعية المتواصلة على حوادث وسير وسلوكيات دفعت إليها الأوضاع الاجتماعية السائدة قبل أربعة عشر قرناً ، ووصلت إلينا عبر موروث شفاهي خاضع للاجتهاد البشري. ومن النادر اتفاق اغلب الفرق الاسلامية و العاملين في الحقول الاسلامية عليه في حينه، والآن كذلك، ومحاكمة تلك النصوص بعد تجريدها من عواملها التاريخية ودوافعها الآنية كأجندة متلازمة بمعايير العصر الراهن ويجري الدمج بين الأفعال الإجرامية لبعض القوى (المتطرفة الإسلامية) وممارساتها التي تعتمد الفهم البشري للفكر الديني ويربط ذلك مع كل النتاج الفكري العربي – الإسلامي عبر التاريخ حيث يتناغم هذا النهج والمنهج وبسوء النوايا في تحليل التاريخ والتراث والمعتقد الإسلامي على أسس ذرائعية وتبسيطات وخرافات تعكس النكوص اللاعقلي في فهم التاريخ وحوادثه خاصة حينما تعتمد القنوات الإعلامية الغربية الفكرية وبعض مفكريها وجهة نظر بعض القوى (الإرهابية – السلفية- حلفاء الامس-) من الذين كانوا (ضيوفا أعزاء) في عواصم مثل لندن وباريس وبرلين وواشنطن وتم التغاضي عن نشاطاتهم الفكرية وصلاتهم التنظيمية وقدراتهم المالية وتبيض حتى أموالهم معروفة المصادر وتعتمد اغلب الأنظمة العربية على ذلك لمواجهة التيارات اليسارية الديمقراطية عامة و خصوصاً التيار الماركسي والأحزاب الشيوعية، مانحينهم المنابر العلنية للحديث باسم الإسلام دون أن يكونوا مؤهلين فكريا و شرعيا أو مخولين من قبل ملايين المسلمين ومفكريهم المتنورين الذين يؤكدون بأن الأصل في الإسلام الإباحة والحرية في العقيدة وفي أمور الدين وان الإسلام يخلو في حقيقته وجوهره من الدعوة إلى إلغاء الآخر أو إلى فرض الأمر الواقع عليه وبدلالة النصوص القرآنية والسيرة النبوية التي تذهب في هذا المنحى. ويحدد الباحث بعد استقصاء واسع في أن الإرهاب ظاهرة بشرية تاريخية قديمة مرتبطة باستخدام العسف و العنف والإكراه والإرهاب في التعامل مع الآخر و سمة من سمات الإمبراطوريات المتعاقبة عبر التاريخ وفي جميع انحاء العالم وليست حكرا على دين واحد فقط، لكن يتعلق الأمر بالكيفية التي يجري فيها استخدام الدين والفهم البشري له وتوظيف ذلك في المجتمع. ويبحث(إشكالية الأنا والآخر في القضية الطائفية)ويرى ان هذه المسألة تخضع في مراميها ومجالاتها التداولية في الطائفة الواحدة ووهم وحدتها المزعومة او تمثيلها الأحادي من قبل جماعة معينة انتدبت نفسها لذلك دون تفويض من احد وسيكرس ذلك الوهم التقوقع داخل الهوية الطائفية عبر منطق التماثل والمطابقة والثبات والحفاظ على الجوهر الحقيقي المرجعي للطائفة والمذهب(ص33) بينما يكشف الواقع الإشكالات الواضحة بين الفئات والأحزاب المتنوعة والمتنازعة على النفوذ داخل الطائفة الواحدة من جهة والطوائف الأخرى من جهة ثانية ,ولحل تلك (الإشكالات والتنازعات)لابد من فسحة الوطن الواحد والسلام الاجتماعي ضمن أُسس الحوار الديمقراطي التوافقي العقلاني وإعلاء مفهوم المواطنة أولا والتعامل مع مفهوم الهوية بابعدادها المتنوعة المتغايرة المنفتحة كهوية (مغايرة-متواصلة).ويدرس كذلك(الخلفية التاريخية لمفهوم مشروعية السلطة في الاسلام). بحوث الاستاذ الباحث (هادي محمود) وبما احتوته من رؤى وطروحات محاولة علمية للفهم المتجدد لكافة جوانب الظاهرة الدينية في مجتمعنا حاليا,وهي دعوة مخلصة لكسب الجماهير الشعبية المتدينة بحسها الشعبي الفطري وتوقها للعدالة الاجتماعية من اجل مشاركتها الواسعة والمؤثرة في تكريس حاجاتها المتزايدة إلى الحريات المدنية ـ الديمقراطية المرتبطة بهموم هويتها الوطنية وأوضاعها الاجتماعية- الاقتصادية,لان ساحة الصراع الفعلية هي الأرض التي يحيون عليها والذين يسعون بدأب وتفان لتغير شروط حياتهم عليها أولا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
*(سلسلة قضايا فكرية)-الناشر/طريق الشعب/مطبعة دار الرواد المزدهرة/بغداد/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوى تعليقات على كابلز وفيديو كليبات مع بدر صالح ????


.. خوارزميات الخداع | #وثائقيات_سكاي




.. من هي وحدة عزيز في حزب الله التي اغتالت إسرائيل قائدها؟


.. رئيس التيار الوطني الحر في لبنان: إسرائيل عاجزة عن دخول حرب




.. مراسلتنا: مقتل قائد -وحدة عزيز- في حزب الله باستهداف سيارته