الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كم يحتاج واحدنا إلى -غالا-

عبد الرحمن جاسم

2006 / 2 / 28
الادب والفن



وغالا لمن لا يعرفها، هي غالا إيلرود، زوجة وحبيبة وملهمة الرسام الاسباني الأسطوري سلفادور دالي رائد السيريالية ووالدها الأبرز. فهذا "المبدع" المعتد بنفسه كثيراً فقد موهبته كلياً بعد رحيل زوجته "غالا" حتى ليقال -و تنسج أساطير كثيرة على الأمر- أنه رقد في تابوتها بعد رحيلها لمدة تزيد على السنة، لا يفعل شيئاً سوى الجلوس هناك.ولكن لماذا كل هذا الحب يا دالي؟ لماذا نرى وجهها في كل رسومه؟ لماذا نراها بصورة مريم العذراء؟ لماذا نرى لمساتها النفسية على كل لمساته الفنية؟ ببساطة لأنها "غالا".
فمن هي هذه الـ "غالا" التي يحتاجها واحدنا كي يكمل هذا الطريق الصعب والطويل الذي يمتد أمامه؟ هذه الفتاة الروسية التي أصيبت في طفولتها بالسل، وأرسلها أهلها للعلاج في أوروبا، عاشت قريبةً من الفن، ولكن يكن لأحدٍ يعتقد بأن هذه الجميلة الرقيقة، يمكن أن تصبح زوجةً لشخصٍ قريب من شخصية دالي. ولكن كما يقول تشارلز كوينتن، باحث الفن المعاصر،: "إن أهمية غالا أكبر بكثير من أهمية دالي، للحقيقة، وهذا رأيي كمحترف، لأنه لولا وجود غالا بجوار دالي، لكان دالي إما انتحر سريعاً، ولم يترك الشيء الكثير، وإما اختفى كما اختفى غيره في غياهب النسيان سريعاً. لقد كانت غالا تلعب دور المرشد، والموجه، والداعم العاطفي والمعنوي، لرجل شديد الغرابة، مثل دالي".
والاسم بحد ذاته لا يعني شيئاً، ولكن ما يختفي خلفه هو سر الأشياء، الشخص الذي يمثله هذا الاسم، فغالا التي كانت متزوجة عند لقائها بدالي من شخصٍ غيره، هو الشاعر روبرت ايلرود، تركته ساعة رأت دالي، الذي لم يكن آنذاك أحداً! أجل لم يكن دالي آنذاك أي أحد، سوى سلفادور دالي، مجرداً من أي شهرةً أو فن، أو حتى مال. كان رجلاً عادياً، ينظر إليه كل الناس على أساس أنه "مغرور"، و"مجنون" و مدعٍ أكثر من اللازم، حتى أن احدى الصحف الفرنسية وصفت معرضه في باريس، بأنه "معرضٌ لمدعٍ لا يعرف عن الفن شيئاً، وبأنها -أي الجريدة- لا تعرف لماذا كل هذا الغرور من فنانٍ لم يقدم شيئاً". كل هذا لم تره غالا، كل هذا لم يعنِ لها شيئاً،
رمته كلها خلف ظهرها، ورأت العبقري، رأت ما يختفي خلف هذا الشارب الغريب، وحملت الفنان-الطفل أي دالي في قلبها طوال فترة حياتهما معاً.
رحل دالي إلى أميركا، العالم الجديد، وأتت غالا معه، كان لا يعرف الحركة دونها، كان مجرد طفل بين يديها، وهي كانت تعرف المقولة "وراء كل رجلٍ عظيم امرأة"، وكانت تجيد فعلاً العزف على أوتارها، فدالي الذي وصل إلى أميركا شخصاً منسياً، سيرحل عنها واحداً من أشهر المبدعين المعاصرين على الإطلاق. في البداية واجه دالي كل أنواع الاحتقار والازدراء التي يمكن أن نفكر بها سواء من قبل الجمهور أو من قبل أصحاب دور العرض. ولكن اليأس الذي دخل إلى قلب فناننا الشاب -آنذاك- لم يدخل إلى قلب "غالا"، بل ظلت تشجعه، وتدافع عنه، حتى أنها في فترات يأسه كانت تعمل لتحصيل المال لأجل تأمين لقمة عيشهما معاً، ولكنها أبداً ما وقفت ضد طموحه أو ابداعه.
في العام 1941 حصل دالي على التقدير الأول في حياته، حيث منحه متحف الفنون الحديثة في نيويورك فرصة اقامة معرضه الأول هناك. غالا التي كانت تعاني من تقلبات دالي المزاجية، وغرابة أطواره، طورت أسلوب تعاملها معه، وعرفت كيفية "تدجينه"، فدالي الذي عرفه الآخرون، صاخباً، عجولاً، كطفلٍ مدلل، كان يبدو أمامها كما لو أنه مفتون، حتى إنه في افتتاح معرضه في نيويورك، ترك جميع الحضور وذهب يبحث عنها، والسبب أنها تأخرت لعشر دقائق في الفندق. بعد ذلك بسنة، كتب دالي عن سيرته الذاتية "الحياة السرية لسلفادور دالي" قائلاً: "إنني دون غالا، لست سلفادور دالي، دونها أكون مجرد رجلٍ آخر، كان سينتحر عند برج ايفل".
في العام 1982، رحلت غالا دالي، التي قالت يوماً، والتي ظل دالي يعاتبها عليها حتى وفاته، "نحن لن نفترق"، والتي قالتها بعد لقائهما بأقل من شهر. دالي ظل حزيناً من وقتها، حتى وقت وفاته، 1989، لكي يكمل ما أرادته أن يكونه، أنشأ دالي مؤسسة "غالا وسلفادور دالي" لكي تخلدهما سوياً.
أخيراً، يبقى واحدنا عمراً بأكمله في رحلة البحث عن "غالا" التي تخصه، التي ترى في داخله شيئاً لا يراه الآخرون، غالا التي تحبه لأنه هو، التي تقدره لأنه هو لا شيء غيره. ويبقى الطريق طويلاً، ويبقى البحث شاقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم