الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا أولا أم إسرائيل

جعفر المظفر

2017 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


أمريكا أولا أم إسرائيل
جعفر المظفر
بشأن القرار الأمريكي القاضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب علينا أن نقترب من ذلك القرار بطريقتين, واحدة ثقافية تشريعية والثانية سياسية تنفيذية.
(1) الثقافية والتشريعية تقول أن ترامب لم يخرج على طبيعة النص الأمريكي وسياقاته الأساسية بشأن الموقف من الصراع الصهيوني العربي بل أن قراره جاء في حقيقته تنفيذا حرفيا لذلك النص المعبر عن عمق العلاقة ما بين إسرئيل وأمريكا, فالقرار كان قد جرى الإعداد له في عام 1982 في اثناء ولاية الرئيس ريغان الذي وقع وثيقة إيجار أو شراء أرض في القدس الغربية من أجل إنشاء مبنى السفارة الأمريكية بعد نقلها من تل أبيب, أما السلطة التشريعية الممثلة بالكونغرس فكانت قد أصدرت قرارها الداعي لنقل السفارة في عام 1990 وعادت هذه المؤسسة التشريعية لكي تؤكد عليه في عام 1995, مانحة في الوقت نفسه الرؤساء الأمريكين مساحة سياسية تكفل لهم حق تأجيل تنفيذ القرار كل ستة اشهر وليس حق التعارض أو الإختلاف مع روح القرار أو نصه.
(2) أما السياسية فهي التي تقول أن حدود الإختلاف بين الرئيس ترامب وبين من سبقه من الرؤساء يتجلى في موقعة الإعلان السياسي عن القرار التشريعي الذي كان تعهد إنتخابيا بتنفيذه أربعة من الرؤساء الأمريكين السابقين هم على التوالي بوش الأب, كلينتون, بوش الأبن, ورابعهم أوباما, لكنهم لجأوا إلى الحق الذي منحهم إياه الكونغرس نفسه لتأجيل تنفيذ القرار مرة كل ستة أشهر.
إن التمييز بين ما هو تشريعي وما هو سياسي سيحتم علينا أن نضبط نبرة الإختلاف مع ترامب لا أن نلغي الإختلاف نفسه, فالرجل كان قد نفذ قرارا تشريعيا إعتمده الكونغرس (موافقة 93 نائب مقابل خمسة رافضين) ولم يأت بما يخالفهم على مستوى التشريع, أي أنه لم يأت بشيء من جيبه, كما نقولها بالعربي الدارج, بل هو نفذ القرار التشريعي الذي كان هؤلاء الرؤساء جميعا قد تعهدوا به عبر حملاتهم الإنتخابية بتنفيذه.
الإختلاف بين ما هو تشريعي وما هو سياسي هنا سيمنعنا بالحتم عن إعتبار أن القرار جاء بوحي من ثقافة ترامبية مختلفة قد تتأسس هي بدورها على ثقافة اليمين (الصهيومسيحي) وليس لها علاقة بعموم الخطاب الأمريكي نفسه المتعلق بمقتربات السياسة الأمريكية من القضية الفلسطينية نفسها, فالرؤساء الأمريكيون المتعاقبون على التاييد الحار والإلتصاق التام بالخطاب الثقافي الصهيوني بشان القدس كانوا ديمقراطيين وجمهوريين في نفس الوقت (ديمقراطيون من بينهم كلينتون وأوباما, وجمهوريون من بينهم بوش الأب وثم الإبن وقبلهما كان ريغان البادئ بوضع قاعدة التشريع) .
سنتفق بالتالي على إن أصل التشريع كان يعبر عن ثقافة أمريكية مشتركة وخطاب واحد بين الجمهوريين والديمقراطيين الذين قد يختلفون على كل شيء لكنهم يتفقون على شيء وحيد مشترك حرفيا وهو ذلك الخاص بالموقف من قضية الصراع الصهيوني الأمريكي وخاصة فيما يتعلق بقضية القدس, وربما لن يعفينا ذلك من ضرورات التفريق بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني كقواعد يتأسس عليها الخطاب الأمريكي بشأن قضايا الصراع العربي الإسرائيلي (تيار المسيحيين الصهاينة), لكنه يضعنا في الحالتين أمام حقيقة تخفف من وقع الإحباط الذي قد يكون تأسس على إفتراض أن إعلان ترامب الأخير كان مفاجأة حقيقية او أنه لم يكن متوقعا على الإطلاق أو أنه كان قرارا خاصا بترامب نفسه.
إن هذه الحقيقة لن تلغي على اي مستوى ضرورات مجابهة القرار تحت يافطة إدانة الإدارة الأمريكية الحالية وضبط التحركات المضادة في هذا الإتجاه, لكنها ستذكرنا بان العرب أنفسهم هم الذين يتحملون جزءا أساسيا من هذا الإثم, فلولا فرقتهم الداخلية التي أوصلتهم إلى الحضيض, وقسمتهم إلى قبائل وطوائف متقاتلة بعد أن كانوا دولا متفرقة فلربما كانوا إمتلكوا القدرة على التأثير على عمق الثقافة الأمريكية نفسها وتعطيل أو تغيير مضمون التشريع نفسه.
وإذا كنا لسنا الآن بمعرض التنظير لمظاهر الخلل الذاتي العربي, لكثرتها أولا ولوضوحها ثانيا, فإننا معنيين بطبيعة الردود التي يجب أن تصدر من الجانب العربي, وهي ردود تمتد على مراحل قادمة معنية بإعادة العمل إلى نقطة البدايات على صعيد تحديد طبعية الوساطات وطبيعة الوسيط.
أما الفلسطينيون فصاروا الآن في مجابهة معطيات إيجابية من السهولة تشخيصها. أهم هذه المعطيات هي أن العالم المنتفض على عنجهية السياسة الأمريكية بات يرى أن القضية الفلسطينية ذاتها قد تقدمت على الصعيد السياسي والدبلوماسي لكي تشكل محورا للإختلاف مع الجانب الأمريكي نفسه. هذا الإختلاف يكتسب أهميته هنا بوصفه ليس إختلافا على القضية الفلسطينية, بحد ذاتها ولذاتها, وإنما هو إختلاف مع السياسة الأمريكية التي تسعى في عهد ترامب إلى (أمركة العالم) ولا تسعى إلى (قيادته) فحسب, كما كانت تدعي في عهد أسلافه. ويمنحنا ذلك فرصة للإعتقاد أن الدول الأوروبية التي إلتزمت بقرارات الأمم المتحدة لحل قضية الصراع وفي المقدمة منها قضية القدس باتت تشعر أن أمريكا لم تتخلَ عن الفلسطينيين فقط وإنما تخلت عن أوروبا أيضا. إن قرار ترامب يدق هنا ناقوس الخطر في وجه أوروبا أولا لأنه يكشف المدى الذي يمكن لأمريكا أن تذهب إليه في التفرد بالقرارات المهمة الأخرى, كتداعيات متوقعة لشعار أمريكا أولا الذي طرحه ترامب من خلال سياسة تعتمد القوة كوسيلة إكراه.
القضية الفلسطينية من خلال هذا المنطلق لم تعد قضية الفلسطينيين لوحدهم, بل لعلنا نرى أن هناك مواقف أوروبية أصبحت أقرب إلى القضية الفلسطينية من مواقف بعض الدول العربية التي أنهكتها تنازلات العقود الأخيرة وجعلتها عاجزة عن إتخاذ قرار حازم وشجاع.
أما الفلسطينيون فعليهم أن يعيدوا حساباتهم وفق المتغيرات الأساسية التي إستدعاها إعلان ترامب بشأن عائدية المدينة وهويتها التاريخية, مهتمين بالبحث عن أوراق قوتهم الجديدة, وهي قوة يجب أن لا يستهان بها مطلقا لإنها باتت تمتلك كثيرا من الخصائص التي تجعلها تخرج من خانتها كقضية محلية إلى خانة عالمية محورية.
أما على صعيد العلاقة مع الداخل الأمريكي فيجب التركيز على حقيقة أن ترامب لم يكن موفقا في طرح إستراتيجيته القائمة على شعار أمريكا أولا, بل أن من الواضح هنا أنه قام بإستبدالها بشعار إسرائيل أولا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام