الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تريد الولايات المتحدة من الحرب على النظام العراقي ..؟

دارا كيلو

2003 / 3 / 4
الارهاب, الحرب والسلام



سؤال قد يبدو طرحه بالنسبة للكثيرين نوعاً من الغباء، أو تساؤل عن قضايا بدهية أو ذات إجابات معروفة في أحسن الأحوال، باعتبار أن الإجابات، رغم اختلافها حسب الانتماء الأيديولوجي والسياسي للشخص، فيها الكثير من اليقينية والقطعية، فقد يعيد البعض السبب إلى نزعات إمبراطورية شريرة أو رغبة في أمركة العالم أو مؤامرات صهيونية أو صليبية أو نوع من صراع الحضارات أو رغبة في السيطرة على منابع النفط أو تنشيطا لسوق السلاح .. إلخ. لكن السؤال مشروع دائما حتى في القضايا البدهية والمتفق عليها، وربما بإلحاح أكثر من غيرها من الحالات، والتي تظهر بمظهر المثير للخلاف والمشكلات.
قد يكون في كل من الإجابات السابقة جزء من الحقيقة، ولكل عامل دور ما لا يمكن تجاهله، ولكن هناك عاملاً أو ربما زاوية رؤية للمسألة، أعتقد أنها ذات أهمية كبيرة، في تفسير السلوك الأمريكي تجاه النظام العراقي في المرحلة الراهنة، وحسب علمي لم يتطرق إليها أحد، أحاول في هذه المقاربة الإلمام ببعض أطراف هذه الزاوية.
إن الولايات المتحدة هي رأس الرأسمالية العالمية، وهي تمثل مصالح رأس المال الأمريكي أولاً، ولكنها تدافع عن مصالح رأس المال العالمي في الإطار العام، وباعتبارها كذلك، لا بد أن نتوقع منها انتهاج سلوكية معينة تنبع من طبيعة الرأسمالية، التي دافعها الأول والأخير ومعبودها هو الربح، وليس أي قيم أخرى، سواء كانت هذه القيم شريرة أو خيّرة. وبالتالي يمكن للولايات المتحدة أن تتلبس النزعات الإمبراطورية أو الأمركة أو الصليبية .. إلخ، وترفع أي شعار، إذا كان ذلك يخدم معبودها: الربح. وهي في ذلك شديدة العقلانية، تختار أقل الخيارات كلفة وأكثرها قدرة على جلب المنافع. تأسيساً على ذلك أعتقد أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى غزو عسكري للعراق لتحقيق المبررات السابقة الذكر، لأنها يمكن أن تستخدم أساليب أقل كلفة من الغزو العسكري وأكثر جدوى.
إذا ألقينا نظرة على التجربة اليوغسلافية، والحرب التي خاضتها الناتو بقيادة الولايات المتحدة ضد نظام سلوبودان ميلوسوفياتش، هذه التجربة تشبه الحالة العراقية وتأتي في نفس السياق التاريخي، كما أعتقد، أنه بإجراء مقارنة بين الحالتين، سنجد أن الكثير من الأسباب المذكورة للحرب على النظام العراقي، تصبح غير ذات معنى، فيوغسلافيا مسيحية وأوروبية، وبالتالي لم تكن المسألة حرب صليبية أو صراع حضارات، وليست دولة مواجهة مع إسرائيل وبالتالي يفقد المبرر الصهيوني أهميته، وهي ليست دولة نفطية .. وقضايا مثل الأمركة وتنشيط سوق السلاح يمكن إنجازها بوسائل غير مباشرة، وذات كلفة أقل مادياً ومعنوياً.
لماذا إذا خاضت الولايات المتحدة وحلفائها الحرب في يوغسلافيا ضد نظام ميلوسوفياتش؟
أين يكمن السبب أو العامل الذي أعطيه الأهمية الأكبر؟
قبل الإجابة على ذلك، لا بد من التأسيس للمسألة ببعض القضايا النظرية والوقائع التاريخية.
في الجانب النظري أشير إلى ثلاثة أفكار من النظرية الاقتصادية للماركسية:
الأولى: يشير ماركس في البيان الشيوعي إلى أن الرأسمالية تحت طائلة الموت تخلق عوالم على شاكلتها، هذا يعني أنه إذا وجدت الرأسمالية عوالم غير مرسملة، فإنها ترسملها (أي تدخل إليها علاقات الإنتاج الرأسمالية) خدمة لمصلحتها واستمراريتها، وإذا لم تجدها فإنها تبحث عنها وذلك تحت طائلة الموت وانسجاما مع طابعها التوسعي.
الثانية: إن الرأسمالية هي مرحلة متقدمة اقتصاديا وحضاريا على كل التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي عرفتها البشرية حتى الآن: عبودية، إقطاعية، إقطاع شرقي أو أسلوب إنتاج أسيوي. وهي في تلاقيها مع أي منها لا بد أن تقضي عليها، وتعيد صياغتها على شاكلتها.
الثالثة: هناك أطروحة أو فكرة لروزا لوكسمبورغ مفادها أن الرأسمالية تبحث أفقيا (في المدى الجغرافي) وعموديا (في عمق العلاقات الاجتماعية)، عن مجالات غير مرسملة، لكي تقوم برسملتها في سبيل ضخ دماء جديدة في عروقها.
ولكن ما علاقة هذه الأفكار النظرية بموضوعنا؟ العلاقة نابعة من رسملة اقتصادات ما قبل رأسمالية. لكن هل الاقتصاد اليوغسلافي سابقاً والاقتصاد العراقي حالياً ما قبل رأسماليان؟ أجيب بنعم، وأعود إلى التأسيس التاريخي لكي أوضح فهمي لذلك.
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بسطت الرأسمالية سيطرتها على العالم، وبدأت مشروعها التاريخي في رسملة العالم، بدرجات وأشكال متفاوتة، وحظوظ مختلفة من النجاح هنا وهناك. بعض هذه المحاولات فشل وكان نتيجتها ارتداداً على الرأسمالية، ارتدى لباسا أو تظاهر بلباس تجاوز الرأسمالية، وأبرز صور هذا الفشل ارتدى طابع ما سمي بالمشروع الاشتراكي الذي مثل قمته أو رأس حربته الاتحاد السوفياتي.
لقد كانت محاولة لينين من أجل زرع أفكار ماركس، التي نشأت وبنت مشروعها لتجاوز الرأسمالية في بيئة رأسمالية متطورة، في غير تربتها مقدمة لدفن هذه الأفكار جزئياً، والإساءة إلى مشروع تجاوز الرأسمالية بشكل عام، إذ حمّلت بالكثير من خصوصيات وتخلف المجتمع الروسي ما قبل الرأسمالي. لقد كان المجتمع الروسي يحاول أن ينجز العملية العسيرة للتحول نحو الرأسمالية الصناعية، وكما هو معلوم هذه العلمية ليست سهلة، وذات خط متعرج في عملية تصاعدها التاريخي، وتواجه الكثير من قوى الكبح التي قد تُفشل المشروع إلى حين، ليعود ويطل برأسه من جديد عندما تسنح له الظروف المناسبة، وقد فشلت عملية التحول الرأسمالي في روسيا لأسباب لسنا بصدد بحثها، فعبر المجتمع الروسي والناطقين باسمه عن هذا الفشل بمحاولة الهروب إلى الأمام وخوض تجربة الاشتراكية السوفياتية، التي كانت في حقيقتها ارتداداً نحو الإقطاعية، ولكن إقطاعية من نوع خاص، أقرب إلى نمط الإنتاج الآسيوي.
الاشتراكية السوفياتية حاولت تجاهل ما أنجزته الرأسمالية الصناعية للمجتمعات الإنسانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، واعتبرته من خصائص الرأسمالية، التي ينبغي قبرها دون التفريق في كثير من الأحيان بين المنجزات البشرية عموما ومنجزات مرحلة ما، والقفز إلى مرحلة متقدمة. وهنا كان المطب والإساءة البالغة إلى فكر ماركس ومشروعه التغييري. لقد تم باسم المشروع التغييري الذي طرحه ماركس وهو محاط بخلفية هائلة من الإنجازات الحضارية للرأسمالية، وهو يتصور مجتمعا يكتسب حسنات الرأسمالية ويبني عليها ويتجاوز جوانب القصور فيها، ويبدو أن ماركس كان يعتبر أن إنجازات الرأسمالية هي أسس ضرورية لبناء المجتمع الاشتراكي الذي كان يرنو إليه؛ باسم هذا المشروع تمت ممارسة عملية هروب إلى الأمام كانت في جوهرها ارتدادا إلى الخلف، نظرا لفشل المشروع الملائم للمرحلة المعنية للمجتمع.
تأثراً بالتجربة السوفياتية والفكر الماركسي في اتجاهه اللينيني، وأحياناً قسراً في ظل معادلات التوازن الدولي التي خلقها الاتحاد السوفياتي ومن حالفه، تراجع مشروع رسملة العالم، الوليد، وخاضت الكثير من المجتمعات المتخلفة تجربة البناء الاشتراكي على أرضية مجتمعات إقطاعية أو ما قبل إقطاعية، أو آسيوية، فشلت في التحول إلى الرأسمالية، وحاولت القفز من فوق الرأسمالية. هذه المجتمعات حاولت من قبل خوض تجربة الولوج إلى مرحلة الرأسمالية الصناعية، إذ تأثرت بالعلاقات الرأسمالية، إما بالتسرب غير المباشر للعلاقات الرأسمالية إلى هذه المجتمعات عن طريق العلاقات الاقتصادية، أو عن طريق فرض أشكال خاصة من العلاقات الرأسمالية على هذه المجتمعات عن طريق مشروعات الانتداب أو الاحتلال وفي إطار ما سمي عموماً بالاستعمار. والحقيقة أن الاستعمار حاول زرع علاقات رأسمالية من نوع خاص، في بيئة ربما لم تكن ملائمة، وربما لم تكن قد نضجت، لهكذا علاقات بعد.
مع خروج المستعمر والشعبية الكاسحة التي اكتسبها المشروع الاشتراكي، في هذه الدول، بعد الانتصارات التي حققها الاتحاد السوفياتي في الحرب الكونية الثانية ونشوب الحرب الباردة، كان الظرف مناسباً للقوى ما قبل الرأسمالية للانقضاض على الوليد الرأسمالي الضعيف والمشوه، والذي ولد في ظروف ضغوطات كبيرة، ولم يستطع أن ينمو ويتطور كما يجب، لذلك كان الانقضاض عليه سهلا نسبيا. وتغطت عمليات الارتداد بأشكال مختلفة من الهروب إلى الأمام وبتسميات اشتراكوية وقوموية، وتم الانقضاض على كل المنجزات الحضارية للرأسمالية بحجة تجاوزها، والعملية في جوهرها كانت، عودة إلى الوراء. بالطبع يمكن قياس كون المجتمع ما قبل رأسمالي من خلال أشكال الملكية السائدة، وبالتالي أشكال تحقق الدخول، ودور التبادل والسوق والنقد، ودور الربح، والعلاقة بين الدولة والاقتصاد، بين السياسة والاقتصاد، هذه المقاييس كلها تشير إلى مجتمعات ما قبل رأسمالية.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمعادلات وتوازنات القوى التي أوجدها، عاد مشروع رسملة العالم إلى البروز من جديد، ليستأنف المسيرة التي كانت قد توقفت بشكل شبه كلي، وأصبح المشروع يطرح بقوة أكبر مما طرح بداية القرن الماضي، نظراً للتطور التكنولوجي والاجتماعي الذي حققته الرأسمالية، والمعركة التي كسبتها بانتصار هائل على ما سمي بالاشتراكية. ويطرح ذلك الآن في إطار ما يسمى بالعولمة.
رغم سقوط الاتحاد السوفياتي وحلفه؛ لا زالت هناك دول قد تتسمى بالاشتراكية أو تتظاهر بلباس قومي أو إسلامي أو غير ذلك .. تعيش في إطار علاقات إنتاج أو مجتمعات غير رأسمالية، كان من الممكن السكوت عنها أو تجاهلها أو حتى التعاون معها، في ظروف الحرب الباردة، أما الآن وقد تغيرت الظروف، فإن للرأسمالية العالمية مصلحة حيوية في رسملتها، إن لم يكن سلماً فلا بأس من الحرب والمسألة تخضع لحسابات الربح والتكلفة. ويوغسلافيا كانت نموذجاً، والعراق ومن بعدها الكثير من دول الشرق الأوسط نماذج لذلك.
إذاً المطلوب هو رسملة العراق، ومن ثم رسملة غيره من الدول غير المرسملة، أو التي تعيش مرحلة ما قبل رأسمالية في المنطقة، وتلك بالنسبة للرأسمالية العالمية وزعيمتها الولايات المتحدة مسألة حياة أو موت. ولكن أليس ممكنا رسملة العراق دون الغزو وتغيير نظام الحكم؟ .. يبدو أنه يمكن ذلك دون غزو لكن ليس دون تغير نظام الحكم، نظراً لأن نظام الحكم هذا قد بُني على قاعدة اقتصادية اجتماعية، ومتأطر بإطار سياسي، ما قبل رأسمالي، بالتالي يبدو أنه من الصعب، وإن لم يكن مستحيلاً، على هذا النظام أن يتخلى عن قاعدته وسبب وجوده، باعتبار أن قبول الرسملة سلماً يطرح تغيير النظام وإن لم يكن بشكل آني تماماً، ورفضها يطرح القضاء على هذا النظام حرباً، وفي النتيجة لا بد من تغيير النظام عاجلاً أو آجلاً.
إذا كانت الرأسمالية مرحلة متقدمة بكافة جوانبها على الإقطاع والعبودية والإقطاع الشرقي أو النموذج الآسيوي، فما الموقف من محاولة رسملة هكذا نماذج؟ أقصد ما الموقف الذي تستطيع الشعوب المعنية أن تقفه، ولكن السؤال الحارق الذي يطرح نفسه هنا هو: وهل هناك مجال لموقف أصلاً ..؟
__________
* كاتب سوري - سورية

أخبار الشرق - 11 شباط 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ