الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماس والعالم في إرباك

ميخال شفارتس

2006 / 2 / 28
القضية الفلسطينية


فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية اربك الجميع بما فيهم حماس نفسها. الاطراف الدولية والعربية تسعى لترويض حماس حتى تعتدل وتدخل القالب المقبول، بمعنى ان توقف المقاومة وتعترف باسرائيل وتلتزم باتفاقيات السلام معها. حماس نفسها اصطدمت بالواقع عندما حققت انتصارا لم تستعد له، ولا تملك برنامجا عمليا لادارة شؤون الشعب الفلسطيني.
ميخال شفارتس

عاصفة التصريحات والخطوات المتناقضة بعد فوز حماس المفاجئ في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي اجريت في 25/1، يدل على ارباك يسود الساحة بكل اطرافها الفلسطينية، الاسرائيلية والعالمية، وحتى حماس نفسها.

اسرائيل تطلق تصريحات بان السلطة تحولت الى جسم ارهابي، ولكنها في نفس الوقت تحول لها اموال الضرائب والجمارك الفلسطينية. كما سمحت لوفد حماس بالخروج الى مصر. امريكا ايضا تتحدث بلهجتين، فمن جهة تهدد بفرض الحصار الاقتصادي على حكومة حماس، الامر الذي من شأنه ان يؤدي لسقوطها خلال نصف سنة. ومن جهة ثانية ترحب وزيرة خارجيتها، كوندوليزا رايس، بدعوة روسيا لحماس وترى فيها محاولة لاقناعها بتعديل برنامجها السياسي.

خطاب حماس هو الآخر اصبح مزدوجا. القيادي محمود الزهار يكرر لاءات حماس المعروفة (لا للاعتراف باسرائيل، لا لوقف النضال المسلح، لا لاتفاقيات مع اسرائيل). وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، يصرح لصحيفة روسية (12/2) بامكانية وقف النضال المسلح اذا انسحبت اسرائيل من كل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وعلى ارض الواقع، لا تزال حماس ملتزمة بالتهدئة منذ قرارها خوض الانتخابات قبل عام. وفي رسالة الى الغرب بدأت بتسجيل وجمع الاسلحة من انصارها في شمال غزة (هآرتس، 14/2).

هذه التناقضات انما تشير الى محاولة فلسطينية، اسرائيلية وعالمية لترويض حماس. المطلوب منها عمليا هو وقف المقاومة، الاعتراف باسرائيل والالتزام باتفاقيات السلام. بفعل هذه الضغوطات، بدأت حماس تدرك ان الشعارات الرفضوية لن تساعدها، وراحت تبحث عن برنامج عملي، لم تكن تملكه، لادارة المناطق المحتلة.



محنة حماس

قد تكون حماس اكثر المذهولين بانتصارها. فهي لم تتوقع اكثر من ان تتحول في هذه الانتخابات الى معارضة قوية جدا، وان تتولى في افضل الاحوال مسؤولية بضعة وزارات ذات وظيفة اجتماعية، بالاضافة الى ادارة السلطات المحلية التي فازت بها. اما المسؤوليات السياسية والتفاوضية فكانت بالتأكيد تفضل بقائها في يد فتح ورئيس السلطة، محمود عباس (ابو مازن).

تقاسم الوظائف بهذا الشكل، ليس بعيدا عما ينتهجه الاخوان المسلمين في مصر في علاقاتهم مع رئيس الحزب الحاكم، حسني مبارك. فقد انطلق الحزب الحاكم والاخوان للانتخابات المصرية، على اساس صفقة يحصل فيها الاخوان على ثلث مقاعد البرلمان فقط، وابقاء القرار المطلق بيد مبارك.

اما الانتخابات الفلسطينية فتمت دون اتفاقات مسبقة. حماس التي فازت ب 74 مقعدا في المجلس التشريعي من اصل 132، وجدت نفسها فجأة في الحكومة دون برنامج. وشتان من بين موقف معارض لكل شيء دون طرح أي برنامج بديل، وبين ادارة سلطة، دفع رواتب، والتفاوض لحل القضية الفلسطينية.

كل ما تملكه حماس عدا الوعود بوضع حد للفساد، هو شعار "الاسلام هو الحل"، وهو شعار وهمي غير قابل للتحقيق. اذ لو ارادت حماس فرض دولة الشريعة على الشعب الفلسطيني، ورفض كل الاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية، لواجهت جبهة عالمية عملاقة ومعارضة فلسطينية قوية جدا.

رغم احتلال حماس لاغلبية مقاعد البرلمان، الا انها في الواقع لم تفز باكثر من 44% من مجمل الاصوات. فتح وفصائل منظمة التحرير الاخرى فازت ب42% من الاصوات (ولكن ب34% فقط من المقاعد). من هذا يتضح ان مؤيدي حماس ليسوا اغلبية الشعب، الامر الذي يعني ان فرض الشريعة، مع ما يعنيه من فرض الحجاب على النساء ومنع الكحول وتغيير مضامين البرامج التلفزيونية والمناهج التعليمية، سيحتاج الى اللجوء للعنف والقمع العسكري وترهيب السكان، كما فعلت طالبان في افغانستان. ولكن سيناريو كهذا غير وارد، علما ان فتح هي الاخرى تملك كتائبها المسلحة المدعومة اسرائيليا وامريكيا. وحرب اهلية بين الفريقين امر لا تتمناه حماس.

من جهة اخرى، حماس محدودة القوة عسكريا، بعد اعلان ابو مازن عن اخضاع الاجهزة الامنية لرئاسة السلطة، اي له شخصيا. هذا الاعلان جاء مناقضا لموقفه السابق عندما نقل هذه الصلاحية من الرئيس السابق، ياسر عرفات، اليه بوصفه رئيس الحكومة. وفي الحالتين حصل ابو مازن على الدعم الاسرائيلي والامريكي.

فرض الثورة الاسلامية، اذن، ليس مطروحا حاليا. مؤشرات في نفس الاتجاه نجدها في دعوات حماس المتكررة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني مع فتح، وتصريحها بعدم نيتها الاستفراد بالحكم. بين اقتراحات حماس البديلة، فكرة تشكيل حكومة من خبراء مهنيين (تكنوقراطيين) وليس من كوادرها. حماس لم تستعجل في تشكيل الحكومة او كشف عناصرها، الا قبل ايام قليلة من انعقاد المجلس التشريعي في 16/2.

محنة اخرى تواجهها حماس تتعلق بموقفها حيال اتفاقات اوسلو. فرغم ان حماس تدعي موت اوسلو، الا ان الاسس القانونية للسلطة الفلسطينية هي اتفاقات اوسلو، وعلى اساسها ايضا اجريت الانتخابات الاخيرة للمجلس التشريعي. اعلان حماس بطلان الاتفاقات مع اسرائيل، يعني تلقائيا الغاء السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي والحكومة، وبالتالي الغاء شرعية حكم حماس.

طبيعة العلاقة بين اسرائيل والفلسطينيين، كما حددتها اتفاقات اوسلو، هي التعايش بين الاحتلال والاستيطان والسلطة. انتقال حماس من المعارضة الى السلطة، الزمها عمليا باطار التعايش هذا، شاءت ام ابت.



لعبة فتح

فتح من جانبها لا تستعجل لانقاذ حماس، فبينهما حساب مفتوح. حماس ايام كانت في المعارضة لم تدّخر جهدا لافشال السلطة واحراجها. فقد نفّذت عمليات مسلحة ضد اسرائيل، ورفضت الدعوة لدخول منظمة التحرير، ولوّحت بملف الاسرى الامنيين للتعبير عن فشل السلطة.

اليوم ترد فتح بالمثل. كتائبها، شهداء الاقصى، هي التي تطلق صواريخ القسام وتنفذ العمليات المسلحة ضد اسرائيل. حماس التي دخلت الى وضع حساس، تضطر حاليا للدفاع اللفظي عن حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال، ومن غير الواضح الى متى تواصل التمسك بهذا الموقف. النائبة حنان عشراوي تساءلت باستهزاء فور نشر نتائج الانتخابات: "هل تقوم حماس بخطف جنود اسرائيليين لاطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين وهي في السلطة؟".

احمد الربعي كتب في صحيفة "الشرق الاوسط" (14/2): "من الضروري ان تتحمل حركة حماس مسؤولية المرحلة الجديدة كاملة، والتعامل مع استحقاقاتها بشكل مباشر... نريد ان تتحول حماس من حركة ترفع شعارات الرفض والتشهير بالآخرين... الى حركة مسؤولة... واذا تحملت حماس مسؤوليتها التاريخية في ادارة الحكومة الفلسطينية الجديدة، فان هذا سيخفض كثيرا من شعارات التطرف والرفض والطروحات العدمية وغير الواقعية... وهذا ما يعتبر تحولا فكريا وسياسيا كبيرا...".

بالنسبة لفتح فهي اليوم متفرغة للاصلاح الداخلي. امامها المؤتمر العام واعادة تكوين مؤسساتها ومحاربة الفوضى التنظيمية، وتصفية الحسابات مع قيادتها التاريخية والمستقلين الذين جلبوا عليها الهزيمة. وتمارس فتح الضغط على حماس لتعديل برنامجها، وفي نفس الوقت تترقب فشل حكومة حماس وسقوطها تحت وطأة الضغوطات العالمية، لتعود لسدة الحكم.

لهذا السبب لم يقدم ابو مازن استقالته من الرئاسة، واخضع لنفسه الاجهزة الامنية. وقد استغل الايام الاخيرة للمجلس التشريعي القديم، لاجراء تعديلات جوهرية على القانون الاساسي لصالحه. فمنح رئيس السلطة حق الدعوة لاجراء انتخابات مبكرة في حالة تعطيل الحياة الدستورية. كما اجرى تعديلا على قانون تشكيل المحكمة الدستورية العليا، ونقل لنفسه صلاحية تعيين القضاة فيها. ومن حق هذه المحكمة اتخاذ القرار النهائي في اي خلاف بين رئيس السلطة والحكومة.



حصار اقتصادي على حماس

ولعل المشكلة الاكبر هي قضية التمويل الذي يأتي من اسرائيل والغرب. صحيفة "نيويورك تايمز" (14/2) كشفت عن خطة امريكية اسرائيلية لافشال حكومة حماس من خلال محاصرتها اقتصاديا. الهدف اسقاط الحكومة وافساح المجال لابو مازن لاعلان انتخابات جديدة يمكن ان تفوز بها فتح. امريكا بطبيعة الحال نفت الخبر، علما ان حماس وصلت الحكم بانتخابات ديمقراطية فرضتها امريكا نفسها.

وافاد المقال ان السلطة تعاني عجزا بقيمة 60-70 مليون دولار شهريا، هذا بعد ان تمرر لها اسرائيل اموال الجمارك والضرائب وقيمتها 50 مليون دولار شهريا. حسب الصحيفة، تولي حماس للسلطة سيعني وقف نقل الاموال من اسرائيل، وارتفاع العجز الى 110 مليون دولار شهريا، او اكثر من مليار دولار سنويا.

منذ فوز حماس تراجعت البورصة الفلسطينية ب20%. ومن غير الواضح كيف سيتم دفع رواتب 140 الف موظف فلسطيني، منهم 58 الفا يعملون في قوات الامن التابعة لفتح. في هذا الوضع يصبح احتمال الانهيار الاقتصادي واردا.

على التهديدات بالحصار الاقتصادي صرحت حماس بانها لا تحتاج المساعدات الغربية، وانها ستتوجه للعالم العربي. ولكن في الواقع توجهت حماس الى مصر، حلقة الاتصال باسرائيل وامريكا، وليس الى سورية او ايران.

لا شك ان المقال في نيويورك تايمز هو العصا التي تسلطها اسرائيل وامريكا على حماس، لارغامها على تعديل مواقفها. اما الجزرة فهي ما تقترحه دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لحماس لزيارة موسكو. افتتاحية "نيويورك تايمز" (15/2) اشارت لتقاسم الوظائف هذا بين امريكا وروسيا، وذكرت: "ان خطوة بوتين كانت موضع خلاف في الغرب، وربما كان عليه تحذيرنا، ولكن هذا يصبح امرا بسيطا اذا ما تمكنت روسيا من دفع حماس باتجاه التنازل عن الارهاب، الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود، وتجديد مسار السلام". واكدت وزيرة الخارجية الامريكية، كوندوليزا رايس، ان الروس تعهدوا بانهم سيؤدون هذا الواجب.

لهذا السبب ايضا تلقى خطوة بوتين موافقة اوروبية. فقد وافق صندوق الاستثمار الذي يديره البنك العالمي، على تحويل 48 مليون دولار للسلطة الفلسطينية كدفعة اولى من مجموع 60 مليون دولار، وذلك قبل نهاية الشهر الجاري. (القدس، 15/2)

دون اجوبة

حين صوّت 44% من الشعب الفلسطيني لحماس، لم يصوت دعما لبرنامج سلبي عدمي، بل لتحسين الوضع الداخلي الفلسطيني. وإحداث تحسن حقيقي لا يمكن ان يعتمد على المساعدات الخارجية ودفع رواتب موظفي السلطة، بل يحتاج الى برنامج لإحداث اماكن عمل، الغاء الحواجز وضمان حرية الحركة. وما دام "الشيكل" الاسرائيلي هو العملة في مناطق السلطة، فلن يكون مناص امام حماس من اقامة علاقة اقتصادية مع اسرائيل. هذا امر لن يجدي معه التوجه الى ايران او الى دول النفط العربي.

حماس تملك تصورا بعيد المدى بالنسبة للدولة الاسلامية، ولكنها تفتقر الى برنامج عيني لحل المشاكل الحياتية الخطيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها البطالة والفقر. ولا يبقى والحال كهذه الا ان نتوقع استمرار الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي من جهة والصراع الداخلي الفلسطيني حول الحلول المطروحة من جهة اخرى. هذه الانتخابات لم تأت بالحل المطلوب لازالة الاحتلال والجدار واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي