الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاضرون في الذاكرة

مرسيل خليفة

2017 / 12 / 27
الادب والفن




كفررمان في 28 كانون الثاني 2017

...
"إلى الرفاق: أبو جمال، أبو ذيب، عماد البيطار، ميرفت عطوي، لينا مزرعاني، بسام شقير وعلي هزيمي...
أهدي هذا البوح
حكمت الأمين
ننثر هذا المساء وردَ الحبّ على اسمك المتموّج بين الحضور، ونفرغ دمع العنب في كأسك ونرفعه إلى السماء.
لم نجتمع الليلة إلاّ لنحبّك أكثر.
نحن هنا للاحتفال بقدرة روحك الإنسانيّة العالية على تعميم الرّجاء والخلاص، والعزاء لمرضى لم يموتوا، ولأحياء لم يضيقوا ذرعاً بالحياة.
نحن هنا لتحيّتك...
حكمت الأمين: ذاتٌ ذابت في كلّ واحد منّا ومناضلٌ للصمود والأمل، ويكفي أنّه فتح للناس باب فردوسه على مصراعيه وقلبه لا يتعب من أعباء الحب.
الطبيب المبتسم المتواضع، كان صديقي وصديق الكل. التقينا ذات مساء في مدينتنا: أنا القادم من جبل لبنان وهو القادم من جبل عامل كأننا لبنانيّان منفيّان في قلب الوطن.
الآن لا أتذكّر شيئاً لأنّك معي على هذه الورقة البيضاء في هذا المساء العاصف.
حكمت الأمين مستشفى النبطية في مكانها هنا. انظر من علّ إلى ما اقترفت يداك من حب عظيم. ذهبت إلى تراب الورد ولم تحظَ بدخول المستشفى- الحلم ولكنها حملت اسمك.
تعود اليوم وكأنك لم تذهبْ وصورتك الوحيدة معلقة على الحائط. وحدك بقيت كما أنت؛ ونبتت أعشاب كثيرة على جدران البيوت ولكن نسيانك مستحيل.
كيف ننسى؟ من ينسى؟
من ينسى نبع عطائك، قمحك، وخمرك نشربه حتى الثمالة في سهرات حميمة.
نرى الغموض في غيابك يلسعنا ولكن في أعماقنا أغنية خفيّة كنا نغنيها، وشفّة من دمع العنب نرتشفها.
كاسك يا صديقي.
أذكر بعد الـ78 كيف بقيت هنا وحدك تلبّي نداء الإغاثة. الكلّ غادر ولكنك أصرّيت على البقاء.
لم تغلق الباب في وجه أحد وحتى في أحلك الظروف.
كم كان نور الشمس يملأ قلبك بالصحو وكم كنّا نأتي إليك كلما شعرنا بحاجة إلى أمل لتؤنسنا وترشدنا إلى المستحيل.
إغرس فينا فيضك وإنسانيّتك.
من لا يحبّك فلن يحبّ أبداً.
كم حرمت ليلك من حقّه في النعاس بهدوء الطبيب الساهر على آلام مرضاه، تدنو وتحنو ويدك تتلألأ وتسهر حتى صباح الليل.
أيّها الحالم الجميل!
نمشي باتجاهك على ماء أحلامك.
أفرغتكَ الحياةُ القصيرة من جسدِك ولكن روحك عششت في قلوبنا وحفرنا اسمك وشماً على أجسادنا.
ما زلت أسمع أنين الرمل على شاطئ الرميلة حين جاءت الطائرات من صوب البحر ورشّت حقدها على البشر والحجر. وأذكر يومها بأنني أسندت رأسي إلى نجمة شردتني من يقظة صرختك واخترقتني.
أنظر من بعيد إلى مدرسة «الفرير» حين حملنا بيوتنا على أكتافنا هرباً من الطوائف «الداشرة» والتجأنا إلى رصيف الحلم والحبّ، نأكل الطعام المعلّب. وكم كان يلسعنا رحيق زهر الليمون الآتي من ما تبقى في بساتين صيدا.
كيف نعيد البداية يا رفيقي...!
الوطن على حاله والحياة على حالها وما زال كل شيء على حاله.
تعال لنعود إلى أرض الحكاية.
تعال نقرأ على رمل الشاطئ آثارنا.
هل الممرات منغلقة في السماء كما هي على الأرض؟
ماهذا الموت الصريح؟
لتُعَاش الحياة وتعاش بكاملها.
إن الحياة ما زالت ممكنة: سنعيش جيلاً بعد جيل حتى "نلتقي بعد قليل.. بعد عام.. بعد عامين وجيل" كما تقول الأغنية التي أحببتّها.
لا أنسى تلك السهرات الحميمة التي تشبه الحلم، وفي آخر السهرة كان يوقظنا صوت حارس الليل حين يغنّي، ليطرد الخوف:
«كان لا يتعبنا في الليل إلاّ صمته، حين يمتدّ أمام الباب! كالشارع، كالحي القديم».
أما زلت تذكر اسمه؟
كان يمشي ولا يكلّ تحت قمر يافع يطلّ من وراء الجبال.
وفي ذلك اليوم مشى على زغب الأرض ونام.
إنهض يا ثائر! يا عاصف زندك، فالأعالي تشتهي، تعشق بندك. ما هو العالم بعدك؟
رأيت قمراً ناصع الحزن يرشدنا إلى طريق الوطن، وناراً تؤجّج علماً ونشيداً.
كيف نخفّف من حمولة المكان الكثيف.
نمشي إلى معنى لم نصله بعد! هل نستطيع أن نلمس ذلك السراب الذي يتراءى لنا؟
نحتاج كثيراً إليك كي لا نتعب أكثر. ولن نقلع عن شغف انتظارك.
هل ثمة صمت؟
نعم!
نرهف السمع إلى صوت الصمت.
نصغي إلى صمتك.
مرت الأيام بطيئة كدهر وسريعة كومضة.
نتمسك بالنور وكلّ شيء معتم.
نقاوم هذا الإعصار بعود ثقاب الحب.
وكلما ضاقت الأرض بنا نوسعها بجناحك لتتّسع.
حملت الحب ونور الخبز وخمره
بلا خمر لا يؤكل الخبز.
الخبز ناس بلا خمر.
الخبز يابس بلا فرح الخمر وصوفية نشوته.
بارقة- أملك- تعطينا قوة للبقاء والحياة.
على رغم ذلك: هل من بارقة أمل؟
نعم! سيظل صوتك يمسكنا من يدنا في الظلام ويقول:
- لا تخافوا، انتظروا دائماً بشرى جميلة.
سنمسك هذا الأمل المطلّ كما يمسك الغريق خشبة الخلاص.
أكثير يا صديقي أن نحلم بهذا القليل؟
لعلّ ذلك هو المستحيل ولكننا نرجوا المستحيل ونتطلع إليه لأنه وحده الحلم على ابتكار الجهات.
حكمت الأمين أدمنت الحضور في هذا الغياب الطويل.
أيّها الصديق الجميل
شكراً لك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
جلال البحراني ( 2017 / 12 / 27 - 06:25 )
من الجميل أن نرى قلم الفنان القدير و الإنسان العظيم،، المعلم مارسيل خليفة حاضرا على صفحات الحوار
صفحات الحوار تبدو أكثر بهاء، أحسست أنها تتنفس حب و أمل
قلت لنفسي كل شيء بخير، فالأحلام تتوسع
كلمة شكر و تقدير و عرفان لمن علمنا الحلم في كل الظروف
حبي و مودتي


2 - بالأمل نستمر لنحيا
فؤاده العراقيه ( 2017 / 12 / 27 - 09:41 )
كذلك مني أجمل الكلمات لمن حرّك فينا الحس والمشاعر الانسانية الإنسان مارسيل خليفة
نورت موقع الحوار المتمدن الذي هو بحاجة لأمثالكم وبالأمل نحيا
اعطر التحايا

اخر الافلام

.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار