الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع البروكوستي لخلق أحزاب للتصفيق

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2006 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أنَّ حزب البعث الحاكم في سوريا, وعبر لجنته الحزبية البرلمانية في مجلس الشعب قد قرر إبقاء المكونات السورية في غرفة الانتظار, وبداخل النقاب وإلى الأبد, حين أصدر قبل أيام مشروع قانون الأحزاب, المنوي مناقشته تحت قبة مجلس الشعب لاحقاً, والمتوقع إقراره كما هو على علاته.
هذه المقترحات الأولية التي صيغت على شكل مشروع تستند في مرجعيتها على آية الدساتير.. دستور حزب البعث الحاكم, والمادة الثامنة من الدستور الدائم لسوريا الذي كتبه البعث عام 1973 وتقضي بقيادته للدولة والمجتمع, تشكل مصادرة منهجية لأية حرية في ممارسة العمل السياسي في سوريا, إذ أنها تتبع عقلية تنميط وتعليب وحصر أي حزب سياسي في قالب ضيق تنتفي معه أية حالة حراك بغية الدفع بعجلة الإصلاح الاقتصادي والسياسي في البلاد قدماً.
أنا شخصياً لا أنتظر من كائن مجهض, ومهيض الجناح الاضطلاع بأي مهمة أو دور يسهم في تحريك بلده الراكد.
التوجه الأساسي والملفت في المشروع هو نحو مزيد من تعريب سوريا, وتقديس اللغة العربية, والاحتفاء بها فقط, وهذا يفترض نفي وإقصاء أية لغة أخرى, أو أية خصوصية ثقافية لأيِّما مكون سوري.
تقول أحد العبارات في نص المشروع بـ : " الحفاظ على النظام الجمهوري وعلى الوحدة الوطنية للبلاد وعلى قوميتها ولغتها الرسمية ونشيدها الوطني وعاصمتها ".
وهو _ المشروع _ يحصر النشاط الحزبي داخل حدود الدولة, ويرفض أية إمكانية في اتخاذ مكاتب أو ممثليات أو القيام بأي احتفال في الخارج.
وهو يقصر دور الأحزاب على صيانة, وسدانة مبادىء ثورة الثامن من آذار لعام 1963 البعثية, وضرورة الحفاظ عليها, وهذا نوع من الإملاء ينفي مبررات وضرورات تشكيل أي حزب سياسي, ويجعل من الأحزاب الأخرى أجرام صغيرة تدور في فلك الحزب الأوحد " البعث " إلى درجة أن تكون بعثية أكثر من البعث نفسه.
وتتوالى عبارات تعرية الأحزاب المرتقبة من أي أفق نضالي, إلى درجة حرمان أيما حزب سياسي من حرية التعبير والقول, فالبند التاسع من الملامح العامة للمشروع تشطب على إمكانية تمثيل أي تنظيم للأقليات والتلويح بمعاناتها أو العزف على الوتر المذهبي والإثني في بلد فسيفسائي بامتياز كسوريا, حيث يتجاور الكرد والعرب والأرمن والتركمان والسريان والآشوريون والكلدان والشركس والسنة والشيعة والعلوية والإسماعيلية والمرشديون والدروز واليزيديون والأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس والموارنة واللاتين والنساطرة والبروتستانت والإنجيلية .. إلخ هذا المسلسل, وهذا ليس بغريب كون واضعي المشروع ينتمون إلى الحقبة الجليدية حيث لا أحزاب ولا قوميات ولا مذاهب ولا هم يحزنون أو ينتهكون.
ويحظر البند /13/ من الملامح العامة للمشروع " تعريض البلاد للخطر أو الانتقاص من الحريات الديمقراطية أو خلق تمييز عرقي أو عنصري أو ديني أو مذهبي أو تأسيس نظام دولة يعتمد على هذه المفاهيم والرؤى وعبر أي طريق " وكأن البعث وطيلة سنواته في السلطة رفع سقف الحريات وخلق حقبة تنويرية فانتازية لا تضاهى في سوريا, وولد ميكانيزماً عضوياً ديمقراطياً, وأزال الجدران العازلة والفاصلة بين المكونات في الإطار السوري على مبدأ " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالبعث " ونحن حقيقة لا نفهم أي معنى لهذه النصائح البطريركية المحظرة من تأسيس دولة على مفاهيم اثنية أو عرقية أو .. أو طالما أن البعث نفسه, ومنذ 1963 وإلى الآن مستمر في السلطة بالاحتكام إلى كل تلك الأمور التي يحظرها على غيره, وهو له قصب السبق في إقصاء الكرد عن المشهد السياسي والثقافي في سوريا ومنذ الستينيات, ولكنهم لا يتوانون عن تذكيرنا برئيس وزراء كردي اسمه محسن البرازي, ورئيس كردي اسمه حسني الزعيم كانا قبل تسلط البعث, أما بعد ذلك فتكاد لا تعثر بالمجهر على كردي واحد في دائرة الحكم الضيقة أو الواسعة أو في الهامش والحواشي.
ويمنع المشروع على أحزاب الغد القيام " بفعاليات تعليم أو تدريب ذات طابع إعداد عسكري أو أمني أو خدمات الدفاع المدني " لكن هل بإمكان البعث مثلاً أن يلغي منظمة طلائع البعث, واتحاد شبيبة الثورة, ويمتثل هو نفسه لقانونه الذي وضعه بيده, وينهي زمن ترويض وتدجين شرائح المجتمع كافة.
ويصبح نص الدستور السوري النافذ وفاقاً للمشروع مقدساً لا يجوز المساس به أو تفسيره أو تأويله أو قراءته قراءة نقدية بغية الارتقاء به, ويتحول بحسب مشيئة واضعي المشروع إلى صنم لعباد وثنيين لا يأتي الباطل من بين يديه, وبديهي أن رفض أيما إعادة نظر في ذلك الدستور إنما هو لقطع الطريق دون الأحزاب الأخرى والمطالبة مثلاً بإزالة المادة الثامنة المكرسة لهيمنة البعث على مرافق الحياة السورية ومشاهدها المفتقدة لأي بريق أو وهج ومنذ الستينيات ليبقى البعث وإلى إشعار مزمن آخر القبطان الأوحد للمركب السوري المثقوب من كل حدب وصوب, والمهترىء الصواري, والأشرعة بنتيجة الأنواء الإقليمية, وتكليس الحراك الداخلي, وتبدل البيئة الجيوسياسية العالمية.
ومن شأن هذا المشروع إذا ما أقر رسمياً أن ينفض سوريا الغنية بتعدديتها الثقافية من كل لغة أخرى غير العربية, ومن كل ثقافة أخرى غير العربية, فهل سيخدمنا البعث قليلاً, ويوسع للغاتنا وثقافاتنا مكاناً في أحد متاحفه, ويعتبرنا من التراث الإنساني.
ومن الخطوط الحمر في هذا المشروع معاونة حزب لآخر في الاستحقاقات الانتخابية والهدف من ذلك الحيلولة دون تشكيل تحالفات أو ائتلافات حزبية سياسية, ومن شأن ذلك إبقاء البعث القوة الانتخابية والتعبوية الوحيدة في الساحة بوسائط بماكيناته الإعلامية, أما الأحزاب الأخرى فستبقى قاصرة عن أداء أي دور. إذ أنها ستحتاج في حال تلبيتها لكل شروط القانون إلى زمن ضوئي كي تشكل ثقلاً على أرض الواقع سيما وأن المشروع يبيح لأجهزة الأمن مداهمة مقراتها متى شاءت وبناء على حالة الشك وما أسهل التلفيق حينها.
إن تأسيس الأحزاب في إطار الدستور الدائم للبلاد وإلزامها بتبني برنامج وطني وقومي عربي يعد انتهاكاً صارخاً لخصوصيات المكونات السورية غير العربية, وتحويلها إلى مجرد صنائع وخدم بين مخالب العروبة الاقصائية, والتي يرفضها منطق العصر.
إنّ التقوقع والانطواء على البعد العروبي من شأنه خلق ردات فعل وحراك معارض لا يؤمن بالفرضيات الإيديولوجية للبعث, وهو أمر قائم الآن قبل صدور قانون يؤطر الأحزاب.
ويشترط في العضو المنتسب إلى حزب سياسي إتمامه السن الثامنة عشرة. هل نفهم من هذا أن البعث سيكفُّ عن تجنيد طلبة المرحلة الإعدادية الذي لا يتجاوزون الخامسة عشرة على مبدأ ( البعث في الصغر كالنقش على الحجر ), وهل بمقدور عدد لا بأس به من الكرد المشتغلين في السياسة الإفادة من القانون لتأسيس أحزاب وغالبيتهم العظمى حوكمت بتهمة معاداة أهداف ثورة البعث وعبر عقود وأمام محكمة أمن الدولة الاستثنائية, والتي تعتبر ضرورة حلِّها القاسم المشترك الأكبر بين الأطياف السياسية والحقوقية السورية كافة.
ويتحلى مشروع القانون الغريب والعجيب بنفس تقزيمي وترويضي وتهميشي واستهتاري. إذ لا يغفل تذكير الأحزاب القادمة ببداهة قدسية القوانين والأنظمة النافذة في سوريا, والتي كان لها الدور الكامل في إغراق سوريا في الفساد وانعدام الحريات والبؤس والمعتقلات.
ويحرص ( الفهمانون ) الذين وضعوا نص المشروع على التذكير بالوحدة الوطنية, وأنا لا أفهم لها أي مبرر إذ كيف تطالب بالوحدة الوطنية ما دام الوطن المفترض مكوناً من مذهب واحد وقومية واحدة ولغة واحدة بطبيعة الحال. ألا تنص المسودة على ذلك كما مر معنا أم أننا نلفق و( محططين ) على مُعدّي المشروع.
يبدو أننا لن نفهم وحتى ألفي سنة أخرى أنَّ الوحدات الوطنية لا تبنى على عمليات الدمج القسرية تحت هراوات الأجهزة الأمنية. هل من المعقول أن يبقى الكردي في حالة صمت ووجوم, وهذا الوطن الافتراضي يتجاهله ويعتبره كائناً لامرئياً وشفافاً يمكن العبور خلاله دون أدنى مشكلة أو إقلاق.
كما ويحظر على الأحزاب المغادرة للقانون البروكوستي إقامة أواصر المحبة والصداقة مع أحزاب من دول أخرى, فهل سيتمثل البعث ذاته بين يدي الحظر, ويكفَّ عن إقامة العلاقات مع الأحزاب الأخرى خارج السياج السوري ( حزب الشعب الكوري الشمالي مثلاً ) أم أنه فوق هذا القانون, وكل الأحزاب الأخرى ستكون تحت القانون والبعث.
ويحظر المشروع إعادة تأسيس الأحزاب المنحلة قبل عام 1963 وهذا يستدعي حلََّ حزب البعث والحزب القومي السوري والإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وحركة القوميين العرب إنْ وجدت, وبرأيي الهدف من حظر الأحزاب المنحلة قبل عام 1963 هو قطع الطريق على الاتجاهات الإسلامية ومنعها من الحراك في الساحة السياسية, أما الحزبان الشيوعي والديمقراطي الكردي فسيبقيان على قيد السياسة لأنهما لم يُحلا أو ينحلا قبل العام المذكور.
والمطلوب الأعظم في الأحزاب التي ستتأسس هو البِرُّ بوحدة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج, والسهر على حرياتها ( الجاثمة في المعتقلات ) وخدمتها, لتنال الاعتراف من الهيئة العليا للأحزاب, وأنا أقترح على الأحزاب الكردية أنْ تجهز صوابينها وأباريق ماءها ومناديلها لتغسل أقدام وأرجل العرب من المحيط إلى الخليج ليُسار إلى تسجيلها قانونياً, وتمارس حقها في الوجود.
ليس مشروع القانون هذا نتاج اللجنة البرلمانية البعثية بل تم إعداده بالتنسيق بين أطراف الجبهة التقدمية فنحن قرأنا في عدد جريدة السفير ليوم 9/11/2005 أن القانون حاز على موافقة الأحزاب الثمانية للجبهة التقدمية، ولكن بعد تعديلات على نصه أبرزها رفع فقرة تجيز > بين الأحزاب، رأى فيها البعثيون > إذن هنالك اتفاق ضمني بين تلكم الأحزاب على المشروع الحالي ولم يتأتى من بنات أفكار اللجنة البعثية ويراد من تلك الصفقة بين أحزاب الجبهة الحيلولة دون ظهور أحزاب أخرى إلى الجوار تسرق نار الآلهة من مجمع السلطة مع العلم أن غالبيتها العظمى ( أحزاب الجبهة ) غير قادرة على النجاة من القانون البروكوستي للأحزاب القادم والذي لا مبرر له على الإطلاق بهذه الصورة التعيسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة