الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستبداد مرض نقص المناعة المجتمعي المكتسب

فريد حداد

2003 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


 

الأستبداد : هو السيطرة على مقدرات الآخرين المادية , وتدمير لقيمهم المعنوية والأنسانية , والغاء لشخصياتهم المستقلة والمتميزة , وتقزيمهم ومسخهم , ليتم تحويلهم الى عبيد لدى المستبد ,  من دون وجه حق . وذلك بفعل القوة المادية القاهرة , والمعنوية المضَّلِلة . التي تلغي القوانين وتجعل من ارادة المتسلطين قانوناً يُعمل به .

يسود الأستبداد في حال توفر احد العاملين التاليين او كلاهما معاً :

1 – العامل الداخلي . الذي يمتاز بتخلف البنى السياسية و الأجتماعية والثقافية والحقوقية , الذي يتجلى بسيادة علاقات (  ما قبل الدولة الوطنية ) بين الناس – عشائرية وطائفية و... - , وقابلية  الناس للخضوع  لارادة ولي الأمر ,  بسبب استمرار سيادة ثقافة طاعة أولي الأمر , وغياب مفهوم الحق المرتبط بالواجب , والحرية المرتبطة بالأختيار ,وسيادة مفاهيم خطأ ,  تقتضي اللجوء الى القوى الخارج الطبيعة لدعوتها الى رفع المظالم عن الناس عندما تشتد مظالم أ ولي الأمر  , بدلاً من الفهم الصحيح لما قيل " أعقل وتوكل " أو الفهم الصحيح لمدلول الآية الكريمة ( لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بانفسهم )   , أي ,  الأعتماد على الله تعالى ,  من خلال القيام بالعمل ,   والعمل هنا هو ,  فعل مقاومة الأستبداد  .

تشكل  تلك البنى  بمجموعها ,  اساس استعداد الناس لتقبل واقع الأستبداد , واتخاذ موقف سلبي من مقاومته . وبمقابل ذلك , هناك المستبد , الذي هو غالباً فرداً او مجموعة ,  تعاني من أزمات نفسية واجتماعية , تولد عندها شعور بالتفاهة والنبذ الأجتماعي .  هذا الشعور الذي يلهث صاحبه لالغاءه عن طريق التحكم بحياة الآخرين ,  وتقرير مصائرهم ,  واخضاعهم لارادته , ذلك الأخضاع الضروري للمستبد لاعادة التوازن الى نفسيته المحطمة ,  المليئة بمشاعر التفاهة , والنبذ الأجتماعي .

يشبه احد رجال القانون ,  المدافعين عن حقوق الأنسان ,  نشأة الديكتاتور المستبد , بنشأة ذلك الجدي الصغير  الذي تُذ بح   امه في مرحلة الرضاعة , فبسبب خوفه الشديد من ان يجوع  , يلجأ الى الرضاعة بشراهة من كل عنزات القطيع , فيأخذ أكثر من حاجته الى الطعام , ويكبر أكثر من اقرانه بكثير ,  ويستمر على هذا المنوال , الى ان يمتلك جسماً كبيراً أكبر من أي فرد في القطيع  و يصبح تيساً زعيماً على الجميع ,  ويبقى في حالة الخوف من الجوع  .  يملك كل شيء , ويحرم الآخرين من كل شيء ,  ولا يشبع .

2 – العامل الخارجي . عندما يفرض مستبد خارجي نفسه على أمة ,  كنتيجة لأنتصار عسكري , ويعين حكامها ,  ويربط نموها ونظامها به ,  قاطعاً بذلك سلم التطور الطبيعي عليها , فارضاً  عليها حركة معينة باتجاه محدد ,  غالباً هي انعكاس لحركته .  كما حصل لأوروبا الشرقية بعد احتلالها من قبل الأتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية , وكما حصل قبل ذلك للجمهوريات التي عُرفت فيما بعد بجمهوريات الأتحاد السوفييتي بعد احتلالها من قبل روسيا .

 

للحفاظ على الأستبداد واستمراريته , لابد من الحفاظ على الظروف التي انجبته وتعميقها .--  وهنا تتضح الاساءة الكبرى التي ارتكبتها الأنظمة  العربية بحق بلدانها وشعوبها , حيث عملت بكل طاقاتها , للحفاظ على كل البنى المتخلفة التي تدعم سيطرتها , لا بل عملت بجد للحيلولة دون نمو اي برعم جديد سيساعد على العبور من تلك المستنقعات التي نحيا بها . --  وقد تم ذلك عن طريق:

-                     1 - العمل على تفتيت ما تبقى من علاقات اجتماعية ايجابية قائمة بين الناس , كالعلاقات الأسريّة , وعلاقات التآلف والتعاضد والتعاون التي تميز بها الريف العربي .  وتضييق ,  قاد الى انهيار أغلب مؤسسات المجتمع المدني , كالنقابات المستقلة , والجمعيات الأهلية او الحرفية , والنوادي الثقافية والأجتماعية والرياضية المستقلة عن منظمات السلطات . واحلال بدل تلك العلاقات , العلاقات المصلحية الأنتهازية المؤدية الى تعميق النوازع الفردية على حساب الجماعة .  ولا يوجد  أبلغ من ذلك التعبير المتداول الذي يقول ( عسكري دبر راسك ) هذه المؤسسة العسكرية  تحديدا , التي من الصعب لها ان تستقيم امورها وتعمل بنجاح ,  ان لم يسود شعور عند افرادها ", رفيقي اولاً ",  كما لا دلالة على حرص الأنظمة على تعميق المشاعر الفردية عند الناس  أوضح من دلالة  حقد الأجهزة حامية العروش , على كل من يساهم  في عمل جماعي مناهض للأستبداد ,  حيث امتلأت زنازين وقبور العالم العربي بأصحاب المواقف الشجاعة والرؤية الواضحة والرافضة للظلم .

-                     

-                     

-                     2- ألغاء الثقافة من المجتمع عن طريق المنع ,  والمراقبة ,  وتصعيب ظروف الأنتاج الثقافي المحلي , والقضاء على امكانية النقل والترجمة , ووضع كل منتج لثقافة مخالفة لهيمنة الأستبداد في خانة " اعداء الوطن والثورة " مع ما تحمل تلك التهمة من معنى هدر لدم المنتج .

-                     

-                     3  - ألغاء القوانين , بقانون واحد وهو قانون الطوارئ , وافساد الجهاز القضائي العادي  , وبناء القضاء السلطوي الأستثنائي ,  وتسييس نقابة المحامين لصالح النظام الحاكم , ونشر ثقافة "  خذ حقك بقوة ذراعك " حيث تستمد الذراع قوتها من حجم الفيه الذي تطعمه .

 

4 – بناء مؤسسات السلطة  السياسية المفرغة من مضمونها , والتي تعمل بكل شيء الا بالسياسة .

 

ان استمرار سيادة الأستبداد لوقت طويل نسبياً ,  في اي مجتمع من المجتمعات , يؤدي بفيروسته  الى التمكن من القضاء على كل الجهاز المناعي للمجتمع , ويهيئه لموت محتم لأتفه الأسباب . هذا الجهاز المناعي ,  الذي يتألف من وحدة وطنية , او بالأحرى انصهار الجميع في بوتقة الوطن الواحد ,  محصنين  بعلاقات اجتماعية سليمة تجمع المواطنين فيما بينهم , والمواطنين مع حكامهم الذين لا يجب ان يكونوا الا مكلفين من قبل المجتمع لادارة الأمور العامة  .  ومن بنيان ثقافي شامخ ,  يحدد هوية الأمة , وقانون عادل وعصري يسود على الجميع وعلى الحاكم قبل المحكوم .

ومؤسسات دولة وسلطة تعمل بالسياسة  بمفهوم عصري وليس بالسمسرة السياسية والأقتصادية .

 

ان النتائج المدمرة لمناعة المجتمعات العربية التي انتجتها فيروسات الأستبداد  , لم يعد ممكناً الوقوف بوجهها على الطريقة التي يمارسها النظام المستبد في العراقي ,  بالتبجح الأعلامي الفارغ من جهة , وارسال الرسائل السرية الى قطاع الطرق الدوليين , التي تدعوهم للمجيء واستلام النفط مقابل الحفاظ على كرسي الحكم ,  من جهة أخرى  . كما لا تتم على طريقة الصحوة الخطابية للنظام السوري في مؤتمر دول عدم الأنحياز , والتي تقر بان ممارسة  القوة والعنف والغاء الآخر لاتجلب السلام حتى لصانعهم , وان ممارسة القوة والعنف لا يمكن ان ُتنشئ الا العنف والتطرف حتى من الطرف المغلوب , كما كلمة سورية بمؤتمر القمة العربية التي ترفض المسعى الأمريكي لتغيير الأنظمة في المنطقة , وتربط التغيير بارادة الجماهير العربية , وهذا رفض محق وسليم .  بينما واقع تلك الشعوب المعترف بحقها في تغيير انظمتها , واقع عجز الأستعمار القديم والحديث  عن ايصالها الى ما وصلت اليه . بل تكون  باطلاق الطاقات الهائلة المقموعة والكامنة للشعب العربي , عن طريق رفع سيف الأستبداد و مشاركة الشعب بتقرير مستقبله وتحديد مساره المستقبلي , وبغير ذلك السبيل فالطوفان قادم , ولم يعد للأموال العربية المهّربة الى الخارج اي دور في حماية اصحابها لأنها تحت يد اللصوص الدوليون المعاصرون .

 

فريد حداد            332003









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟