الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع العقارب

غازي صابر

2017 / 12 / 29
الادب والفن


صراع العقارب
كنا في الجبهة الخلفية للحدود بين العراق وإيران زمن الحرب و كان واجب فوجنا إسناد القطعات الأمامية ولم تكن لدينا مهمات قتالية الا الخوف من الهجوم المباغت بأنزال جوي علينا أودعوتنا للتقدم كوننا نشكل القوة الساندة للقطعات الأمامية ولهذا كنا نقضي معظم الاوقات في الأحاديث و النقاشات ولعب الدومينو أو الطاولي وقراءة الكتب ووقت العصر نلعب كرة الطائرة أوالتسلي بسماع أخبار الوطن من خلال حكايات المجازين بعد عودتهم الينا وكان الحزن والكأبة هي التي تلتهمنا وقد تركنا أهلنا وأحبابنا وحياتنا المدنية ووصلنا الى ساحة إنتظار الموت هذه و كنا نعاني من أعداء يتربصون الشر فينا وهم بيننا فالضابط يعتبر الجندي كبش فداء وبأمكانه إرساله الى القطعات الأمامية وممكن موته بالقذائف التي تتساقط من مدافع العدوهناك وبأمكانه أن يستلم المال من أي جندي ويمنحه إجازات دائمة حتى نهاية الحرب وهو بين عائلته وفيهم من يساوم الشباب الصغار من المكلفين للعمل كمراسل يشاركه حتى الفراش وبيننا جنود يأكلون وينامون بيننا وهم في شعبة التوجيه السياسي وبأمكانهم كتابة تقرير يخفي أي منا بتهمة معاداة الحزب والثورة أو الحقد على السيد القائد ويحاصرنا أعداء من أفاعي وجرذان كبيرة بحجم القطط وزنابير وبعوض وحتى كلاب سائبة .
كانت هناك لعبة إبتكرها الجنود ومعظمهم من الشباب وهم يقضون الخدمة المكلفية في الجيش هي لعبة صراع العقارب حيث يبحثون عن هذه العقارب وهي تتواجد معنا بين أكياس التراب التي تشكل الجدران لملاجئنا أو حول ملاجئنا وتعيش في حفر صغيرة ونبحث عنها خوفاً منها في الليل حيث نجلس ونتسامر فوق الأرض وكثيراً ما تخرج بعد غياب الشمس وتلدغ من يقع تحت سطوتها ولهذا كنا نسمي عملية البحث بتمشيط الأعداء .
بعض هذه العقارب له لون أسود وبعضها أصفر مائل للحمرة وربما من شدة السم ومع أن العقرب أصغر من الأفعى لكننا نخشاها أكثر من الأفعى لأنها لاتلدغ الا الذي يتحرك تحتها أوضدها بينما العقرب عمياء و تلدغ كل ملمس رخو تمر عليه .
نصطادها بعد أن ندخل خيط في حفرتها وما أن تشعر به حتى تتمسك به ونأتي بها وعادة نضع عقربين أو أكثر في صندوق فارغ للعتاد ومفتوح من الأعلى ويتم الإقتتال بين هذه العقارب ونتجتمع حول الصندوق ونشاهد هذا الصراع وكلما قتلت عقرب جائوا بإخرى ويرتفع التشجيع والصراخ حول العقربين كلما تشابكا وإرتفعا الى الإعلى ومن خلال التشجيع كنت أراقب هؤلاء وأشعر بمن يشجع ببلادة ومن يشجع بفوضى ومن يتميز بالخباثة والإنتهازية فهو تارة يشجع العقرب السوداء وتارة يعود فيشجع الصفراء حتى يضج المكان بالهتاف والزعيق وكأنهم يراهنون على خيول أصيلة ووصل الأمر أن بعضهم حاول طرح فكرة الرهان على فوزالعقارب لكن أحد ضباط الصف وهو من شعبة التوجيه السياسي عارض الفكرة وحذرهم أن أمر الفوج رجل صلاة وهو يكفر الخمرة والقمار والمراهنة .
كانت هذه واحدة من سلوتنا ونحن نعيش بين أصوات قذائف المدافع ومرور الطائرات من إيران الى بغداد أو بالعكس وكثيراً ما فقدنا شهداء بسبب قذائف المدافع بعيدة المدى وهي تفاجأنا وفي أوقات متفاوته .
وبينما نحن نعيش لهفة هذا الصراع حد الموت وفي حلبة الصندوق جائنا أحد الجنود بفكرة أنه يمتلك البطل الذي يصرع أخر عقرب في النزال وهوكائن صغير شبيه بأبو بريص أو هو أبو بريص بأمكانه قتل أي عقرب وفعلاً تجمعنا في يوم أخر وبعد إقتتال بين عدد من العقارب وبقاء واحدة منتصرة في النهاية أحضر أبو بريصه ووضعه في الصندوق وحدث الإشتباك وكانت النتيجة موت العقرب وبقاء أبو بريص يدور لوحده في الصندوق وهو ينتظر من يرفع ذيله ويعلن إنتصاره .
يومها دفعني هذا المشهد للأيمان أكثربنظرية داروين حول التنازع في الطبيعة من أجل البقاء والبقاء للأصلح والأقوى في الوجود وعرفت إننا مثل العقارب العمياء نقف هنا داخل صندوق مفتوح للعتاد نتصارع حد الموت وهناك من يتسلى بصراعنا وموتنا ووحدهم المبصرون هم من يتحكم فينا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب