الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كمال سبتي: هربنا من دكتاتور قاس لكن الحرب والاحتلال أفسدا أملنا

كمال سبتي

2006 / 3 / 1
مقابلات و حوارات


جريدة السفير البيروتية تحاور كمال سبتي
"صبراً قالت الطبائع الأربع" عنوان المجموعة الشعرية الجديدة، للشاعر العراقي كمال سبتي (المقيم في هولندا) الصادرة حديثاً عن "منشورات الجمل". وهو وإن عاد فيها إلى الوزن والتفعيلة كخيار كتابي أسلوبي، إلا أن الشاعر يستمر في كتابة "هذه التراجيديا الشخصية" التي ميزت جل عمله. حول كتابه الجديد هذا الحوار، الذي توجهنا فيه بالأسئلة عبر البريد الألكتروني.

* قد يفرض الحدث علينا البدء بسؤال حول الراهن، كيف ترى إلى الوضع العراقي الحالي؟

ج- الوضع العراقي صعب. الكل في مأزق. الاحتلال والذين خدموه بعقود مالية أو روجوا حربه لغاياتٍ مّا ومصالحَ ما والذين صدقوه بقلوبِ سَمَكٍ والذين قاوموه أيضاً.
نعاني الآن من مشاكل تكونينة عديدة، منها الطائفية التي لم نكن نعرفها اجتماعياً على نطاق واسع والتي هي الآن إفراز طبيعيّ للحالة التي جاءت بها الحرب.
في واحدة من غزوات إيران للعراق خلال القرون الماضية أراد قائد الجيش أن يفتك بالسنة في بغداد فقام الشيعة بتسجيلهم على المذهب الشيعي حتى يجنبوهم القتل.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة..بل أن هناك عشائر عراقية شيعية وسنية في آن وحين اعتقلت قوات التحالف زعيم أحدها بعد الحرب وهو سني خرجت العشائر الشيعية متظاهرة ومهددة بالعصيان إذا لم يطلق سراح زعيمها السني.
وعلى الرغم من أن عوامل اقتصادية وسياسية معروفة تقف وراء مايحدث الآن إلا أنه عار لنا جميعاً.
كانت لنا بلاد مثقفة ومؤسسة أساسية في الفن والأدب والثورات الاجتماعية فانتهكت الآن انتهاكاً مريعاً في تكوينها الروحي والثقافي والاجتماعي.
كأنما عليّ عندما أزور بغداد في المرة القادمة أن آخذ عدداً من الشعراء الشبان إلى شارع الرشيد حتى حين تمر فتاة محجبة نقول لها: "أسفري فالحجاب يا ابنة فهرٍ / هو داءٌ في الاجتماع وخيم" وهو بيت تحرري للشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي قاله في بدايات القرن الماضي. وقد لا يسمح لنا الآن بقوله. وقد نُقتَل بطلقة جماعات مسلحة أو نُذبَح مكفَّرين على شاشة التلفزيون!
كان لدينا دكتاتور قاس هربنا منه "وآذينا أنفسنا في المنفى وعوائلنا في العراق" بأمل واحد هو أن نرى بلادنا متحررة منه وديمقراطية. لكن الحرب والاحتلال أفسدا أملنا. سنبقى نحن إلى تشكيل حكم مدني يبعد عنا الاحتلال وشبح الطائفية وأفكار الظلام الاجتماعي.

* من الناصرية إلى بغداد، ومن ثم الخروج من العراق، ماذا قدمت لك كل هذه المنافي، على مدى هذه السنين، وعلى المستويين الشخصي والكتابي؟
ج - هذا سؤال تكرَّرَ عليّ يا صديقي اسكندر أكثر من مرة. وفي كل مرة أشقى بالجواب. لنقل إن لكل منا قدره ومصيره. وقد شاءا أن أشقى في حياتي من منفى إلى منفى. مؤكد أن الواحد منا يحاول أن يهضم المنفى معرفياً وحسياً. أن يتعلم لغة أجنبية واحدة أو أكثر فيقرأ فيها أو فيهما ما لم يقرأه في العربية من كتب إلى انترنت وهذه إضافة هامة في المعرفة الشخصية ستكون أحد طرفي السعادة المتوهَّمة في حياة المنفى وأما الطرف الثاني فهو العلاقة العاطفية مع امرأة غير عربية وهي سعادة غامرة وشقاء قاس أيضاً.
ثمة تفاصيل أخرى تنضم إلى طرفي السعادة المتوهمة: المكتبات الغنية والمشي في الشوارع والصداقات والسفر داخل مدن المنفى ودوله تعكرها أحياناً عنصرية مّا ضدَّ وجوهنا العربية الناضرة والضاحكة والمستبشرة!
على المستوى الشخصي اخترت العزلة شبه التامة. وعلى المستوى الكتابيّ استفدت حقاً من الجامعة ومن الثقافة الغربية عموماً و كلما أتخلص من عيب ثقافيّ عربيّ أفرح بوجودي في المنفى وعزلته.
تعلمت ألا أكون راديكالياً في حداثتي وأن أكون متواضعاً أكثر وأن صفة " الشاعر الشهيد" لا تُلفَّق ولا تعطى للمرء في حياته بل يهبها التاريخ الذي يسري هادئاً.
تعلمت أن أسمع الآخر وهذا أمر ليس عربياً بالمرة.

طريق العزلة

* قلتَ مرة إن "الحداثة الشعرية هي طريق للعزلة"، وكنت تتحدث عن عزلتك الشخصية. بأي معنى تتحدث عن هذه القطيعة؟ وهل هي موجودة بين القارئ والشاعر؟
ج- الحداثة الشعرية بأفكارها المغايرة للثقافة القروسطية هي طريق للعزلة في المجتمعات العربية، كما أنها اذا ارتبطت بمفهوم التعالي على صغائر التفاصيل في اليومي الأوروبيّ ستكون طريقاً للعزلة في المنفى.
والحداثة عند الشاعر العربي لا علاقة لها بمصطلح الحداثة الغربي الذي ينتهي تاريخياً فيأتي مصطلح ما بعد الحداثة.
إنها ثورتنا التي ستستمرّ دهوراً حتى نخلص إلى ما جاء به ابن رشد في شرحه أرسطو..من فصل بين الدين والفلسفة وبين الدين والدولة في الشارع العربي والإسلامي وليس في قرارات الدولة القسرية لوحدها.
بالنسبة إلى قولي السابق فقد كنت أتحدث كما تقول أنت عن عزلتي الشخصية. فانطلقت بالقول من أمر مكانيّ ونفسيّ و..و..إلى الأمر الشعري. هي ليست مصادفة. إنه قدر شعري محكم.
تدعو الى الحداثة وتعارض قوانينَ وتراثاً وأشكالاً أدبية وأدياناً..إلخ خذها إذن في عزلة حياتية أيضاً. أسطورياً يتم الأمر هكذا عادةً.
القطيعة هي ادعاء كنت أدعيه. هذا ليس عيباً. ليس كل ادعاء هو عيب. وهي ادعاء بمعنى أن تحققها لا يتم تماماً. لكن الشغل في "القطيعة" هو طريق شعري باذخ سيعلمنا التفرد الأسلوبي والبحث عن إمكانات تعبيرية غير مكتشفة. أما بالنسبة إلى الشق الأخير من السؤال فقد قلت سابقاً إن قصيدتي هي قصيدة معنى. ومن هنا ستبدو الصعوبة في "القطيعة" أيضاً داخل الشغل الشعري نفسه. وستنعدم مع القارىء. أنا لا أسعى إلى أن يفهمني القارىء. كلا. أنا أسعى إلى المعنى في قصيدتي أما القارىء فأنا لا أعرفه. لكن مؤكد سيكون لي قارىء بسبب أن قصيدتي هي قصيدة معنى.
في قراءة القصيدة تتم ولادة أخرى للنص كما تعرف فهي امتلاك شخصي إذن للقصيدة.أي أن قصيدتي لم تعد هي نفسها كما كتبتها ولا ملكاً شخصياً. النص مختلف وليس هو نفسه عند كل قارىء. القصيدة هي قصائد بمقدار عدد القراء الذين يقرأونها.
* تعود في مجموعتك الأخيرة "صبراً قالت الطبائع الأربع" إلى الوزن بعد النثر في مجموعات سابقة. لمَ أنت بحاجة إلى "هذين الخيارين" إذا جاز التعبير؟
التراث الشعريّ هو في أغلبه تراث موزون. اللاوعي الشعريّ في أغلبه هو لاوعي موزون. طيب. لكننا تحدثنا عن ادعاء القطيعة. لنتمهل قليلاً. ولنقرأ معاً شيئاً آخر قلته ذات مرة: "القصيدة المتخلية عن الوزن تصنع ايقاعها للتوّ، وتصنع تراكيب لغوية آنية". ونقرأ أيضاً: "الوزن يقدم جاهزيته التاريخية: العادة المنتقلة من استخدام الى استخدام الى استخدام. الاستثناء نادر."
صاحب هذا الكلام الذي هو الفقير إلى ربه وغير ربه كمال سبتي عاد إلى كتابة الشعر الموزون وأصدر فيه ديواناً موزوناً. فلماذا ؟
جوابي سيكون سؤالاً آخر: لماذا لا أغامر ثانية بادعائي هذا كله ولكن هذه المرة في الشعر الموزون نفسه ؟ لماذا لا أتخلص من الجاهزية التاريخية والقوالب الجاهزة، والتراكيب اللغوية المألوفة في شغلي الموزون نفسه ؟
أنا أكتب كما تعرف قصيدة طويلة غير موزونة وأشتغل فيها وقتاً طويلاً. لماذا لا أكتب قصيدة موزونة قصيرة مادام شغلي غير الموزون يستغرق وقتاً طويلاً ؟ وفعلتُها. كل شعري الموزون هو امتداد لمشاغلي في القصيدة غير الموزونة فدخلت به إلى التراث وكتب التفاسير والسير الدينية وكتب الصحاح والفقه وما إلى ذلك.

الحزن والأصدقاء

* إحدى "التيمات" الواضحة في شعرك، هي ولوجك إلى كتابة هذا الحزن الذي يلفنا، هل الحزن معلم الشعراء الأول؟
أنا لست سعيداً في حياتي. هذا ليس سراً. وقد تجد انعكاساً من هذا في شعري. ممكن. لكنني حذر جداً من الذهاب به بعيداً.
هناك أمر آخر في شعري أهم فنياً ومعنوياً من الحزن وقد تكون عنيته أنت وأعني به التراجيديا الشخصية. قلتُ مرة إن المعرفة ستكون باردة بدون تراجيديا شخصية. فما بالك بالشعر. أنا أسعى إلى أن تكون التراجيديا حاضرة دائماً في شعري. أنا شاعر تراجيدي. سأقول إن التراجيديا معلمتنا. لا طعم للأدب كله والفن كله بلا تراجيديا شخصية. الشعراء اللغويون أفسدوا الشعر بملئه بتراجيديا لغوية باهتة وباردة. الشعر لا يُصنَع بتراجيديا ذهنية متخيلة في اللغة ذاتها. إنه دم الشاعر وحكايته الشخصية في هذه الحياة. لا أمنع المرفهين والأثرياء من أن يقولوا في شعرهم إنهم معذبون. لكنني لا أطيق شعراً تكتبه كائنات لغوية ذهنية باردة. لا يمكن مأساةً أن تصبح لعبة لغوية. إن أصبحتْ فهذا جرم مشهود.
* في مجموعتك الأخيرة "اتكاء" على أصدقاء وشعراء آخرين وكأنك في ذلك ترغب في إيجاد أقران لك، هل هي محاولة لفك طوق العزلة الذي يلفك؟
نعم. هناك قصيدتان مهداتان إلى الشاعرين الصديقين أدونيس وسعدي يوسف كذلك يرد اسم الشاعر حسب الشيخ جعفر في إحدى القصائد وثمة في الديوان قصائد عن تروتسكي وبشار وأبي نؤاس وابن الرومي والمتنبي..إلخ
لا أدري إن كانت هي محاولة لفك طوق مّا. أنا شخصياً لم أتعود الإهداء في شعري إلا نادراً. لكن ما تتحدث عنه الآن هو علاقات شخصية مع شعراء انعكست في ديواني الجديد. كل واحد منهم هو قريب مني لأمر ما. فأنا والشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر كنا رفيقين يوميين في بارات بغداد ونادي الأدباء عدداً من السنوات على الرغم من أنه أسن مني بجيل شعري ولم التقه ثانية منذ عام 1986. وأحب السجال مع أدونيس "وهو أسنّ مني بجيلين شعريين" في الشعر وغير الشعر وهو ذكي في التماعاته الذهنية إلى أبعد حد وقد زرته وعائلته في جبلة وقصابين وحدث أن هبت في ليلتي الأولى هناك عاصفة بحرية قيل لي إنها الأولى منذ عقود وارتبط اسم سعدي يوسف "وهو أسن مني بجيلين أيضاً" بتاريخي الشخصي لأنني حين فررت من العراق زرته في بيته ببلغراد ولم أره منذ سبعة عشر عاماً. وأما تروتسكي أحد المسؤولين عن تدمير شبابي "وقد أعدتُ في ديواني الجديد اشتغال قصيدة لي عنه كتبتها عام 1979 في باريس" فمحظوظ لأنه قُتِلَ قبل أن أتعرف إليه!
لكنني أرى أن الشعراء هم أناس أرضيون وليسوا آلهة. يتذكر بعضهم بعضاً ويحب بعضهم بعضاً " لا تقولوا هذه كذبة طبعاً" ويتأثر أحدهم من مشهد مأساوي يعيشه آخر. احتفظ لكل شاعر صديق بمشهد ما في ضميري إلى الموت. هل تعرف بأن الشاعر الصديق محمود درويش خرج من بغداد ذات مرة وهو خائف على مصيري الشخصيّ بعد أن واجهت محتداً في بغداد الثمانينيات "وشهد المواجهة محمود" قطباً من أقطاب النظام الأساسيين؟ لم أنس مشهد محمود الحائر وقتها ولا نبله في ما بعد وهو يروي لعدد من الأصدقاء في باريس وغيرها خوفَه وقلقَه البالغ عليّ من أن يواجهني أذىً قاسٍ من قبل النظام الدكتاتوري. وقد كتبت بيتاً واحداً من قصيدة ستكون مهداة إليه وتوقف الوحي الموزون وصدر الديوان الجديد وانهمكت بتكملة تجربة شعرية أخرى والقصيدة لم تزد بيتاً واحداً على بيتها الأول. أريد أن أقول يا صديقي اسكندر إن الإهداء عندي يتم لأمر مّا شعريّ وحياتي وصداقي بالتأكيد.
أما بشار وأبو نؤاس وابن الرومي والمتنبي فقد جمعتهم في قصائد "الخمريات الأربع" لأمر يخص شعرهم وتاريخهم وموتهم. والثلاثة الأوائل هم من كبار شعراء "السرد" الذين أحبهم وأنتمي إليهم.
حاوره: اسكندر حبش
جريدة السفير. بيروت 28-2-2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -