الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحك أفيش

محسن محمد

2017 / 12 / 30
كتابات ساخرة


(ضحك .. أفيش)


الناس في بلدي لا يضحكون.. الضحك من منسياتهم.. حسناً، ما الذي يمكن أن يضحك في وطن يحتضر!.
اليوم ذهبتُ لأشتري فرّوج. البائع متجهم. أنا الآخر كنت متجهماً.
- ألديكَ فرّوج؟. أسأله بصوتٍ مبحوح.
- ما الذي تراه في هذه الأقفاص؟.
أجيبُ باستحياء:
- فراريج
- عال.. ولماذا تسألُ إذن.؟
أغمغمُ بكلمات لا معنى لها. يسألني:
- كم تريد وزنه؟.
آه. وزنه .. أحكُّ ذقني كما لو أنني أفكر. أخجل أن أطلبه صغيراً.. البائع لا ينتظر طويلا، ينحنى على القفص ويلتقط أول فروج تقع عليه يداه. يكتّفه من جناحيه ويقذف به إلى الميزان.. الملعون يخبّط بجناحية ويقوقئ.. البائع يزداد تجهّما.. يكتّفه جيدا هذه المرّة ويصرخ غاضبا:
- اندفس ولك حمار
يلتفتُ نحوي. ما يزال متجهما:
- وزنه كيلوان ونصف، هل أذبح.؟
أهزّ رأسي بإذعان. يستلُّ سكينه.. ينقض على الفروج وينحره ببسالة. يرتعش المسكين ويتدفق دمه حارا. أتراجعُ خطوتين إلى الخلف. أقف بعيدا كيلا تتسخ ثيابي وأتلبث انتظر. ولأنني مصاب بداء (كبر المعلاق) سألته:
- كم تربحون بالكيلو؟.
يلتفت نحوي بحدة.. السكين المخضبة بدماء فروجي القتيل ما تزال في يده.
- وماذا نربح يعني..! - انكمش على نفسي. يزفر زفرة طويلة ويضيف ـ قشور.. فقط عشرون ليرة
- قليل.. أي والله قليل.
اجتهدت أن أبدو متعاطفا . لا طاقة لي على مواجهة السكاكين . هو يكتفي بهزّ رأسه علامة الاستياء.
- طيب والتاجر؟.
- التاجر!؟. تفوو.. - كاد ان يصيبني ببصاقه - التاجر يا روحي يلهف البيضة وقشرتها.
- هِمْ هِمْ.. هذا يعني أن المربّي يخسر. - أحاول أن أبدو فهيماً
- لا.. لا يا أخونا. المربّي لا يخسر. يربح هو الآخر. أتريد تقطيعه.؟
- المربّي.؟
- الفروج يا أخي.. أتريد تقطيعه.؟
أهزُّ رأسي علامة الموافقة. يتابع كلامه وهو ينقّل بصره بيني وبين الفروج:
- والله يا.. ما اسمك.؟
أسارع إلى القول:
- محسوبكم سعيد..
- سعيد.!؟ - يهز رأسه ولأول مرة أراه يبتسم - المهم يا أخ سعيد، لا أحد متخوزق إلا المواطن.
قلت تأكيدا لكلامه:
- المواطن يا محترم آكل خراء على كل الموائد
يتوقف فجأة. تتمدد أساريرة. يضع السكين جانبا وتفترُّ شفتاه عن مشروع ابتسامة، وسرعان ما ينفجر بضحكة هادرة لا تنتهي. جسمه يهتز وكرشه يعلو ويهبط.. أنظرُ إليه بدهشة. هل قلت نكتة!. ويمضى يقهقه وكأنه يعوي.. يخبط على كرشه بكلتا يديه، ويدق الأرض بقدمه اليمنى وهو يردد بصوت يختنق بضحكته المتفجرة:
- قلت لي الموا..طن آكل.. خـرااااء على كل الموائد.. ها ها ها...
العدوى تنتقل إليَّ. مثل مجنون رحتُ أقهقه وأخبط الأرض بقدمي.. مثله تماما رحتُ أعوي.. الدمع يغشى أعيننا.. وفي كل مرة يردد فيها عبارتي المأثورة كان يمدّ يده باسطا راحته أمامي قائلا: (صُبّها).. فأخبط عليها بباطن كفي وأنا أقهقه، وبدوري أمدّ له راحتي وأقول: (صبّها).. فيخبط عليها هو الآخر. معتوهان حقا كنا .
وبعد ربع ساعة من الضحك العجيب كان علينا أن نتوقف، فقد تخدّر فكّانا.
ورحتُ أسائل نفسي بحيرة: "مالذي فجّر فينا كل هذا الجنون؟. وهل ما قلته يستدعي حقا هذا الضحك؟." . بعد شيء من التفكير تبدت لي الحقيقة عارية ، وأدركت أيُّ شعب بائس يحنُّ إلى أدميته المذبوحة بسكين لا تشبه سكين البائع نضحك دونما سبب كيلا ننسى أننا لم نتحوّل الى جماد أو حشرات..
ودّعتُ البائع كصديق، ومضيت إلى منزلي، وكم كانت خيبتي كبيرة عندما سألتني زوجتي:
- أين الفـــــــــــــــــــروج؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-