الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشك .. قصة قصيرة

منار عبدالهادي ابراهيم

2018 / 1 / 1
الادب والفن


في الساعة الحادية عشرة من مساء الاثنين وبعد ان عاد من حفل اقيم في ساحة الاحتفالات في بغداد بمناسبة انتهاء حرب الثمان السنوات , لم يجد محمد سعيد زوجته وابنه في الشقة التي استأجرها في شارع حيفا , فينتفض البدوي الذي بداخله وتتعالى اصوات الغيرة لديه . لم تكن تلك المرة الاولى التي يتفاجئ بها محمد بخلو الشقة من زوجته لكنها المرة الاولى التي يشعر فيها بقلق حيال ذلك , خصوصا ان هذه هي المرة الاولى التي تخرج فيها نوال في هذه الساعة المتأخرة دون ان يعلم بخروجها , كما لم تخبره بذلك حينما كان يروم الخروج من الشقة بعد ان تناول وجبة الغداء مع عائلته المكونة من زوجته وابنه الوحيد عماد , بل وفوق ذلك اخبرته حين عرض عليها الخروج للتنزه بأنها متعبة ولا ترغب بالخروج ابدا . يشعر محمد بتوتر شديد ينهي كل ما تبقى من لحظات الرقص والشراب التي عاش نشوتها لتوه مع بعض الرفاق , يدور في الشقة وهو يضرب راحة يده بقبضة يده الاخرى مغمغما ببعض الكلمات الغير مفهومة , يتصاعد الأدرينالين ليطغى على تأثير الجعة التي تلافى الاكثار منها كي لا يصل الى حد الثمالة الا ان تأثيرها كان باديا عليه بوضوح . ينظر الى الباب لعلها تدخل عليه فجأة , يبحث في الصالة عسى ان يجد شيء يبين له ما حصل لكن دون جدوى . يفكر بالاتصال بالشرطة من خلال الهاتف العمومي , لكنه يقرر التريث الى الصباح فان لم تعد فلا مناص من اخبار الشرطة , لم يسأل الجيران , فقد يكونوا لا يعرفون شيئا حول الامر , ثم ان الساعة المتأخرة ولم تكن لديه رغبه بإعلام الجيران , فهو لا يريد ان يضع نفسه في صورة الرجل الذي لا يعلم بخروج زوجته , خصوصا ان هذا الامر وان حصل فستترتب عليه سمعة سيئة لا يحبذها , ستكثر الاقاويل وتتألف القصص لتؤخذ الامور بشكل خاطئ . يرد على باله ان زوجته قد خانته , لكن سرعان ما يفند تلك الفكرة بعد ان يتذكر بأن ابنه غائب ايضا , وقد يكون معها في اقرب الاحتمالات كونه لم يعتد هو الاخر ان يبقى خارج الشقة الى تلك الساعة . يزداد توتره كلما تأخر الوقت اكثر , يجلس على كرسي امام نافذة مطلة على الشارع لعله يلمح شيء ما فيه . كان يدخن بشراهة فقد اكمل علبة سجائر خلال ساعتين . لم يكن يرغب بالخروج والبحث عن عائلته لانه كان متعبا الى درجة بالغة , ثم انه لا يعرف الى اين يذهب ليبحث عنهم . وهو على كرسيه يغلبه النعاس ويغفو .
في الساعة الواحدة والنصف وبينما هو يغط في نومه , تسقط سيجارته من بين اصابع يده فتحرق جذوتها المتقدة بنطاله الذي اشتراه مؤخرا ولم يرتديه قط . لم يشعر بالذكوة التي خبت على قدمه وسقطت جراء هبوب نسمة هواء باردة بالمقارنة مع طقس اغسطس اللاهب , الا ان ضجة احدثها دخول شخصا ما وهو يدلف باب الشقة جعلته ينتفض كالعصفورٍ بللّهُ القطْر . كانت زوجته نوال ومعها عماد ابنه . نظر اليهما بشزر وصاح بصوت اجش :
- اين كنتما ؟
اجابت نوال وهي تكاد تسقط على الارض من شدة التعب بأنها اخذت عماد لتعمل له غسيل معدة في مستشفى الكرخ بعد تسممه بطبق باقلاء مسلوقة اعدتها على العشاء . هدأ محمد قليلا ثم جلس على كرسيه من جديد ؛ قال بصوت هادئ وبوضع اكثر اتزان :
- وكيف حالته الان ؟
- انه بصحة افضل . لقد نصحني بعض الاطباء المقيمين هناك بأن علي ان ابقى في المستشفى الى صباح الغد كي يرتاح اكثر لكني لم استطع ذلك فأنت لا تعلم شيئا بالأمر .
- اه يا نوال , لو تدرين اين ذهب تفكيري .
قالها ساخرا .
- اعرف . انت لا تتجرد من وساس الشك الذي يسيطر عليك . هل نسيت بأنك كدت تقتلنا في ذلك اليوم حين اعتقدت بأن رجل غريب ينام الى جنبي !
ترافق نوال ولدها الكليل الى فراشه وتخبره بانه لا يجب عليه الذهاب الى المدرسة في اليوم التالي وان عليه البقاء في فراشه لفترة كافية للراحة . تتجه الى مخدعها وتستبدل ملابسها متثاقلة بملابس النوم . كانت منهكة خائرة القوى , فهي لم تنم منذ الساعة الخامسة من صباح الاثنين ناهيك عن الاحداث التي رافقت ذلك اليوم . تقوم بتشغيل جهاز التكييف وتتجه نحو السرير . تدلق كوبا من الماء من تأمورة موضوعه على منضدة بجوار السرير لم تستبدل ماءها منذ اليوم الفائت , تتناول حبة اسبرين للحد من الصداع الرهيب الذي اغشى بصرها والآلام في ساقيها . تنسدح على سريرها , وتضع رأسها على وسادة الريش , وتستسلم لمورفيوس .
يحدق محمد الى الشارع المقفر وهو ينفث دخان سيجارته من على كرسي كان قد سحبه اكثر باتجاه النافذة , مستعيدا ذكريات ذلك الحادث الذي حدث في منتصف كانون الثاني الماضي . في تلك الليلة شديدة البرودة يدخل محمد سعيد الشقة , قادما من مجلس عزاء والد احد اصدقاءه من ايام الجامعة اقيم في مدينة الرمادي , لم يكن محمد في حالة يحسد عليها وهو يشاهد ذلك المنظر الذي رآه وهو داخل لغرفة نومه , تفاجئ بشخص غريب ينام مع زوجته على سريره الخشبي , يقف مصدوما برهة من الوقت , واخذ يغلي كبركان هائج ما ان وصلت الحمم الى فوهته حتى ثار بسرعة دون ان يأبه لجسده المنهك , لم يصدر اي صوت حين قام باخراج مسدسه الكولت الذي ورثه عن ابيه بعد موته بالسكتة القلبية , كان في الخزانة المجاورة لباب غرفة النوم . يقترب من السرير اكثر , يسحب رصاصة بيده المرتعشة ثم يوجه مسدسه نحو زوجته الخائنة ورفيقها الوضيع الذي يضطجع جنبها , الله وحده يعلم ما الذي كان يحصل اثناء فترة غيابه حينما يخرج من الشقة , لقد كان مخدوع كل تلك الايام وربما السنين , اين كان غائبا عنها , ومنذ متى بدأت تلك الخائنة الوضيعة بخيانته , يجب ان يضع الان حدا لهذا الهراء , يجب ان تُعاقب زوجته القذرة وتموت في فراش العار , يجب ان يغسل هذا العار الذي لحق به , كانت ترد في ذهنه افكار مشوشة وظنون مسمومة , جعلته لا يتمالك نفسه في تلك اللحظة , كان شرر حارق يتطاير من عينيه وقد اطلق النار لولا انه يقرر ان يزيح الدثار السميك عن النائمين ليرى وجوههم المسودة بهذا العمل القبيح , المفاجئة لم يكن هناك اي خيانة ولم ذلك الذي ينام جنب زوجته غير ابنه عماد الذي كان يحضر لامتحان الرياضيات والذي سيخوضه في اليوم التالي , وكانت والدته تساعده في فهم المادة , وقد اخذته غفوة بدون قصد منه بعد ان نامت هي الاخرى مستسلمة لقطار الاحلام . بجنب عماد كانت هناك وسادة ساعدت على اظهاره من تحت الدثار بهيئة ضخمة خدعت ابيه , وجعلته يتصور ان زوجته خائنة وعليها ان تدفع ثمن خيانتها هذه . يجلس محمد على سريره والعرق يتصبب من جبينه , عانق زوجته التي ايقضها ثقل جسده الذي رماه الى جانب السرير بحرارة وطبع قبلة في جبين ولده الذي ما زال مرتميا في احضان النوم . يرمى مسدسه على الارض وسط دهشة واستغراب من نوال التي كانت لتوها على حافة الموت .
في الساعة السادسة والنصف توقظ نوال زوجها ليذهب الى عمله بعد ان اخذه النوم وهو يستذكر تلك الحادثة على ذلك الكرسي الذي انهكه حتى الصباح ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا