الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من رد دعوة الشاعر تبوأ مقعده في جلباب الندم قراءة في معلقة للشاعر د. حيدر الجبوري

احسان العسكري

2018 / 1 / 2
الادب والفن



تعالي واتركي خوفَ الرُجوله
وزيحي عنكِ أدواراً هزيله
أفيقي ثورةً بيضاءَ..هُزِّي
بأسوارِ القساوسةِ الضئيلَه
تعالي إنّما الثوراتُ قَدْحٌ
بدايتها هـــــــتافاتٌ قليله
منذُ عقودٍ والساحة الشعرية تحن الى الجمال الا من بعض قصائد شعراءنا المعاصرين ولا أريدُ ان اشير هنا لأحدٍ منهم كي لا اقعُ في فخ النسيان الذي قد يجعلني اخسرُ سيداً منهم ولستُ مستعداً لذلكَ بعد . وهنا تجدرُ (النباهة) الى اننا الآن لازلنا في جمال العربية الأخّاذ حيث يحملنا النص بعيداً بعيداًنحو آفاقً ماضية وكأننا عدنا لربيع الطفولة وكأنه يؤرجحنا بأرجوحة العيد المنصوبة بين حينا الفقير وحي التجار الذي انشيء حديثاً فتارةً نجد ارجلنا بين التجار وأخرى تتكيء اظهرنا على حاضرنا الأشدُ فتكاً بنا من فقرنا الثقافي والإجتماعي .
ابيات ابتدأ بها الجبوري الكبير قصيدته وهي دعوة لحلم يبدو للقاريء انه يراوده منذ فترة طويلة حتى إن الشاعر يخشى ان يخرج للملأ بمقيصٍ قُدَّ من ترفٍ لعبته معه الدنيا بوجه هزيل ولكن هذا الهزال يهز الشاعر من اعماقه ويجعلهُ قائداً ثورياً يحرك جمهوره بكلمات قليلة ضغطها فانفجرت في اسماعهم غضباً ولكنهُ غضبٌ جميل فهو غضب الجسد اذا ما استحقت الدنيا ثورته , وفي حقيقة الأمر ان شاعرنا هنا دسَّ بذكاء ايماءات وايحاءات جميلة ومعبرة بين حروف ابياته فلا تنفك تشعر به وأنت قرأ ثم تمضي لتعود تقرأ نفس ما قرأته .إنه فن الجذب الفراتي استخدمه الشاعر ليؤرق ذائقتنا .
" ومنشورٌ من الرغباتِ فيهِ
غواياتُ التمردِ والطفوله
فما يجديكِ قَتْلٌ أنتِ فيهِ
" مُهَمَّشَةً لتنتصرَ الفحولَه؟
يالهُا من لغة تهديد جميلة ..! شاعرنا هنا لعب على وتر خطورة النص وكأننا أمام صحيفة كتب فيها مجهولٌ ما مقالاً هددنا فيه عنوة و زرع لنا بين طيات مقاله ايحاءات تجعلنا نعرف من هو لكننا عاجزون تماماً عن الرد عليه فنحن بين مطرقة الغضب وسندان الغواية فلا الرغبات تبقى ولا الشقاء ماض واي مكابدٍ للوله سيرتد اليه طرفه دون ان يختنقُ قبلاً بعرشٍ لمليكة أحلامه وقد جثم على صدره فالنصر هنا تحصيل حاصل .

وموروثٌ من الأحجارِ..قبراً"
على جنبيهِ أكفانُ القتيله
وسكينٌ من الأعرافِ..ثأراً
لِيَنْحَرَ فيكِ أنثايَ الجميله
هنا شعري..أنا حربٌ ضروسٌ
أنا أشياؤك الحُبْلى العليله
وإنّ الحبَّ في نظمي بيانٌ
" ستُلقيهِ بآذانِ القبيلَه

تداخلت هنا العروبة البدوية والبابلية المدنية و الشاعرية المهذبة والنظم الإحترافي لشاعرٍ كان ولا زال حي الضمير مرهف الحس نقي الحب , في عقيدته المدنية يرفض البداوة الشوارعية القادمة من اعراف بالية والتي اثقلت كاهل الانسانية في مدننا وعرت الحب من جوهره وأحالته للذة موقتة اتلفت بانتشارها كل كرامة للأُنثى اذا ما اشيع عنها مجرد اشاعة انها عاشقة ان بعض الاعراف التي يمقتها الشاعر جعلته ملائكياً تجاوز حواجز الصنعة الشعرية و وصل ذروة الصدق العاطفي راوياً لنا حكاية عاشق وعاشقة فريدة كيف استطاع هذا التصوير لولم يكن يرى بعين عشقه ؟ لا بعين البشر الطبيعي الذي يحسب حساب الشارع والقبلية والعرف و الخطر . بحيث اغرقنا في دوحة من الجمال وهو يرسمُ لنا لوحة كلاسيكية بريشة حداثوية لماهية حبيبته التي دعاها لقلبٍ محترقٍ صيّر منه فراشاً حريراً نديا.

كفاكِ الخوفَ من عَيْنِ العَشيرِ"
وأدْعِيَةِ العقوبَةِ والفضيله
و نُسّاكٍ يرونَ العشقَ عَيْباً
وهم في الحبِّ أوثاناً ذَليله
وحواءَ على الأعرافِ أفعى
وشيطانَ الغوايةِ والرذيله
أصيخي السمعَ للإطيارِ تشدو
تناغي الزهرَ في غَزَلِ الخميلَه
هُما في الحبِّ من نارٍ وثارِ
" ألا من فيهما يشفي غليله
القاريء للقصيدة سيقول انها قصيدة كلاسيكية طبيعية جميلة أو قد يصفها جميلة جداً لكنها في حقيقتها عبارة عن مقالٍ كتبه عالم اجتماع بلغة شعرية عالية جداً مضى فيها يشق طرقات الجحيم اللغوي بصمود الشاعر الكبير وبهذه الفصاحة وتلك العبارات البليغة جعل يقلبنا ذات الشعر وذات المقال ودهشتنا باسطةٌ نظراتها على فراش اللقاء المرتقب وقد استجمع كل إحساسه بالحبيبة بذات الشاعر بل تعدى ذلك هو احس حتى بالآخر فاحترمه وقدم له نفسه على طبقٍ من كلام في الظاهر إنه يعريه ويفضحه ولكن ما يدسه الشاعر بين حرف كلماته في الحقيقة يقول لذلك المعيب على الحب وجهه امض بعيداً وتعرى في غير خانتنا فأنت لم تُشمل برحمة الحب بعد جاعلاً من الرموز المكثفة التي يستخدمها غيره للتوعية : خطوات للهدف الذي وصل اليه وهو يجلسُ تحت شجرةٍ من ياسمين يناغي زغاريد الحياة على اغصانها وحوله تتراقص الأماني وتعزفُ طبيعته الشاعرة اغنى لحون الجمال والعشق السرمدي . ان اتوظيف النار غالباً يجره الشعراء لمسارات محددة قد تكون مثلاً الشكوى من الم الفراق والاحتراق غالباً هو الحزن والوجع الذي ينمقُ في الشعر الا أن شاعرنا هنا غير هذه المعادلة فجعل من النار جميلة وكانه يعيشُ شتاءهُ القمري على قمة اللقاء .


يُمَوسِقُ فيهما للعشقِ نَهْرٌ"
على القلبينِ أجرى سلسبيله
تعالي نرتقي الاسوارَ إنّا
مواقيتُ الأَهِلَّةِ لا أُفولَه
أخاديدٌ من الوَجَعِ المُقيمِ
سنطويها كَخارِطَةٍ كَهُولَه
تعالي خطوةً أُولى وقولي:
ألا تباً لأعرافٍ سَليلَه"
وتتعالى نبرة الحنين لتبلغ اوجها وتتصاعد معها اللغة الشعرية لتصل الى ذروة الجمال الفني وبراعة النظم وكأن لقافية الهاء الممتدة الى ما لا نهاية قد تقيدت بالقصيدة على عكس ما نقرأهُ في هكذا قوافي , فحتى في هذا الأمر لعب الشاعر لعبته اغرق قصيدته بالجمال ليجعل الحرف طوع امره ويكون معبراً عن احساس حقيقي فتكتمل القصيدة بهذا الشكل النادر من التصوير والحرفية والفنية العالية ومعادلة الموروثات المقيته ومعاملتها على انها مجرد عوالق في مجتمع الانسان الحر ،
تقاويمٌ من الحزنِ العتيقِ
سنلقيها بأضرحةِ الرجولة
توقف الشعر هنا ليعطي كل القصيدة زخمها الادبي والفني والجمالي كل ما في روحه من اشتهاء وفي رجولته من ثورات بقدرة بديعة على اختصار الكلام الطويل في بيت يوحي بقصيدة لا تُهمل وجمال لا يوصف فهل كان البوحُ هنا مجرد قشور تتفتت بين الاصابع التي لطالما صاغت الجمال؟ وعيون احبت هذه الدنيا وانتمت اليها ؟ نعم ان محبوبته دنياه الخاصة اذ لم تصل انثى لكل هذا الكمال . والى اين يذهب هذا الفنان في هذه اللحظة ؟ لدى امرأة كُتبت ببيت القصيدة وقصيدة الديوان . خرائط وأسوار ومواقيت وأهلة تمقت الافول ولازال يطوي تلك ويعبر هذه ويستمر في سعيه الا ان يقف على ابواب مجتمعِ ليقول له أنا أكرهك واحبها واكره فيها احترامها لك واحب فيك جبنك و اكرهكما ان تتآمرا على الحب فهو الحياة واراك عدوها دون ادنى شك .
مُعلقة عصرية جعلنا الشاعر د. حيدر الجبوري نعود الى ازمنة الجمال حيث كان الشعر شعراً ونتغافل بكل ما أوتينا من انبهار عن زمن السرد الشعري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا