الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إعادة تعريف دور الفرد في التاريخ

أحمد محمد منتصر

2018 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في مقابلة "آلان باديو" تم سؤاله عن أسباب إنهيار إشتراكية القرن العشرين ، ولكنّ من ضمن إيجاباته أورد جُملة مُضمّنة كانت تحتاج شروحاً أكثر : " استبدال هذا النظام السلعي الفاسد بشيوعية مبتكرة."
لقد أفلح باديو حقاً في تعبيره "شيوعية مُبتكرة" ، بالتأكيد لم يقصد شيوعيةً ما يتم إختراعها ولكنّه يقصد وعي المهام واللحظة.
ولعلّ المُحاور قبل أن يسأله عن أسباب إنتهاء الإشتراكية ، كان أولي أن يسأله ، كيف وُجدت إشتراكية القرن العشرين ولاسيّما السوفييتية بروسيا؟
سأستخدم نفس إجابة باديو : لأنّها كانت حينها شيوعية مُبتكرة ، بمعني أن ؛
لو كان عوّل فلاديمير لينين علي الشروحات النظرية لسير الفترة التاريخية ، وسيرورة الحركة ، واعتمد علي إنحطاطات قادة الأممية الشيوعية الثانية "كاوتسكي وبيرنشتاين وبليخانوف" القائلين بضرورة السماح بل ومساعدة البرجوازية علي تسلّم السلطة ، إنها لحظة مهام الطبقة البرجوازية! هكذا علّقوا.
ولكنّ الوعي اللينيني وصحة التناول الجدلي للحظة هي التي جعلت من لينين يعي اللحظة وتبيان المهام وتبيان دور كل طبقة في خوض مهامها ، حينها وجد البرجوازية الروسية لم ولن تلعب بعد الدور الثوري لسابقتها البرجوازية الفرنسية ، بل سعت لتقنين أوضاعها في ظل الأوتوقراطية.
فاتخذ لينين تعريفاً جديداً للحظة ، تعريفاً بدوره يناقض التعريف البليخانوفي لدور الفرد في التاريخ ، الذي أسقط الفرد كأداة يحرّكها التاريخ والظرف الموضوعي كيفما شاء غاضاً نظره عن تبادلية التأثير والعلاقة الديالكتيكية بين الذات والموضوع.
ومن هنا ننطلق نحو إعادة تعريف لدور الفرد في التاريخ ، ولكنّ لنعي أولاً أننا حيوانات وحيدة تقتني تاريخاً خاصاً بخلاف باقي المملكة الحيوانية.
إذنّ فالتفاعل التاريخي البشري هو عارض لجسد الطبيعة ، هو مرآة تعكس كيفيّة تحوّل ما راكمته الطبيعة كمّاً إلي كيّفاً له سيرورة تراكمه وتطوّره الخاصة المُنبثقة من السيرورة الأم.
نفس جدلية السيّد والعبد التي تحكم تاريخنا ، هي النواة الأولية التي استعبدت البشري قروناً تحت وطأة الطبيعة ومازالت تحكمنا ولكنّ البشري يترنّح ويُقاوِم ، يُعنّف ويتعنّف ، يعبث ويفني ، إنّها أول تصريح للأنا الفاعلة التي تفرّدت بذاتيتها لتفتح بوابة العبور اللانهائية لدور الذات/الفرد في التاريخ بناحيتيه العامة/الطبيعي ، الخاصة/الإجتماعي.
لا التاريخ كومة من الأخبار التي تحشي طيّات الصُحُف والألواح ، ولا لُعبة تُحيكها الأقدار ، بل تأثير الذات الفاعلة وإستجابتها التي تتعيّن بصناعتها للحدث.
الإعتباطيون السُذّج يرون التاريخ طبخة مهما إختلفت المقادير ، ولكنّ مقادير التاريخ هي التي ترفع وتحُطّ ، تُقدّس وتُدنّس ، مقادير تُعجّل حركته وديناميته وأخري تُكرِبه وتوقفه.
ودور الفرد هو إحدي تلك المقادير ، التي جعلت من الطبيعة نفسها تاريخاً.
فالذات الفاعلة ليست مُعطيً رياضياً لمُعادلة ميكانيكية صرفة ، ولا مُحتويً شطرنجيّاً تتلقّفه الأيدي ، بل إنّ فعلة الذات تلك هي أسمي عملية تركيبية لإنتاج ما نُسمّيه مفهوماً/مصطلحاً.
فالطبيعة أنتجت ظاهراتها وجنسنا البشري هو آخر نتاجاتها ، ولكنّنا أنتجنا وعينا الخاص الذي تفرّدنا به لننتج تاريخاً.
إنّ السؤال الحقيقي عن مدي العلاقة بين الذات الفاعلة/الأنا والمضمون/الموضوع يتبلور من شقيّن: أحدهما أسبقية الموضوع وثانيهما بأهمية الذات ، حيث أننا نُرجيء وجود الحدث/الظاهرة كموضوعاً مُستقل بذاته ، ونُرجيء حسم الحدث/الموضوع إلي تأثير الذات ومدي فعاليتها وتملّكها موضوع إرادتها الخاصة.
فالعلاقة بين الذات والموضوع ليست علاقة أحادية العامل المُتغير ، بل ثنائية التغيّر حيث ينقلبُ الموضوع لذات بمجرّد تملّك الذات/الأنا لموضوعها ثم يعود الذات لموضوع عند محاولة تملّك موضوع جديد.
ليست بالمثالية الصرفة التي تجعل الذات هي فعلة إله ، ولا بالمادية المُجحفة علي النسق البليخانوفي بنفي الذات وسلبها تعيّنها في الوجود ، إنّها علاقة ديالكتيكية من الدرجة الأولي بمقدار ما يتراكم في طرف إلا ويُحدث تغييراً في مقدار ما روكم علي الجانب الآخر ، بمدي تحقق الموضوع ومدي سلبه كظاهرة يعيها عقلاً بشرياً ليُعيد تعيّنها وصياغتها في مفهومٍ.
إذن ما الذي يتعيّن علينا فعله الآن ، نحن أبناء القرن الحادي والعشرين ، ونحنُ نُدرك ضعف التعاطي مع الدعايا الشيوعية.
كيف يمكن نقل النقاش حول الشيوعية من الدوائر الضيقة إلي المجال العام؟
أجاب باديو إجابة رائعة :
" كيف سيبدو سؤالك لنقل في عام 1840، حين بدأ ماركس وإنجلس وثلّة أخرى بالكتابة والنشاط؟ كانوا مجرّد حفنة من الناس، ولم يكن هناك أي رأي عام في صالحهم.
في عام 1848 كتب ماركس وإنجلز "بيان الحزب الشيوعي،" في حين لم يكن هناك أي حزب شيوعي!
منذئذ أصبح هذا نوعاً من التقليد. نحن، مثلهما تماماً، يجب علينا البدء من جديد، أن نبدأ أوّلا وبشكل رئيسي بنشاط إديولوجي كثيف، يهدف للتأكيد على أننا اليوم لا نملك إمكانية واحدة فقط بل اثنتان، الرأسمالية أو الشيوعية."
أكرر : نحنُ مثلهما تماماً يجب علينا البدء من جديد.
وتلك البداية لا تعني كنس جلّ الأفكار السابقة ، ولكنّ الإنطلاق من واقعنا المادي الملموس بتحليلٍ ثاقبٍ يتناول تفنيد بني الأيدولوجيا السائدة وأفكارها الداعمة ، لنلتمس مجتمعنا ، مجتمعنا المُبتكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م