الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منغّصات الترجمة

ابراهيم محمود

2006 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


بعيداً عن الاستنصاح والأستذة، يمكنني القول بدايةً بأن الترجمة أشبه بهاوية! إنها في الوقت الذي تغري الناظر إليها بالتأمل فيها وحتى استطالته أو إدامته، قد تصيبه بالدوار، فلا يعود مركّزاً على الموقع الذي اتخذه لنفسه، وربما يهوي تالياً، ولعل المتمعن فيما يُترجم، وخصوصاً النصوص التي تتطلب المزيد من التركيز، يلاحظ هذا الجانب. ولكي أكون أكثر قرباً مما أعنيه، فإنني عانيت الكثير بدايةً من الدوار المذكور، حيث المترجم الذي يبتغي التحرر من وطأة الهاوية، هو الذي يتدرب على النظر، ليكون مع الزمن أكثر سيطرة على الذات، وأكثر قرباً مما يقوم به، وأحدد هنا ما أسميه بـ( منغصات الترجمة) الخاصة بالنصوص الكبرى، تلك التي تتطلب المزيد من اليقظة والشمولية في الربط بين الجمل أو الكلمة وموقعها، أو اكتناه مقصد الكاتب مما أثار في نصه، إلى حد ما، أو ما يكونه نصه فكرياً.
أمامي، بين يدي، كتاب ( مم آلان)، والذي هو من إعداد " روجيه ليسكو"، وتقديم الدكتور " نور الدين ظاظا"، حيث تُرجم حديثاً من الكردية، إلى العربية، وصدر عن دار ( التكوين)، دمشق، الطبعة الأولى، 2006، في 250 صفحة ونيف، من الحجم الوسط، وبغلاف جميل، ولا ينسى ما جاء تعريفاً بالكتاب( عرضياً)، وهو أن المترجم ( ملحمة من التراث الكردي)، وهي حالة تنبُّه في محلها، وتفصح عن وجود تاريخ أدبي، ثقافي، يخص الكرد، لـه قِدمه الملحوظ، فيما تقدَّم، والذي قام بالترجمة هو الكاتب الكردي " عبدالناصر حسو". ولعل أول ما أبتدىء به حديثي عن الكتاب، هو أنه يشكل ثمر جهد مضن ٍ، ويُري ، وخصوصاً في العديد من الصفحات، وإزاء العديد من المشاهد التي تتطلب يقظة في الوعي الترجمي، نفاذَ رؤية، وعمق إدراك في الربط بين لغتين بالمعنى الفقهي المقارن، أو في وعي التثاقف، لحظة تحوُّل النص من لغة، لها إشكالياتها الكثيرة، باعتبارها حديثة التشكل : صياغة ومعنى، وحتى على صعيد التعبير الشفاهي كثيراً، وهي في حالة مواجهة لعالمها، وهي الكردية، والتي أسميها حتى الآن، في ظل معاناتها بأكثر من معنى( لغة مهرَّبة)، مقابل أخرى لها خبرتها وتمرسها، وقدمها الأدبي والفكري ، عدا عن الحضور المؤسساتي، باعتبارها لغة مصانة، طالما أنها تتحرك ضمن حدود، وفي نطاق أجندة ثقافية رسميين. ما أريد التوقف عنده، هو تقديم ظاظا لـمم آلان، وكيف تمت الترجمة، تاركاً ما تبقى( وأعني نص الحكاية/ الملحمة)، إلى مكان آخر، وفي وقت مختلف، لماذا: أولاً لأنني أهتم بما كتبه الدكتور ظاظا منذ فترة، وباللغة الكردية، كما هو معروف، من قبل من تابعوا مجموعة من الحلقات التي كتبتها عنه منذ فترة، وثانياً، لأن مقدمته ذاتها، ترجمتُها، وأدرجتها، إلى جانب مجموعة قصصه، بعد وضع مقدمة طويلةً نسبياً لهما، وأنا بصدد وضع اللمسات الأخيرة، لنشرها ضمن كتاب مستقل، إلى جانب آخر، يتعرض لبعض جوانب سيرته وأبعادها القيمية والتاريخية كردياً، مثلما تعرضت لهذه المقدمة نقدياً وباختصار، في مقال مكتوب بالكردية ومنشور في موقعAvesta الكردي الأنترنيتي، ولا ما نع من وجود أكثر من ترجمة، لأن ذلك يمرّن اللغة بالذات، ويوسّع وعي القارىء، وينبهه إلى الترجمة ومدى الخطورة فيها، والأهم من كل ذلك، هو أن المقدمة المذكورة، تتطلب إحاطة أكثر من النص الأدبي، لأنها فكرية ونقدية معاً، ولذلك، فثمة حاجة إلى دقة أكثر، تتطلبها المقدمة هذه. ولعلي هنا ، سأتوقف عند مجموعة من النقاط التي لا يمكن تجاوزها، وهي متفاوتة في أهميتها قيمةً: نسيان أو عدم ذكر كلمات أو جمل واردة في النص الكردي، يكون نقلها أفضل من عدم نقلها، لأنها تبرز طريقته في التفكير، وهنا لا يمكن تجاوز هذا الجانب، كما سنرى، وتجاهل ذكر كلمات أو جمل، لا يمكن ذلك، لأهميتها الدلالية والتاريخية ، وكذلك القيمية، على الصعيد المعرفي: الاجتماعي والقومي، كما سنرى أيضاً، ونقل جمل أو عبارات بطريقة تخالف ما هي عليه في النص الأصلي، وتجاهل فقرة أو أكثر، لا يمكن وضعها جانباً لأهميتها في وعي الحكاية، ووضع كلمات أو أسماء بدلاً من أخرى، خلاف ما هي عليه في النص الأصلي، والتداخل بين أكثر من فقرة تقديماً وتأخيراً، في الترجمة العربية، يخالف تسلسل النص الأصلي بالمقابل، والخلط بين أقوال لظاظا وسواها هي شواهد شعرية وغيرها، وعدم الالتزام بإيراد الشواهد كما هي، من جهة النقص، وحتى تداخل الترجمة..الخ. إنها في محصلتها ، مجموعة ملاحظات، لا أعتقدها قابلة للتجاهل، لأن أي مقارنة، تُري أكثر من اختلاف وخلاف بين النصين: الأصلي الكردي، والمترجَم عربياً، فيكون بالتالي ظاظا مختلفاً وخالفاً بحسب المشار إليه، وأحياناً خلاف ماهو عليه مترجَماً. أقول هذا، لأكرر ثانية، أن ذلك لا يعني تجاهل الجهد المعرفي والرمزي للكاتب المترجم. وثمة ما يجدر التذكير به، وحسب متابعتي، فإن طبعتين، صدرتا لمم آلان، حيث توجد المقدمة المذكورة، الأولى، أعتقدها الأقدم، صادرة عن دار( كرم)، في دمشق، وغير مؤرخة، والثانية، هي من منشورات( باهوز)، سنة 1973، وفي كلتيهما تحت اسم( ملحمة مم آلان) هكذا DESTANA MEMê ALAN، وليس( مم آلان) العنوان مجرداً في الترجمة العربية. وفي مقارنتي أشير إلى طبعة ( باهوز)، رغم أن الأولى أيضاً عندي، وذلك بالإحالة إلى الصفحات الخاصة بالمقدمة، وهي مرقمة لاتينياً، وتبدأ بالرقم( 9)، وأنا أرقمها عندي بـ(1)، بينما تبدأ في الطبعة الأولى بـ(5)، أقول ذلك، لتسهيل عملية المقارنة.
بين عالمين
منذ الصفحة الأولى، يفاجئنا المترجم بعالمين مختلفين متفاوتين في تجلياتهما الفكرية، حيث تتحدد ملاحظات كثيرة مما ذكرنا، والمؤسف، أنها( أي ما ورد في الصفحة الأولى)، كانت تعريفاً بالكتاب والمقدّم، على الغلاف الخارجي. كيف؟
1- يترجم الفقرة الأولى بداية، وهي تتحدث عن أهمية الحكاية: الملحمة، ناسياً أو متجاهلاً عبارتين: جغرافية ودلالية، على الأقل، في الأولى خاصة بكردستان، والثانية بالذين يسمعونها( تمتعت حكاية " مم آلان"، بشهرة واسعة من جبال ديرسم إلى سهول لورستان، حيث يجتمع الصغار والكبار، الرجال والنساء ساعات طويلة في ليالي الشتاء.....الخ)، بينما هي هكذا( بدءاً من جبال ديرسم، حتى لورستان، ذاع صيت" مم آلان"، في كل مكان من كردستان، يتحلق الصغار والكبار،العجائز والكهول، النساء والرجال، خصوصاً في ليالي الشتاء، حول الحكواتيين، ولساعات طوال، وهم يستمتعون بخشوع ولذة إلى هذه الأغنية)، فالمكان الجغرافي( كردستان) لا يمكن تجاهله، إذ ليس في وسع أي كان، بسهولة، معرفة المحصور بين المشار إليهما( ديرسم ولورستان)، وكذلك نوعية المستمعين، فالعجائز والكهول، جيل بالمقابل، أورده ظاظا، والالتزام به ضروري، والحكواتي غير الراوي، حيث الأخير يختص بالسرد، وهو معروف عربياً، أما في الحالة الأولى، فالحكواتي كردياً قد يكون مغنياً، كما ذكر ظاظا، أي إن القائم في النص( الأغنية وليس الحكاية، وتحديداً: Vê stiranê)، وهذا لا يتطلب تأويلاً جانبياً مطلقاً.
2- في الصفحة ذاتها، حيث الحديث عن انتشار الحكاية، ثمة تداخل. ففي الترجمة العربية، يتساوى الكرد والأوربيون في التعامل مع الحكاية، بينما في النص الأصلي خلاف ذلك، إذ نقرأ في الصفحة هذه( إن هذه الحكاية الأكثر قيمة صياغة حتى الآن، لم تنتشر بين الكرد كتابةً. حيث الأوربيون أدركوا مكانتها، واستحثوا الخطى، ليظهروا ملحمة الحب السامية والراقية، متضمنة جسد وروح سجايا الشعب الكردي الأبرز لقرائهم..). أعتقد هنا أن الموضوع واضح دلالةً.
3- في الصفحة الثانية،أعني (ص 6)، عربياً، وهي الأولى كردياً، يورد المترجم اسم ليسكو المستكرد، وليس الخبير بالشؤون الكردية فقط، كما نقرأ عربياً، ومدى نشاطه في خدمة الجانب الثقافي الكردي، وخصوصاً إزاء هذه الحكاية، ينقل هكذا لاحقاً( جمع ليسكو هذه الحكاية بعد أن استمع إلى عدة رواة، حيث كتب كل ما سمعه، ثم أحضر اثنين من الرواة الأكثر ثقة..)، بينما في النص الكردي( ص1)، يكون الوضع مختلفاً( لاحقاً، وفي أثر الجميع( أي الذين اهتموا بالحكاية أوربياً)...)، ولا رابط عربياً بين الجانبين، بينما كرديا ًثمة تسلسل، وبعد( من أجل إظهار هذه الحكاية للنور، استمع ليسكو إلى أكثر من عشرين حكواتياً( مغنياً)، ولا واحد منهم كان مستظهراً إياها كاملة)، ثم تأتي العبارة الأهم، وقد تبعثرت واختزلت وتحورت أيضاً ترجمةًً( لأنه، وكما يقول ليسكو، بزوال أمراء الكرد وآغواتهم ووجهائهم ، يختفي بالمقابل الحكواتيون المحترفون، ويبقى مكانهم شاغراً،ولو أننا، وبدءاً من الآن وصاعداً، لا نعير اهتماماً لفولكلورنا، فإنه سيتعرض للضياع)،ويبدو أن المترجم تجاهل هذا الربط، لأكثر من سبب، ربما لطول الفقرة، أو لتداخل الأفكار الجزئية ضمناً، وفي الحالات كلها، فإن القفز على ما تقدم، يبخس التاريخ الزمكاني حقه كثيراً، إذ ثمة تنويه بأهمية حقبة اجتماعية وثقافية( وجود من ذكرهم، والذين وجِدوا بوجودهم، وأعني الحكواتية، أو الحكواتية المغنين معاً) ومدى أهمية الرابطة بينهما. أما من جهة علاقة ليسكو بمن اعتمد عليهم، فلا بد من التنويه إلى طريقة تعامله، فهو( لم يحضرهم) حرفياً، كما ورد في الترجمة، وإنما( استمع إليهم)، وشتان ما بين الحضور أو الإحضار تحديداً والاستماع، من جهة التقدير لهؤلاء، خلاف الحالة الأولى، وعددهم أكثر من ( 20)، وهم بذلك لا يشكلون ( عدة)، فهم هنا ربما حتى دون ثلث الـ( 20)...الخ.
4- وفي الصفحة( 7)، حيث الحديث يتعلق بجهد ظاظا، وعلاقته بالنص، وما يتمناه على المعنيين بالفولكلور الكردي وسواه، ثمة تبخيس لحقه، ولما يذهب إليه كثيرا تفكيراًً، إذ إن كلمة ( الحكاية)، هي( الملحمة)، في النص الكردي، وثمة ما هو أهم بكثير من ذلك، حيث لا وجود لذلك إطلاقاً في الترجمة العربية( إننا نتأمل كثيراً، مستقبلاً، في أن تنال هذه الملحمة ومثيلاتها، اهتماماً في مدارسنا وجامعاتنا قراءةً وتفسيراً). هذه الأمنية ذات بعد قومي وفكري ومبدأي، كما أرى.
قضايا تاريخية
في هذه الفقرة، والتي عنونها ظاظا نفسه، وقد ترجمها حسو بـ( تاريخية القصة)، والوضع مختلف، من ناحية المثار معرفياً، ومقتضيات الملحمة، على صعيد المثار المذكور. في بداية الفقرة هذه، نصطدم بطريقة ترجمة الشواهد الشعرية، وهي لخاني، كما في : إن لم تكن الطفلة نازنين فنوبار وعذب الرنين- لفظ ومعنى وعبارة إنشاء ومبنى وإشارة بينما( ما ذكرنا) هي وردت هكذا:

bi min qewî şêrîn e Ev tifle eger ne nazenîn e Nubare

أي: إن لم تكن الطفلة هذه زاهية فهي غضة، و عندي حلوة جداً
وElfaz û meanî û ibarat Inşa û mebanî û îşarat أي : ألفاظاً ومعان ٍ وعبارات إنشاء ً ومعان ٍوإشارات وهذا ينطبق نسبياً على البيت المستشهد به، لملا جزيري، وقد ترجمه هكذا : لن أتخلى عن شعرة فيك مقابل مائتين من شيرين وزينة ماذا جرى لك كي تقارنيني بمم وفرهاد يا مجنونة وهي وردت في النص الصلي( ص 9)، هكذا: Mûyek ez ji te nadim bi du sed Zîn û şêrînan çi dibe ger tu hesêb kî me bi Ferhad û Memê أي: شعرةٌ منك، أنا لن أقايضها بماثتي زين وشيرين ماذا يحدث لو حسبتنا كفرهاد ومم؟ ومن المعلوم، وكما هو وضح من البيتين بالذات، أن العلاقة مواجهة، وتأكيد على ما يريده الشاعر جزيري من حبيبته، حيث تأتي زين أولاً، مثلما يأتي فرهاد أولاً لاحقاً، ولا أدري من أين جاء بعبارة( يا مجنونة)، وكذلك العبارة الاستفهامية( ماذا جرى)، حيث إن çi dibe ، تعني حرفياً( ماذا يحدث، أو حتى ماذا يجري نسبياً)، وليس çi bûye، وتعني ( ماذا جرى، أو حدث)!ٍ أي إن الشاعر يطلب من محبوبته، وهو يظهر لها حبه، في أن تبادله حباً بحب، أن يكون في مقام فرهاد أو مم، رغم أنه جعلها أكثر سمو قيمة من زين وشيرين، والتفضيل جلي هنا! ويعني ذلك أن الوارد ترجمةّ خلاف الوارد في النص الأصلي تماماً. ولاحقاً، حين يأتي على ذكر حكاية اليوناني شاريه، يحدد التاريخ بـ( 50) سنة قبل الميلاد، بينما في النص (500)سنة(ص4)، وعندما يورد الحكاية، يذكر نهر دجلة، مقابل التوناTûna في النص الأصلي، بينما الصحيح هو نهر الدون( مركز بلاد اللان، كما يذكر المؤرخ الكردي المعروف" جمال رشيد أحمد" في كتابه( لقاء الأسلاف)، طبعة رياض الريس، لندن 1994، ص 152،)، وكذلك فإن بحر الخزر، هو بحر قزوين، ويضع مقابل Hevaltiya paytonger، عبارة يعلق عليها في الهامش، كونها تعني( المتآخي، وأنها مستخدمة عند الإيزيدية- ص 11)، ولكنها تعني تحديداً الصاحب الحوذي، وهو ذاته يحدد Payton لاحقاً،وبسطر واحد، بـ( العربة الحربية)، وهي كذلك، لأنها أساساً تحمل الحوذي، وإلى جانبه من يثق به( الحوذي هنا)، وهي غيرDestbirak( المتآخي) كردياً تماماً، وفي السياق ذاته، يكون المقصود هو قصرأُوداتيس(ص5) في النص الأصلي، بينما في الترجمة العربية( قصر هومارتيس، ص11). وفيما بعد، وعندما نصل إلى نهاية الحكاية اليونانية، وكيفية التعليق عليها، فإن المترجم لا يلتزم ببقية النص( قرابة نصف صفحة ونيف)، من جهة الأمانة، سواها في منحاها القيمي والتاريخي، أو موقع الشخصيات الملحمية كردياً( ص:6-7)، مقال( 12- 13) في الترجمة العربية.
تاريخ أبطال الملحمة
العنوان، كما ورد في الفقرة التالية، أما الحكاية، فمن عند المترجم( تاريخ أبطال الحكاية)، وأرى هنا، أن هناك تقصيراً في التواصل مع الكثير من متضمنات النص الفرعي هنا. ففي الوقت الذي يتحدث فيه ظاظا عن تاريخية اسم( مم)، وصلته بمحمد ، أي بالاسلام، وتأثير ذلك على الكرد، وبسبب مكانته، يتم الدمج بين قريشيته( النسب العربي الاسلامي الأثير) وكرديته مكانةً. لكن ما لم يذكره ترجمة، هو صفات مم حيث كانت سبباً للنسب المركب( تُرى هل يجوز لمم آلان، الرجل الكبير مكانة وشجاعة، ظرافة واندفاعاً، ألا يوصل بالنسب القريشي؟)، هذه الصيغة غير موجودة ترجمة( انظر ص 13)، بينما في النص الأصلي قائمة( ص 7)، وتالياً مباشرة، يورد المترجم ( وما يبرز هذا أن القصة وقعت في زمن سيطرة الامبراطورية الفارسية التي لا حدود لها، وارتباط مصير الأكراد بمصير الامبراطورية). ثمة قفز غير جائز إطلاقاً، حيث نقرأ في النص الكردي ( لكن الشيء العجيب، هو أن مم آلان ابن أخت القريشيين، يكون سلطان بلاد المغرب، وكذلك ملك الكرد، هذا الجانب عندنا اتخذ هذا المنحى) ومن ثم( في زمن عظمة الإيرانيين، كان غنى امبراطورياتهم لا حدود له، وقد كان ملوكهم أو أباطرتهم فرساً وأحياناً أيضاً كرداً)، والفرق كبير، من عدا النقص، بين الإيرانية( في تعددية شعوبها، والكرد ضمناً)، والفارسية بصفتها أحادية الانتماء القومي على الأقل، أي كان هناك زمن طويل للإيرانيين المتعددي الانتماءات سلطة وحكماً، وتعدد امبراطوريات .
القيمة الأدبية
وهي الفقرة الأهم بجوانبها الأدبية والتاريخية والفلسفية كذلك، حيث لا يمكنني التوقف عند حالات النقص والاختزال والتحوير والتداخل فيها، فهي كثيرة، حسبي أن أقول، أن الشواهد الشعرية، في مجملها لم تكن مقابلة للوارد لها عربياً، وأنها كانت ناقصة في عدد الأبيات، وحسبي بالمقابل، أن أتوقف، وكمثال، عند الوارد في وصف حالة زين، عندما يتناهى إلى مسمعها أن مماً قادم إلى الجزيرة، ففي الترجمة العربية نقرأ( كالبحر هاج القلب- تتلاطم أمواجه من الرأس حتى القدم- استيقظ الألم من جديد- ليس كالسابق دون أمل- بل بقدوم الحبيب)، وفي النص الأصلي، حيث المقابل الصحيح والأدق هو ( من جديد، هاج قلبها كالبحار- غمرتها الأمواج من هامة رأسها إلى أخمص قدميها- ثانيةً لاحت الآمال والآلام جلية- لكن ليس كالسابق، إنما متأملة بقدوم مم- ملك الكرد).
في مثال آخر، لا يمكن تجاهل مدى الخلط فيه، وهو متعلق بالمقارنة بين كل من هيجل وماركس وخاني فيما بعد، يورد المترجم ، ما يُعتبر بيتين من شعر خاني: هكذا أضاعوا أنفسهم في مستنقع الرذيلة مادياً ومعنوياً ثم ادركوا ذاتهم فتحرروا ( ص25)، والحقيقة، وكما هو واضح، هذا القول تفسير وشرح ظاظا لِما تقدم، إذ إن بيتي خاني هما Heta nekevit ji ewcê izzet Heta negihête xakê zillet Ew nabite salikê terîqê Ew nabite maesera heqîqê والمعنى الممكن هو:
حتى لا يسقط من أوج العزة حتى لا يبلغ حضيض الذل هولا يصبح سالك الطريقة هو لا يستحيل مأثرة الحقيقة وفي الحالتين، ثمة عزف على وتر التصوف، ومصطلحاته، كما هو معروف، بينما الوارد عند المترجم هو تعليق ظاظا، كما نوهت.
قضايا اجتماعية
هذه الفقرة أخف وطأة من سابقاتها، من جهة الأخطاء والعثرات وحالات سوء الفهم، غير أنني سأشير، إلى البعض منها، ففي الصفحة( 32)، يحاول العجم غزو المدينة، فيندفع حسن لمواجهتهم، وهو يخاطب ممَّاً، باعتباره أخاً لـه، وليس غريماً، وفي بيتين أخي، الفرس يطلبون المعركة على الحدود وداعاً سألبي نداء أرض الجدود وليس هناك أي علاقة البتة بين المترجَم والمقابل العربي، فالوارد في النص الكردي هو Bira , ferzan li sinetan sto badan Edî ha tu ha mal, min care gotiye em bi hev re birane ( R: 26)
والمعنى الأقرب هو : أخي لقد غلبت الفرائض السنن لذا في المفاضلة بينك والمال، كما قلت مرةً، نحن أخوة معاً.
وأرى أن التشبيه بليغ تماماً، ففي حال الخلاف، كما هي العلاقة بين السنن والفرائض، تكون الفريضة أَولى، مثلما تكون الأخوة أقدم على المال، وأكثر قيمة، ويظهر أن حسو قد خلط بين كلمتين، هما Ferz و Furs، أي الفريضة والفرس، والكلمة الأخيرة مرت معه سابقاً، عند ذكر امبراطوريات الإيرانيين، وهذا ما يجب التنبه له، حيث لا علاقة كلياً أبداً، بين العبارة الثانية له( وداعاً سألبي نداء أرض الجدود)، وما ورد في النص الكردي، ولا أدري كيف تهيأ له ذلك! ويمكن التوقف عند مثال آخر، في الصفحة ذاتها، وهو يخص حالة مم، أي علته، فنقرأ ترجمة: ( يداويني الشيخ بالتعاويذ، وأنا مجروح القلب يراودني خيال زينة، فيسرح فكري هائماً في الغرفة- وهؤلاء المجانين يطوفون حولي).
والصحيح هو ( مجروح أنا في القلب، وأنتم تأتون لي بمشايج وملالي- أطوف بعيني لعلي ألمح خيال زين زيدان- لماذا أتيتم لي بثلة المشعوذين).
أبعد من الخاتمة
كان في وسعي التوقف عند نقاط أكثر، لكنني آثرت الاكتفاء بما تقدم، لأنني ٍسأنشر النص الظاظي كاملاً في كتابي المذكور سالفاً، والذي يحتاج بعض الوقت والجهد؟ ليرى النور، وما أثرته، كان المبتغى منه، هو محاولة التيقظ عند ترجمة نصوص دقيقة في معانيها، ودون أن أشطب ( ثانيةً)على المجهود الشخصي للمترجم، وآمل أن يكون ذلك تحركاً أكثر تبصرة لعمل من هذا النوع، أو موضوع يمس الترجمة الخاصة بنصوص فكرية، وإشكالية بالمقابل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم