الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلسة هادئة وأدلة دامغة

لميس كاظم

2006 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


سُربت أخبار مثيرة قبيل وقائع الجلسة الثالثة عشر لترفع من وقعها الدرامي. أذ أشيع بأن الصنم قد أضرب عن الطعام لمدة 11 يوم لكن المضحك بأنه لم تتضامن معه أية منظمة انسانية أو حيوانية، لكنه عاد وكسر أضرابه بعد أن نصحه محاميه بأن هذه الفعالية، عتيقة، فاشلة، غير مجدية في الوقت الحاضر وقد تضر بالقضية.
كما نُصح الجزار برزان بأن لا يظهر بملابس نومه في القاعة وسروال القصابين وأن لا يجلس على الأرض منتحباً كالعجائز، خوفاً أن يُستغل هذا المشهد في تصوير فيديو كليب لأحد الأغاني العربية الهابطة التي ستقلل من قيمته القومية. لذلك حضر الى القاعة ملفلفاً بالعقال العربي والدشداشة الزرقاء ليعكس قيافته المهذبة لكن لسانه ظل سليطاً.

عُقدت هذه الجلسة كالعادة في أجواء متشنجة نوعاً ما. أذ حاول محامي الدفاع أن يبدأ هجومه الفاشل على القاضي ليفرض شروطه التعجيزية. فقد طالب بجواب لمطالبه السابقة، فأكد له القاضي بأن هيئة المحكمة قد رفضت طلبه مما حدى به الى تقديم تمييزاً خطياً، فورياً، مطالباً بتأجيل الجلسة. أكد القاضي أنه سيرفع طلبه الى محكمة التمييز لكن الجلسة ستستمر. وبعد أن فشلت محاولته الأولى شن هجومه التشكيكي الثاني، إذ أدعى أنه لم يحصل على هذه الوثائق المقدمة إلا قبل 19 يوماً لكن هيئة الأدعاء العام دعمت رأيها بأنها سلمت هذه الوثائق الى محامي الدفاع قبل 60 يوم من موعد الجلسة الاولى وعندهم محضر بتواقيعهم. أحس الدليمي أن مناورته فشلت وأن الأدلة التي ستقدم لا تقبل الشك، مما حدى به أن يغادر قاعة المحكمة ذليلاً، مهزوماً، تاركاً الأصنام الثمانية مفزوعة في قفص الاتهام وبدون خطوط دفاع. ومن الملاحظ بأن المتهمين وهيئة دفاعهم يشتركون بخصله واحدة تعكس انسجامهم التام ألا وهي الكذب القبيح. إذ صرح الدليمي بأنه سيحضر هذه الجلسة بعد أن إستجابة هيئة المحكمة لمطاليبهم لكنه لم يذق لا عنب الشام ولا بلح العراق، فخرج من القاعة مهرولاً. فحتى كذبهم غير مرتب ولا ينطبق عليهم المثل العراقي الدارج * كذب المصفط أحلى من صدق المخربط *. فلا كذبهم ولا صدقهم مرتب. لكنهم يمتاوزن بالوقاحة وقلة الأدلة.

ومن المير بهذه الجلسة، بأنها الوحيدة التي يحضرها فقط المحاميين العراقيين. فقد منع المحاميين العرب والأجانب من المرافعة لعدم أستكمال شروط قوانين المحاكم العراقية. وقد يكون هذا هو سبب أخر لمغادرة الدليمي القاعة كونه لا يقوى على الدفاع لوحده بدون الدعم العربي والأجنبي. وقد يكون لأول مرة محقاً بهذه الفعالية، بعد أن تيقن بان هذه الجلسة ستكون قوية ويتطلب لجنة دفاع محنكة في اللف والدوران. والمضحك بالأمر أن المحامي الأردني العرموطي لم يسمح له بالمرافعة في الجلسة الثامنة إلا لدقائق محدودة، إذ علبهُ القاضي رؤوف في أكياس عرموطية الشكل وأرسله الى بلاده مترجياً بعدم تصدير هكذا عرموط فاسد.

بعد أن غادر الدليمي القاعة خاف برزان أن يبقى لوحده فحاول أن يكرر نفس السيناريو السابق. إذ فز مذعواراً، محاولاً أن يعترض على قرار المحكمة لتعين محاميين عنهم دون توكيل. حاول أن يرفض هذه الواقعة القانونية، الأنسانية، وطلب أن يغادر هو القاعة أيضا وكأن نسى أن دخول الحمام ليس مثل خروجه. فردعه القاضي وقال له أن القاضي هو الوحيد الذي يحق له طرده من القاعة إن شاء ذلك، وبمعنى اخر، انك متهم ذليل لا يحق لك أن تجاوز حدودك.
من الملفت للنظر أن القاضي كان متيقضاً لهجمات المحتال برزان. فقد نبهه منذ البداية بأن هجماته من اليمين أو اليسار لم تجدِ نفعاً وأنه لن يسمح له أن يخطب ويهتف ويحول المحكمة الى أم المهازل، تلك التي تشبه محاكم نظامهم المقبور. وحين حاول أن يستفز القاضي أوقف تجاوزاته بأسكاته لفظاً ونهراً. عندئذ تقين برزان أن جولته السابقة كانت فاشلة عندما تهستر وصرخ وجلس على الأرض كالطفل المدلل. وأن القاضي لن يضلل بألاعيبه مما حدى به ان يجلس مؤدبا ويسأل كالتلميذ المعاقب بكل لطافة وإحترام.

كانت هذه الجلسة تحسب لصالح القضاء الحاسم، إذ أبرز ما تميز به القاضي، هو السيطرة التامة، منذ الدقائق الأولى، على مجريات الجلسة بكاملها مما حولها الى جلسة، قصيرة، هادئة، أستمع الجميع الى الأدلة الدامغة التي تدين المجرمين صدام وبرزان.
كما ان هذه الجولة سجلت ضربات قاضية، تسقيطية للمتهمين توم وجيري، أذ عرضت هيئة الأدعاء العام تسلسل تأريخي سليم ومنسق من أول أيام الجريمة الى ما بعد الأعدام وأطلاق سراح بعض المتهمين، موثقة بالبيانات والقرارات التي أصدرها برزان بنفسه وعرضها على أخوه المجرم، صدام، ليصادق عليها موقعة ليس بخطهما فقط وأنما بملاحظاتهما الشخصية، الشريرة الخالية من الأنسانية، ووجهات نظرهما القاسية بشأن الأعدامات والنفي الى الصحراء وحتى تجريف البساتين وأسقاط حقوقهم الملكية والشرعية.

أثبتت الادلة بوضوح، بأن الجهة الراعية والمقترحة لحفل الأعدام الجماعي بحق 148 مواطن وتهجير أكثر 399 مواطناً، هي دائرة المخابرات العامة التي يترأسها المجرم برزان. بل والأكثر إجراما ان يطالب الجزار من أخيه، بتثمين كل منفذي حفل الأعدام والتهجير الجماعي، تقديرا لجهودهم الشريرة التي نفذت كل اوامرهما بشفافية عالية.
أدان برزان نفسه في هذه الجلسة سهواً، أذ أعترض على قصاصة من الورق توضح فيها رسالة من احدى مديريات المخابرات اليه. كان اعتراضه بأن هذه الورقة لا تحمل الختم الاصلي للمديرية بالوقت الذي عرض المدعي العام قرارات الأعدام والتهجير والتجريف بالختم الأصلي لدائرته.

أثبتت الوثائق بأن 46 مواطناً ماتوا تحت التعذيب البربري في دائرة المخابرات العامة قبل تنفيذ حكم الأعدام بالبقية مما حدى بمحكمة الثورة الصورية الى أصدار قرار بتنفيذ حكم الأعدام ب 148 موقوفا لكن واقع الحال أنهم نفذوا حكم الأعدام فقط بحق 96 موقوفا أما البقية فكانوا في عداد الموتى لكن اسماءهم أدخلت في هذه القائمة دون تدقيق. وهذا يثبت حقيقة مهمة بأن هذه المحكمة لا تستدعي المتهمين ولا حتى تطابق أسماءهم الواردة في القرار مع المتهمين القابعين في السجون. وهنا وفق المدعي العام إثبات ذلك من خلال وثائق وتقارير لجنة التحقيق التي شكلها الصنم بنفسه بناء على التصرف البربري الذي أدى تنفيذ حكم الأعدام خطأ بحق 4 اشخاص أبرياء. وبدل أن يعالج الأمر بطريقة انسانية، إعتذارية، تعويضية، أقدمت الطغمة الحاكمة على أضافة أسماء هؤلاء الشهداء الأبرياء الى قائمة حفل الاعدام الجماعي. ونتيجة هذا الأهمال الذي لا يحترم كرامة المواطن العراقي. تبين أن إثنين من الذين صدر حكم الاعدام بحقهم قد أطلق سراحهم سهواً أيضاً. ولم تنتبه المؤسسة البربرية للأمر لأنها غير مهتمة بعدد الموتى. لكن الذي لفت الأنتباه هو ان هذين المواطنين قد ذهبا الى مكان عملهما، مطالبين اعادتهما الى الخدمة بعد أن أطلق سراحهما، مما سبب أشكال قانوني، إذ دب الهلع في كل المؤسسة الصنمية وجرى تحقيق جديد وتبين أن هذين المعدومين قد ظهرا الى الحياة من جديد بعد أن احتسبا في عداد الموتى وقد الغيّ وجودهما الأنساني والحقوقي من كل مؤسسات الدولة القرقوشية. وقد أثار هذا الموضوع لغطاً كبيراً مما حدا بالصنم نفسه أن يشملهم بمكرمته الكريهة بعد أن ادرك ان إعدامهم من جديد سيسبب لهم فضيحة جديدة.

من الوثائق المهمة في هذه الجلسة هي شمول حكم الأعدام تسعة شباب دون سن الرشد. وبدل أن تأخذهم الشفقة والرأفة بحق هؤلاء الأطفال، أضطر أزلام الصنم الى أقتلاع الاطفال من أحضن أمهاتهم من معسكرات التهجير في صحراء السماوة لينفذوا حكم الأعدام بحقهم فقط لإستكمال العدد الموجود في قائمة حفل الأعدام الجماعي.
لكن من الغريب بالأمر أن يتباكى مراراً المجرم برزان في جلسات المحمكة مترجياً إطلاق سراح أبنه، طالب الدراسات العليا، الذي أعتقل بدون ذنب يذكر سوى انه من سلالة مجرمة، فاسدة... ترى لم َ لم تأخذه الرأفة والأنسانية بحق هؤلاء الأطفال الشهداء. فمرة ثانية يثبتون الطغاة انهم يتعاملون بوجهين في أن واحد، وجه السفاك، السلطوي، الذي لا يتورع عن خنق النفس البرئية بأبشع الاساليب، ووجه الانسان، المتهم ، الطيب، الوارع والمظلوم في أن واحد.
رغم كل الادلة التي تدين وحشية المجرم برزان في واقعة الدجيل، لكنه كرر ألتماسه الانساني لعرضه على لجنة طبية لمعالجة مرض السرطان الذي أبتلى به ولكن الجلسة أنتهت ولم نعرف رد القاضي، الاستاذ رؤوف عبد الرحمن.
أرجو أن لا تأخذه روح الشفقة بحق هولاء الاؤباش الذين لم ترمش عينهم لحظة وهم ينفذون حفل الاعدامات الجماعية ولم تأخذهم الرأفة بحق أبادة وتهجير وإذلال شعب بكاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية