الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- مواطنون- لا - شحاذون-

سعيدي المولودي

2018 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


مع حلول موسم القَرِّ واحتداد معاناة الغالبية العظمى من ساكنة الجبال المنسيين،( الذين يصارعون الطبيعة ويحفرون أسباب الحياة بأظافرهم الدامية وعرقهم النازف،ليرفعوا في وجه دجالي التنمية البشرية وغير البشرية كوجيتو: أنا أكدح إذن أنا موجود،) تتحرك كيانات الدولة بمعناها التسلطي،لتمارس ديماغوجيتها الاجتماعية والاقتصادية وتروج لمفهوم الدولة باعتبارها الأم الحنون ، راعية البيت الأمومي ، ورمز الخصب والنماء، وأياديها فوق أيادي الجميع، وهي الملاذ الآمن، والحصن المكين، ومتأهبة للظهور أو التدخل في اللحظات الحاسمة لتُسعِف الجميع. وهذا الإجراء في الجوهر لا يكرس سوى معالم الاستبداد المطلق وتقاليد النظام الإقطاعي وقيمه المعروفة، وهكذا تتقدم لتوزيع إعاناتها على المواطنين، وتغرس في وعيهم الظاهري والباطني الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس وتمارس عليهم طقوس الاستعباد والتبخيس والازدراء والخصاء الذهني، لإرغامهم على الاستسلام والاقتناع بفتات موائد اللصوص وقطاع الطرق والمضاربين الكبار الذين يفترسون الكتف افتراسا، ويمضون سراعا إلى جنات تجري من تحتها الديموقراطيات الملوثة. وإيهامهم أن حظهم من هذه البلاد وخزائنها وخيراتها وكنوزها لا يتعدى ملاءة رخيصة مستوردة، وقالبا من السكر المُر، وكيس غبار صغير من دقيق، وبعضا من زيت رديء، وهي مواد لا تسمن ولا تغني من جوع أبدي يحاصرهم، ولكنها تؤدي دورا مركزيا في آليات تكريس ثقافة الاستعباد وتحسيس المواطن في أعالي الحبال ومنحدراتها بأنه منبوذ وأن لا مكان له في هذا الوطن، وأن الدولة ترعاه برحمتها، وتمد له يد العون، تكرما منها، وهو وحده المسؤول عن واقعه المتردي والبئيس.، وتستدرجه للشاشات الطينية ليقول في خوف وارتباك جارف: كل شيء على ما يرام.... وعاش المواطن الذليل.
السؤال الخانق بشأن هذه المبادرات أن المناطق التي توزع فيها " مواد" و"أشياء" هذا الإحسان المُهين، تتوفر على مؤسسات وهيئات تمثيلية ومجالس منتخبة بشكل ديمقراطي وبنسبة مشاركة قاتلة، تجاوزت تخوم الشفافية لحدود الغيم،فما هو دور هذه المؤسسات والهيئات إن لم يكن الاضطلاع المسؤول بإنجاز وتنفيذ مشاريع تنموية اجتماعية واقتصادية وثقافية تنهض بهذه المناطق وتفتح أمامها سبل التحرر من ضغط الأوضاع المتردية والتقاليد والممارسات البالية وتتيح المجال لتقدمها وازدهارها وانخراطها في ركاب العصر، إن حق المواطنين على هذه الهيئات وعلى الدولة أن توفر لهم شروط وظروف العيش الكريم، وأن تضمن لهم على الأقل الحد الأدنى من هذه الظروف : توفير البنيات التحتية والتجهيزات الضرورية والأساسية ، شق شبكة الطرق، وبناء القناطر والحسور، وتطوير موارد وأساليب العيش القائمة التي تعتمد على الزراعات البدائية والاقتصاد المعيشي الميت وإعادة هيكلته، وتوفير قنوات الري، وتنمية الموارد المائية والخدمات الصحية ومنافذ الشغل والتعليم للجميع وتشجيع الإنتاجات المحلية وتعميم الماء الصالح للشرب و والكهرباء، والاعتراف بالدور الأساسي لهؤلاء المواطنين في التنمية المحلية والجهوية والوطنية وبدور المرأة والشباب في هذه المناطق ورفع إسهاماتهما في مجالات التنمية، والعمل على خلق بيئة مشجعة تضمن الإطار المناسب للحياة السليمة والكريمة ... و باختصار الاعتراف بالحق في التنمية لهذه المناطق، وبالدور الهام الذي تضطلع به في بناء الوطن.
والثابت أن الواقع يكشف أن كل هذه الهيئات بما فيها الدولة لا تؤدي واجبها ودورها المطلوب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وأن الطقس أو التضاريس الطبيعية إطلاقا لا يتحملان أية مسؤولية عن هذه الأوضاع المزرية ، بقدر ما هذه الهيئات هي المسؤولة، ولذلك ينبغي محاسبتها، على ما قدمته، بدل أن تقوم الدولة بمحاسبة المواطن وإذلاله والمن عليه هذا المن الخبيث الذي يجعل منه شحاذا أو متسولا أو لاجئا متسكعا انقطعت به السبل، وتصب عليه شرور خيانتها لدورها وعدم أدائها لمهامها المطلوبة. لماذا نربط المسؤولية هنا بإذلال المواطن واحتقاره وليس بمحاسبة ناهبي خيرات هذه المناطق ومواردها الخامة وغير الخامة.
إن ثقافة "الإحسان" هي في الحقيقة وجه بدائي ومتخلف لآليات التضامن والتعاون والتكافل، وعلاوة على أنها تحمل في ثناياها ظلال أيديولوجية دينية عتيقة تعزز قيم وضع المواطن تحت هيمنة "المطلق" بما يحيل مباشرة إلى سلطة الدولة، بحيث لا يغدو المواطن مواطنا إلا إدا كان العبد المطيع لها، الخاضع لمنطق اختياراتها مهما كانت متعارضة مع مصالحه الفردية أو الجمعية، فهي تحمل وجه إدانة صريحة للدولة ذاتها وتقصيرها المفرط في القيام بدورها. والإحسان في النهاية بهذه الصيغ لن يسهم في تعزير تطور المجتمع أو تقدمه، ولن يحل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي تعاني منها بلادنا، ولذلك فإن الواجب يتطلب رفض تدخل الدولة بهذا الشكل لمواجهة الواقع المتردي الذي تحياه المناطق الجبلية والأعالي.
إننا نحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية مُوَاطِنة تطرح مبادرات تنموية جريئة، ونحتاج إلى هيئات ومؤسسات مُواطنة كذلك تنهض بدور استثنائي ومتميز وفعال لتلبية الجاجات الأساسية الكبرى لهذه المناطق، فأهلها مواطنون لهم حقوقهم الكاملة في هذا الوطن، وليسوا شخاذين يثيرون عطفنا وكرمنا كلما اقترب فصل الشتاء لنرمي في وجوههم شظايا من خيرات هذه البلاد التي يغتني فيها كل الأفاقين والمفسدين بدون حسيب ولا رقيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟