الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبنى الأيل للسقوط

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2018 / 1 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عندما توشك المباني على التداعي تزيد فيها الشقوق والصدوع وتنهار فيها المرافق، وتصدأ الأنابيب فتسرب محتوياتها إلى الحوائط ويختلط الصرف بماء الشرب، وتتمرد الأسلاك على موقعها داخل الحائط وتنسى أن وظيفتها الأساسية هي نقل الكهرباء للأجهزة والمصابيح لتعمل.

وهنا تجد الحشرات والقوارض فرصتها للنمو والتوالد والدخول من بين الشقوق والصدوع ويصبح وجودها طبيعيا وتسمح الأوضاع لها بالنمو والتكاثر والتحرك بحرية، وينتهي الأمر أخيرا بتقويض البنيان وإنهيار أركانه، وهذا هو حال مصر الآن!

ولذلك فليس غريبا أن يظهر كل هذا القدر من التسريبات في آن واحد ومن أعلى جهة أمنية في البلاد "المخابرت الحربية" والحقيقة أنه وكما لا يقوم شئ بوظيفته الطبيعية في البناء المتداعي أو على الأقل لا يقوم بعمله بكفائة، فكذلك أصبحت كل أجهزة الدولة مجرد لافتات على أشياء أخرى لا تمت لوظيفتها الأساسية بصلة.

وعلى حد معلوماتي المتواضعة للغاية فإن المخابرات الحربية يفترض أن تقوم بمهمة حماية البلاد من الأخطار الخارجية، مثل سد يتم بنائه على منابع النيل – مثلا – فيحجب الماء القادم عن مصر وتموت أرضها ويموت سكانها عطشا، أو أن تعمل على حماية البلاد من الإرهابيين والمسلحين القادمين من الخارج – مثلا – لا أن تتركهم يتجولون بأريحية في البلاد ويحدثون أضرارا مستمرة هنا وهناك.

أو أن يعملوا على تتبع نزيف تهريب الآثار الذي بلغ حدا غير معقول ولا متصور في هذه الفترة البائسة من تاريخ الدولة وإيقاف هذا النزيف وتقديم المسؤولين عنه للعدالة.
إلا أن الحال على ما يبدو مختلف تماما عن معلوماتي المحدودة القاصرة، وهو ما تظهره التدفقات – ولا أقول التسريبات – التي خرجت من هذا الجهاز المهم للغاية والذي لم يستطع حماية مكالماته من المتجسسين، حيث تبين أن وظيفته هي العمل على ترويض الناس وغسيل أدمغتهم وتوجيههم لتمرير أي شئ يخدم السلطة ولو كان على حساب التاريخ والجغرافيا والمقدسات والبديهيات.
إن ما يفعله هؤلاء ليس قاصرا على توجيه الإعلام والمشاهير لقول ما يريدونه وما يخدم النظام الحاكم، ولكن هذا التأثير أصبح ممتدا لكل مناحي الحياة لدرجة أنك لن تتمكن من العمل والحياة بشكل طبيعي إذا ما كان هناك أحد من رجال السلطة غير راضٍ عنك. يمكن لهؤلاء أن يحيلوا حياتك إلى جحيم حرفيا ودون أن تمتد إليك أيديهم بصورة مباشرة فيكفي أن يوضع إسمك في قائمة سوداء وبعدها ستجد نفسك معزولا منبوذا يعمل الجميع على إثارة أعصابك وتعطيلك وإستهلاك طاقتك.
هؤلاء لا يمانعون في إنفاق ملايين ومليارات الجنيهات لتتبع ورصد من تسول له نفسه الإعتراض على تجريف ثروات البلاد وتوغل الفساد فيها لحد يصبح معه كل شئ فاسد الماء والهواء والأرض والسماء، فعليك أن تطيع بلا نقاش وتقبل كل ما يفعل بك وبوطنك وحتى ينهار البناء على رأسك في صمت!
هؤلاء أصبحوا يتحكمون في الكل وبمكالمة واحدة يمكنهم أن يوجهوا عليك ألاف الألسن السليطة وقطعان من العبيد الراجين في رضاهم ليتركوهم يعتاشوا على الطعام الفاسد المتحلل الذي يتركونه لهم.
إن هذا الجو الفاسد لا يسمح إلا بنمو وتحكم الفاسدين، بل أنه في مصر المجرمين يطردون الشرفاء في كل شبر، وكل موقع وجميع الأماكن محجوزة للمتذللين والمتزلفين والعبيد حتى أنهم لا يتركون مكانًا لأصحاب الموهبة والمجتهدين ونظيفي اليد، وعليهم أن يموتوا في صمت وهم يراقبون تداعي هذا البنيان الأيل للسقوط أو يصرخون دون أن تطرق صرخاتهم أسماع شعب مغيّب يسير مغمض العينين نحو حتفه بدعم وتوجيه من أجهزته الأمنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط